إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الإسلام والفنون

بسم الله الرحمن الرحيم

متن المحاضرة
نبدأ حديثنا عن: "الفنون والإسلام" أو: "الفنون في نظر الإسلام" ... ولابد من الإشارة إلى المقدمة الطيبة ، البليغة ، التي تكرم بها السيد رئيس الجلسة ، فهي فاتحة خير ، ان شاء الله ، لحديث نرجو أن يرفع نظر الناس لما تدخره لهم السماء من سعة في حياة الفكر ، وسعة في حياة الشعور ... وما من شك أن الحديث عن الفنون يفتح هذه السعة ، في الفكر ، وفي الشعور – يفتح باب الفكر على مصراعيه .. وخاصة إذا ما قرنت الفنون بفيض السماء ، في القرآن ، وفي الإسلام .. ولذلك فقد كنت سعيداً جداً ، لأجد هذه الفرصة ، لأتحدث لهذا المستوى من المستمعين ، في موضوع هو أصل ما قام عليه الفكر ، وما قامت عليه الحياة ، في مدى ما عرف الإنسان الفكر والحياة ...

ماهي الفنون؟


والفنون هي عبارة عن وسائل التعبير عن ملكة التعبير في الإنسان .. وملكة التعبير في الإنسان أعمق من مجرد أنها عمل فكري ، هي في الحقيقة الحياة .. ملكة التعبير في الإنسان هي الحياة .. وكل حي معبر ، حتى في حيواته الدنيا .. وتعبيره بالحياة في الحياة ، هو حياته نفسها ... الحي عندما يأكل ، الحي عندما يتناسل ، الحي عندما يفر من الألم ، ويحاول تحصيل اللذة ، هو في كل أولئك معبر .. هو معبر في حياته بحياته – هو كليته تعبير .. ثم نحن ، بطبيعة الحال ، لانطلق عبارات الفنون على الحياة في درجاتها الدنيا ، حيث تعبر بكينونتها كلها ، وإنما نطلق عبارات الفنون على وسائل التعبير ، عن ملكة التعبير ، في الفكر – في الذهن البشري .. الإنسان يمكن أن يرى ان ارتفاع الإنسان ، في سلم الفكر ، عن الحيوات التي دونه ، من الحيوات العليا ، إنما هو ارتفاع مقدار ، وليس ارتفاع نوع .. الإنسان في درجات ، وأطوار ، تعبيره عن وجوده ، عندما تغشته الحيوات السفلى ، كان يعبر بلسان حاله ، زي ما دايما يقال في التصوف ، في عبارة بالمقال ، وفي عبارة بالحال .. فالحي ، قبل أن يكون عنده عباره باللسان ، وهو ما أمتاز بيهو الإنسان فيما بعد ، بيسمى معبر بلسان حاله .. بعدين ظهر الإنسان ، وأصبح منقسم ، بين التعبير بلسان الحال ، وهو التعبير القديم ، الذي ورثه عن الحياة الدنيا ، وبين العنصر الذي جد بظهوره ، وهو التعبير بلسان المقال ... وفي المستوى دا الفنون خدمتها كبيرة لي آخر درجة للإنسان .. الغرض منها أن ترتفع بعقله ، تفتق عقله ، تزيد من حيله ، وتضبط تفكيره ، تدقق تفكيره ، تفتح مجال تخيله ، وعاطفته إلى الحد الممكن يرتفع بيه عقله حتى يكون تعبيره بلسان المقال في مساواة تعبيره بلسان الحال .. الكان قبيل في بدنه ... نحن باستمرار عقلنا بينمو .. عقل أحدنا وجسده كأنما في كفتي ميزان .. نحن في وضعنا ، أجسادنا عارفة .. دي نقطة افتكر كثيرا ما تجهل .. الأجساد عارفة ، الأجساد لا تخطئ ، ولكن تخطئ العقول ... نحن بوسائل التعبير والتمرين ، عاوزين نرفع عقولنا إلى درجة الانضباط ، الذي به لا تخطئ ، حتى لكأننا بنحاول أن نوزن كفتي الميزان ، كفة أجسادنا مع كفة عقولنا .. إذا استطعت أنت أن ترى فان كفة واحدة شائله ، والكفة الثانية نازلة .. ولكن باستمرار عقولنا بتنمو ، حتى إذا استقام الميزان بالقسط ، تبقى عقولنا لا تخطئ ، كما أن أجسادنا لا تخطئ ، عبارة أن الأجساد لا تخطئ ، أنا أفتكر بتحتاج إلى شئ من الشرح الزائد .. لكني لا أنوي أن أشرحها في المقدمة .. سأتركها للنقاش ، فيما بعد .. لكن أؤكد لكم أنها نقطة مجهولة تماماً.