إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

بنك فيصل الإسلامي!؟

الباب الثالث

الآثار السياسية لبنك فيصل



لقد كشفنا في الفصلين السابقين خطل الدعاوي التي يستند اليها دعاة البنوك (الإسلامي)، كبنك فيصل، من حيث جدواها الاقتصادية، وشرعيتها الإسلامية.. بل لقد ذهبنا، عن طريق التحليل العلمي، الى اثبات الآثار الضارة، ابلغ الضرر باقتصادنا التي تترتب على اطلاق يد تلك البنوك.. وفوق ذلك، فقد ذهبنا عن طريق الاستدلال الشرعي والفقهي، الى اثبات، ليس فقط معاملات ذلك البنك الربوية، مما يضعه في مجافاة تامة للشريعة، حكمة ونصا، وانما مبلغ التعويق الذي تشكله هذه التجربة على البعث الإسلامي الصحيح، من حيث انها تتنكب سبيل هذا البعث فتذهب في الاتجاه الخاطيء الى تقديم القانون على التربية، ومن حيث انها تزيف الشريعة، والدين، فتحلل ما هو محرم، وتضلل عن مراد الدين، وهى تتأول النصوص بصورة متعسفة، مغرضة.. وذلك مما يجرد تلك البنوك من صفتها الإسلامية تجريدا تاما، ومما يجعل حتى للنظام المصرفي التقليدي فضيلة عليها تأتيه من أنه، على ايسر تقدير، لا يتستر بالإسلام، ولا يزيف احكامه، ولا يضلل عنه، ومن انه، الى ذلك خاضع لرقابة، وهيمنة الدولة الاقتصاية، والمالية!! ثم ان لهذا البنك من الآثار السياسية ما يشكل تهديدا شديدا لمصير هذه البلاد، كما تدل عليه اشد قرائن الاحوال قوة..

دعم الدعوات (الإسلامية)


