إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

جريدة الإنتباهة والتمادي في تشويه الفكرة الجمهورية
كاتب الإنتباهة خالد كسلا

د. أحمد مصطفى دالي


بســـــــم الله الرحمن الرحيم

جريدة الإنتباهة والتمادي في تشويه الفكرة الجمهورية
كاتب الإنتباهة خالد كســـلا


الدعوة إلى طريق محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم


في مقال له في صحيفة الإنتباهة التي أخذت على عاتقها تشويه الفكرة الجمهورية، وبتر نصوصها، وحبك الأكاذيب عنها، افتتح السيد خالـد كســـلا حديثه قائلاً: "كلام رائع منسوب إلى محمود محمد طه بواسطة إبنته دكتورة بتول.. ويبدو لي أن الكلام كان تأليفه بعد إعدام والدها بأمر المحكمة العليا ومصادقة رئاسة الجمهورية.".. وهو حديث صريح، أجراه الله على قلم السيد خالد، ليبرهن على حقيقة ما كنا نقول على الدوام، أن الأستاذ محمود قد جاء بكلام رائع، وأن المعارضين للفكرة الجمهورية لا يعرفون عنها شيئا، ولا يعلمون ماذا يقول الأستاذ محمود، ولم يعطوا أنفسهم الفرصة ليعرفوا ما يقول، وإنما استمعوا لمعارضيه الذين شوهوا أفكاره وحرفوها وبتروها، وكونوا صورة شائهة في أخلادهم عنها أسموها الفكرة الجمهورية، وشرعوا في محاربتها بخيلهم ورجلهم، وسعوا، بكل سبيل، للوقوف في طريق أي محاولة لتصحيح ذلك التحريف وذلك التشويه.
النصوص التي يزعم السيد خالد كســلا أنها قد تم تأليفها بعد رحيل الأستاذ محمود عنّا هي: "بتقليــــــــــد محمد تتوحد الأمة ويتجدد دينها" و"إن محمدا هو الوسيلة إلى الله وليس غيره وسيلة منذ اليوم.. فمن كان يبتغي إلى الله الوسيلة التي توسله وتوصله إليه.. ولا تحجبه عنه أو تنقطع به دونه.. فليترك كل عبادة عليها اليوم وليقلد محمدا في أسلوب عبادته تقليدا واعيا.. وليطمئن حين يفعل ذلك أنه أسلم نفسه لقيادة نفس هادية مهتدية.." إلى أن يقول السيد خالد: "كلام محير.. ولو كان قد كتبه محمود ولم يكتب غيره لما عرض نفسه للإعدام".
هذا الكلام الرائع، الذي اقتبسه السيد خالد كسلا، وارد في كتاب الأستاذ محمود (محمود محمد طه يدعو إلى طريق محمد) وهو كتاب قد صدرت الطبعة الأولى منه في مارس 1966، وبطبيعة الحال لم تؤلفه الأخت الدكتورة بتول مختار محمد طه. ولقد جاء النص الثاني كاملا هكذا: "إن مُحمّدا هو الوسيلة إلى الله وليس غيره وسيلة منذ اليوم.. فمن كان يبتغي الي الله الوسيلة التي توسله وتوصله إليه، ولا تحجبه عنه أو تنقطع به دونه، فليترك كل عبادة هو عليها اليوم وليقلّد مُحمّدا، في أسلوب عبادته وفيما يطيق من أسلوب عادته، تقلّيدا واعيا، وليطمئن حين يفعل ذلك، أنه أسلم نفسه لقيادة نفس هادية ومهتدية.."
ونحن هنا نقول للسيد خالد ولغيره ممن جمع أفكارا خاطئة ومحرفة أسماها (الفكرة الجمهورية) ونسبها للأستاذ محمود، ثم شرع في معارضتها، أن الأستاذ محمود لم يكتف بتلك النصوص التي قلت إنها تكفي لدرء تهمة الردة عنه. فللأستاذ محمود نصوصا لا تحصى ولا تعد في الدعوة الصريحة والعلمية والمقنعة لإتباع النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. وإليك بعضا منها قبل أن نرجعك إلى الكتب التالية: "محمود محمد طه يدعو إلى طريق محمد"، "رسالة الصلاة"، "تعلموا كيف تصلون"، "القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري"، "من دقائق حقائق الدين"، و"أسئلة وأجوبة".