لقد تبلور في بلادنا اتجاهان للدعوة الإسلامية، ظلا يصطرعان، منذ حين، وهما، الآن، انما يخوضان آخر معاركهما الحاسمة..
اما الاتجاه الاصيل، والذي يتفق مع قيم هذا الدين، وقيم هذا الشعب، فيقوم على أساس ان المسلمين، اليوم، قد عادوا الى جاهلية ثانية، يتمسكون فيها بقشور الإسلام دون لبابه، مما يقتضى بعثا إسلاميا جديدا، يبدأ، كما بدأ البعث الاول، بإعادة صياغة المسلمين على أخلاقية جديدة، إسلامية، بحيث تتقدم التربية على القانون، فلا يسبقها، او يكون بديلا عنها..
وهذا الاتجاه يقدم الإسلام في المستوى العلمي الذي يظفر بحل مشكلات الحياة المعاصرة، وذلك بتطوير تشريعه من فروع القرآن الى اصوله، ثم انه هو يتخذ اسلوب القدوة الحسنة، والاقناع الفكري، لا الوصاية، ولا الارهاب.. ولقد اتجه نظام مايو نحو هذا الفهم المتطور للإسلام، حتى تبلور اتجاهه في أسس عامة، يمثلها كتاب (النهج الإسلامي.. لماذا؟؟)..
أما الاتجاه المناويء فهو الاتجاه المتخلف الذي يقوم على افتراض خاطيء ممعن في الخطأ، بأن المسلمين اليوم، وبرغم القرون الطوال من البعد عن الإسلام التي مرت بهم، لا ينقصهم الا تطبيق احكام الشريعة فيما يسمونه بالقوانين الإسلامية، في رفض تام لفكرة تطوير التشريع المتكاملة، وفي اغفال تام لضرورة التربية، والتوعية قبل سن التشاريع، ووضع النظم، وذلك مما ورط دعاة هذا الاتجاه في تزييف الشريعة، واتخاذ اساليب الهوس والارهاب، وفي تشويه صورة الإسلام بتقديمه في صورة لا تحترم عقلية الانسان المعاصر..
وتجيء فكرة البنوك (الإسلامية) منسجمة مع هذا الاتجاه المتخلف، وهى تدّعي العمل على تطبيق (فقه المعاملات الإسلامية) على مجتمع لم يكتمل وعيه الإسلامي، ولا تربيته الإسلامية، بل ان الازمة الاساسية التي يرزح تحتها هذا المجتمع انما هي، في الحقيقة، ازمة اخلاقية تتسع دائرتها، يوما بع يوم، فضلا عن هذا ان هذه البنوك نفسها انما هي فكرة مجافية (لفقه المعاملات الإسلامية) تمام المجافاة، كما اسلفنا..
فالمستشار الإعلامي (للاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية) يقول، في استطلاع صحفي، بجريدة (الصحافة) بتاريخ 3/11/1982:
(سيسجل للقيادة السياسية والتشريعية في بلادنا سبقها في تشجيع ودعم تجسيد فقه المعاملات الإسلامبة).. فبنك فيصل، بذلك، صاحب دعوة مذهبية بعينها تتفق مع الدعوات المذهبية التي تسعى الى تحكيم احكام الشريعة، ولذلك فإن لهذا البنك ضوابطة التي تحكم حركته، كما عبر عن ذلك (المستشار الإعلامي) في ذلك الاستطلاع الصحفي، بقوله: (ولا ريب ان هناك مؤشرات وموجهات اخلاقية ودينية تحكم حركة البنك كمؤسسة تمويلية)..
وهذه المؤشرات والموجهات انما هى، بالطبع، في خدمة الاتجاه الديني المذهبي الذي يتبناه البنك.. حتى ان من شروط الخدمة للوظائف القيادية، والقاعدية، في البنك (التزكية من شخصية إسلامية)، ومنها (السلوك الإسلامي).. (الشخصية الاسلامية)، هنا، وبالضرورة، لابد ان تكون شخصية ملتزمة بذلك الاتجاه الديني المذهبي المحدد للبنك، و(السلوك الإسلامي)، ايضا، هو السلوك الملتزم بالعمل من اجل ذلك الاتجاه..
ولذلك فإن من الطبيعي، والمنطقي، ان يدعم البنك، بالوسائل المالية والاقتصادية، المتاحة له، وحيثما امكنه ذلك، اى اتجاه يتفق مع دعوته الى تحكيم (فقه المعاملات الإسلامية) المزعوم، كما ان من الطبيعي، والمنطقي، ان تتحكم في اداراته العناصر التي تدعو هذه الدعوة، فتسيره في اتجاه نصرتها.. لا سيما ان ميزانيات هذا البنك تضم بنودا فضفاضة، وابوابا واسعة للصرف، مثل ما يسمى (بالقروض الحسنة)، حين يمكن ان يؤخر السداد في حالة عجز المدين، استغلال للآية (فإن كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة)، او ان يعفى المدين من السداد، مطلقا، فيسدد عنه من مال الزكاة المرصود، باعتباره من (الغارمين)، كما اشرنا سابقا، ومما يعتبر تأويلا متعسفا، وسيئا لاحكام الشريعة.. كما ان صيغ (المشاركة)، و (المضاربة)، و (المرابحة) المتداولة، صيغ غير محددة، مما يتيح للبنك ان يتعامل مع فرد دون آخر، ومع جهة دون آخرى، بلا مبرر معلن، وذلك تحت ظل التحرر من اشراف بنك السودان الذي يتمتع به البنك، والذي هو في حد ذاته، تمييز غير عادل، بل هو مضر ماليا واقتصاديا..
فمادام للبنك اتجاه ديني محدد يسعى الى تحقيقه فإن من الطبيعي والمنطقي ان يقدم من التسهيلات التجارية والاقتصادية ما يخدم هذا الاتجاه، بصورة أو آخرى، أو، على الاقل، أن يكون للأفراد، والجهات التي تعمل في نفس هذا الاتجاه أولوية، أو فضيلة، في التمتع بهذه التسهيلات.. ومن الطبيعي، والمنطقي، أيضا، ان تتجه بنود (الزكاة والتبرعات والمساهمات التي يقدمها البنك، وهو (يأخذ شكل المؤسسة الخيرية التي تعمل خارج اطار صيغ الربح)، كما زعم له (المستشار الإعلامي) في ذلك الاستطلاع الصحفي – من الطبيعي والمنطقي ان تتجه تلك البنود لخدمة الدعوة الدينية التي يتبناها البنك.. والبنك بالطبع، انما يقدم تسهيلات ومساعدات لأفراد، ولجهات، من عامة الشعب، بخلاف الأفراد والجهات التي تناصر دعوته بصورة مباشرة، بل انه انما يقدم التسهيلات والمساعدات للدولة نفسها!! ولكن أليس البنك في موضع الاتهام، ايضا، بأنه بتلك التسهيلات والمساعدات، انما يمارس صور من صور الترغيب لكسب التأييد الشعبي، والرسمي، لاتجاهه المذهبي، او على الاقل، لأثبات الجدوى المالية، والاقتصادية، لهذا الاتجاه، مما يمكن ان يعتبر من اساليب التأثير السياسي؟؟ الا يتفق مع اهداف البنك، بأكثر مما يتناقض معها، ان يقدم الدعم المالي، والإقتصادي، للأفراد، والجهات التي تعمل في نفس حقل الدعوة المذهبية الذي يعمل هو فيه، فيقدم هذا الدعم، مثلا، لمرشح، في الانتخابات للجهاز التشريعي، يعتبر عند البنك (شخصية إسلامية) (كتلك التي يعتمد على مشورتها حتى في استخدام عامليه)، وهذه الشخصية تدعو، دعوة البنك، الى تحكيم (فقه المعاملات الإسلامية) حتى تعمل هذه الشخصية لنصرة هذا الدعوة من داخل الجهاز التشريعي، لا سيما و (المستشار الإعلامي)، في ذلك الاستطلاع الصحفي، قد سجل اعجابه بالاجهزة السياسية والتشريعية فيما زعمه من (سبقها في تشجيع ودعم تجسيد فقه المعاملات الإسلامية)؟؟ الا يتفق مع اهداف البنك، بأكثر مما يتناقض معها، ان يدعم، ماليا واقتصاديا، العناصر، والاتجاهات، التي تعمل لتحكيم (فقه المعاملات الإسلامية)، حتى يقوم نظام الدولة كله على اساسه؟؟
هناك، اذن، آثار سياسية مترتبة على عمل هذا البنك، اما بحكم الاهداف المذهبية التي يسعى هو لتحقيقها، او بحكم انفتاحه امام استغلال الاتجاهات المذهبية التي تعمل لتحقبق نفس الأهداف.. فلكأن البنك انما يدعم اتجاها دينيا مذهبيا، ضد اتجاه ديني مذهبي آخر، في صراع كان يجب ان يكون وسائله متكافئة، وظروفه طبيعية، حتى يكون الاقناع، والاقتناع الفكري، وحده، هو الفيصل.. أليس البنك، بتلك الاهداف لتحكيم (فقه المعاملات الإسلامية)، ثم بانفتاح ادارته امام سيطرة العناصر التي تدعي نفس الاتجاه، عرضة لأن يستغل من تلك العناصر، استغلا سياسيا، في تحقيق اهدافها، هى، في السلطة، لا سيما اذا كانت هذه العناصر لا تتورع عن استخدام اى سلاح من اسلحة الترهيب، لتحقيق اهدافها السياسية، ثم اتيح لها امضى اسلحة الترغيب، وهو سلاح المال، في ظل ازمة اخلاقية مجتاحة وضائقات معيشية طاحنة؟؟ الا تشكل الدعوة الى تطبيق (فقه المعاملات الإسلامية) التي يتبناها البنك، في اكثر المجالات حيوية، وهو المجال الإقتصادي والمالي، عنصرا فعالا في ازكاء موجة الهوس الديني الوافدة الينا من ايران، ومن مصر، وهى موجة تقوم على الدعوة القاصرة الى تحكيم الشريعة، ثم هى، في غياب السند العلمي، والاسلوب الموضوعي، لا تجد لها من سبيل سوى سبيل الاثارة المهووسة؟؟

تمويل المواد التمويلية الاستراتيجية


يقرر (المستشار الإعلامي)، في ذلك الاستطلاع الصحفي، ان البنك يقوم (بتمويل المواد التموينية الاستراتيجية)، وضرب مثلا (بتمويل أدوية ب 20 مليون دولار، منها 12 مليون دولار في العام الحالي، وتمويل مواد بترولية ب 23 مليون دولار في العام الماضي و 14 مليون دولار للعام الحالي، ومواد غذائية مختلفة – عدس، لبن ارز- بما لا يقل عن 3 مليون جنيه، ومواد بناء 12 ألف طن حديد) انتهى.. والمعروف أن الدولة قد ظلت تتولى، بنفسها، مسئولية استيراد هذه السلع الاستراتيجية، وتوزيعها، وذلك لأهمية هذه السلع الحيوية بالنسبة لحياة الشعب، وأمن البلاد.. والدولة، عندما ما سمحت في (برنامج الانعاش الإقتصادي)، باستيراد القطاع الخاص لبعض هذه السلع، انما استهدفت تخفيف العبء على مواردها من النقد الأجنبي، وفك الاختناقات التموينية.. ولا ضير، بالطبع، من ان يقوم باستيراد هذه السلع الحساسة افراد من القطاع الخاص، وهم لا تربطهم رابطة مذهبية معينة، او هدف سياسي معين.. بل ان هذه المساهمة من القطاع الخاص انما تعتبر من واجباته التي تمليها طبيعة المرحلة التي يمر بها اقتصاد البلاد.. ثم ان هذا القطاع، وعلى ايسر تقدير، انما يتلقى على ذلك عائدا تجاريا مجزيا يكفيه.. اما ان يتولى بنك، كبنك فيصل، له اتجاه مذهبي يسعى لتحقيقه، واقامة نظام الدولة عليه، لهو امر ينطوي على مخاطر امنية وسياسة، يجب التحسب لها، واحتوائها.. ولقد جاز الخطل في دعاوي البنك (الإسلامية) بالمعاملات اللاربوية على قمة المسئولين الاقتصاديين والماليين، حتى ذهب الى منحها المزيد من (المساعدات الخاصة)!! فقد جاء في خطاب الميزانية للعام 82/1983، للسيد ابراهيم منعم منصور، وزير المالية والتخطيط الإقتصادي، أمام مجلس الشعب القومي: (كما سنعمل على ان تنشيء البنوك التجارية، وبنك فيصل مجتمعين بنكا إسلاميا صرفا حتى يسير المجتمع بالتدريج المتمهل نحو المجتمع اللاربوي عن اقتناع، فتتلاشى البنوك الربوية الحالية الى غير رجعة ويسود المجتمع المالي اقتصاديات المشاركة والمرابحة والقرض الحسن وشريعة الرحمن) انتهى.. فما ظن السيد الوزير بمن يخبره بأن صيغ (المشاركة والمرابحة والقرض الحسن) المزعومة كما تمارسها هذه البنوك، انما هي صيغ ربوية لا علاقة لها بشريعة الرحمن، وبأن سوءها اشد من سوء المعاملات الربوية السافرة، لأنها انما تلبس الحرام لبوس الحلال فتضلل عنه المتورعين حتى توقعهم فيه، وتسخر للطامعين حتى يتخذوه مطية لأطماعهم؟؟ ولقد قدم اربعة من اعضاء مجلس إدارة بنك فيصل المصري، ومنهم الامير سعود بن فهد بن عبد العزيز استقالاتهم من ذلك البنك لاعتبارات ذكروها، منها ان عملياته (غير إسلامية) – الاهرام الاقتصادية) العدد 689، بتاريخ 29/3/1982.. وبالطبع فإن بنك فيصل المصري يقوم على نفس اسس بنك فيصل السوداني، وبرئاسة نفس رئيس مجلس الإدارة.. أما (التدريج المتمهل نحو المجتمع اللاربوي عن اقتناع) فسبيله هو (النهج الإسلامي) المطروح كسياسة عامة للدولة، وهو يقدم التربية والتوعية على القوانين والنظم.. وقال السيد الوزير في نفس الخطاب: (لقد انتظمت البلاد صحوة إسلامية في المجال الإقتصادي، وقامت عدة بنوك ومؤسسات لا تتعامل بالربا، وتسير على هدى الشرع.. وايمانا منا بأهدافها، وتشجيعا منا لأغراضها ندرس الآن تقديم مساعدات خاصة لها في المراحل الاولى من عمرها حتى يقوى عودها وتستلم راية العمل الإقتصادي الإسلامي) انتهى.. ان هذه البنوك، مهما التحفت بالفتاوى المزيفة، انما هي بنوك ربوية، ممعنة في الربا، فلا عبرة بحديث السيد الوزير عن (الصحوة الإسلامية في المجال الإقتصادي)، بل ان هذه البنوك انما تشكل معوقا ضخما للصحوة الإسلامية الحقيقية، بتزييفها للإسلام وبتضليلها عنه.. أما بالنسبة (للمساعدات الخاصة) التي وعد بها السيد الوزير تلك البنوك فإن المساعدات والاعفاءآت، انما تمنح حسب القانون، لأى عمل إقتصادي بسبب اهميته، وحجم استثماره، لا لأى سبب آخر مثل تلك (الصحوة الإسلامية) المزعومة!! فالمادة (9) البند (أ) من قانون تشجيع الاستثمار لسنة 1980 تقول: (يجوز للوزير وفقا لأحكام المادة (8) ان يعفي المشروع كليا أو جزئيا من ضريبة أرباح الاعمال لمدة اقصاها خمس سنوات تبدأ من تاريخ بدأ الانتاج ويكون تحديد مدة الاعفاء وفقا لأهمية المشروع الاقتصادية وحجم الاستثمار) انتهى كما جاء في المادة (16) من القانون (لا يجوز منح اى من الميزات والتسهيلات الواردة في هذا القانون الا بعد تقديم دراسة جدوى فنية اقتصادية للمشروع) انتهى.. ولقد اثبتنا عدم الجدوى الاقتصادية، بل اثبتنا الضرر الإقتصادي لفكرة هذه البنوك.. يكفي ان تلك الجدوى على ايسر تقدير، محل خلاف بستدعي اعادة النظر في تقويم التجربة، لا المضي في منحها المزيد من الاعفاءآت، التي تمكنها من بسط نفوذها على النشاط الإقتصادي، مما ينطوي على اشد المخاطر الامنية، والسياسية..

المردود الحضاري والإجتماعي


لا يمكن ان يقدم بنك فيصل اى (مردود حضاري أو إجتماعي) كما زعم له (المستشار الإعلامي) في ذلك الاستطلاع الصحفي.. ذلك بأنه يقوم على فهم متخلف للإسلام، قصاراه ان يزيف الإسلام، وان يعوق بعثه.. ولا يمكن ان يكون من وراء تعويق بعث الإسلام اى (مردود حضاري او إجتماعي)، بل ان الفرصة الوحيدة لخلاص البشرية، واستنقاذ الحضارة، انما هي في بعث الإسلام.. ثم ان لكم ان تتصوروا مردود هذا البنك من هذه الفتوى: (بناء على طلب البنك الإسلامي لغرب السودان اصدر مجلس الافتاء الشرعي بجواز تشغيل النساء في المصارف الإسلامية عن طريق تخصيص مكاتب خاصة بهن مع الالتزام بالزى الشرعي حيث ان الإسلام اباح للمرأة العمل والكسب خارج منزلها) انتهى – (الصحافي) 26/10/1982 والفتوى لا تعدو ان تكون تزييفا للشريعة، وتخلفا عن العصر!! فمجلس الافتاء (الشرعي) يعلم ان الشريعة لا تبيح خروج المرأة للعمل، الا باستثناء الضرورة الملجئة حين لا تجد لها عائلا فتخشى الهلاك، او الفتنة، وذلك حيث تقوم الشريعة على آية الحجاب: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَ‌اءِ حِجَابٍ)، وعلى آية (وقرن في بيوتكن).. ولكن مجلس الافتاء افتى بخروج المرأة للعمل مطلقا، وبغير استثناء، وهو يدعى الالتزام بالشريعة!! ثم اشتراط ما أسماه (الزى الشرعي)، مع ان الزى غير ذى موضوع مادام الخروج نفسه غير شرعي، وفق الشريعة.. ولعل مجلس الافتاء يقصد (بالزى الشرعي) زى (الاخوات المسلمات) الذي هو، في الحقيقة زى غير شرعي، لأنهن انما يخرجن به مخالفات لحكم الشريعة في خروج المرأة!! (راجع كتابنا "الزى عنوان عقل المرأة وخلقها")..
وما اوقع هؤلاء الاشياخ في هذا التخليط، وهم متنازعو الولاء بين الشريعة والعصر، إلا جهلهم بمرحلة الشريعة التي اوجبت الحجاب على المرأة، في عهد الوصاية، والتي يجب ان تتطور، من الوصاية الى المسئولية، على قاعدة (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)، لتعطى المرأة المعاصرة حق الاختلاط النظيف، المبرأ من حرمة التبرج والخلوة.. ان المردود لمثل تلك البنوك بمثل تلك الدعوة الدينية المتخلفة، لا يمكن ان يكون مردودا حضاريا، او اجتماعيا، على الاطلاق..
المردود الطبيعي له هو هذا التخلف الحضاري والإجتماعي الذي يتهدد مكتسبات الشعب التقدمية، ويسعى لاقامة نظام الدولة على أسسه المتخلفة.. المردود سيء اقتصاديا، وسياسيا، واجتماعيا.. وبحسبه من الشر انه معوق للبعث الإسلامي..
ونحب في خاتمة هذا الفصل ان نشير الى فتوى لهيئة الرقابة الشرعية لهذا البنك (من مطبوعات بنك فيصل صفحة 77) بجواز ان يصرف من مال الزكاة، بالبنك (على الطلبة الفقراء) (مع مراعاة ان يكون هؤلاء الطلبة ممن يرجى ان ينتفع المسلمون بعلمهم).. الا يفتح ذلك الباب ليمول البنك التنظيمات والاتحادات الطلابية ذات الاتجاه المذهبي الذي يتفق مع الاتجاه المذهبي للبنك، تحت ستار مساعدة الطلبة الفقراء، خصوصا ان هناك شرطا يحمل ظلال ذلك الاتجاه المذهبي وهو ان يكون هؤلاء الطلاب (من يرجى ان ينتفع المسلمون بعلمهم)؟ ثم الا يكون هناك، بناء على ذلك، تدخل سياسي من البنك في الحركة الطلابية، ومن خلالها، في الحركة السياسة في البلاد؟؟