قال الأستاذ محمود في كتابه (محمود محمد طه يدعو إلى طريق محمد):
"إن مُحمّدا قد أخرج الناس، بفضل الله، من ظلام الجاهلية الأولى إلى نور الإيمان، وهو سيخرجهم، بفضل الله، من ظلام الجاهلية الثانية إلى ضياء الإسلام، وسيكون يومنا أفضل من أمسنا، وسيكون غدنا ((ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر))
إن غدنا هذا المأمول ـــ غد البشرية جميعها ـــ لا يعدنا له، ولا يرقينا فيه، مرشد أقل من مُحمّد المعصوم، ولقد خدمت الطرق الصوفية غرضا نبيلا، وقامت بـدور عظيم، في حفظ الدين وإرشاد الناس، ولكنها أقل من أن تنهض بأعباء هذا الغد، ولا بد إذن من الأخذ بالطريقة الجامعة للطرق كلها، طريقة مُحمّد"
كما قال في كتابه "أسئلة وأجوبة - الكتاب الثاني" تحت عنوان (دقائق التمييز) ما يلي:
"أمران مقترنان، ليس وراءهما مبتغى لمبتغٍ، وليس دونهما بلاغ لطالب: القرآن، وحياة محمد.. أما القرآن فهو مفتاح الخلود.. وأما حياة محمد فهي مفتاح القرآن.. فمن قلد محمداً، تقليداً واعياً، فهم مغاليق القرآن.. ومن فهم مغاليق القرآن حرر عقله، وقلبه، من أسر الأوهام.. ومن كان حر العقل، والقلب، دخل الخلود من أبوابه السبعة".
ولقد جاء في كتاب (محمود محمد طه يدعو إلى طريق محمد) عن صفات النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وعن حاجتنا جميعا، أي البشرية على ظهر هذا الكوكب الحائر، لتقليده، ومحبته، وتقديسه، وتوقيره ما يلي:
"هذه نفس اكتملت لها عناصر الصحة الداخلية، واتَّسقت قواها الباطنية، وتحرّرت من الأوهام، والأباطيل، وسلمت من القلق، والخوف العنصري، البدائي، الساذج..
ما أحوج بشرية اليوم، كلها، إلى تقلّيد هذه النفس التي اكتملت لها أسباب الصحة الداخلية، تقلّيداً متقناً يفضي بكل رجل، وكل امرأة، إلى إحراز وحدة ذاته، ونضج فرديته، وتحرّير شخصيته، من الاضطراب، والقلق الذي استشرى في عصرنا الحاضر بصورة كان من نتائجها فساد حياة الرجال والنساء والشبان.. في جميع أنحاء العالم.."

التقديس والتوقير


كما جاء في كتاب الأستاذ محمود آنف الذكر هذه الدعوة الصريحة لتقديس النبي وتوقيره عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم:
"وأيسر ما يقوم عليه التقليد النافع أن يكون صدر المقلّد منطوياً على قدر كبير من التقدّيس، والتوقير للنبي، وهذا ما من أجله أخذ الله الأصحاب بالأدب معه، وأمرهم بالصلاة عليه، فقال، عز من قائل: ((إن الله وملائكته يصلّون على النبّي، يأيّها الّذين آمنوا صلّوا عليه، وسلّموا تسلّيما)).."
هذا ولقد ختم الأستاذ محمود دعوته لتقليد النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم بما يلي:
"أما بعد فهذه طريقة مُحمّد، وهي طريقة الطرق - هي النهر الذي فيه تصب جميع الخيران - وهي البحر الذي فيه تلتقي الأنهار..
لقد كانت طريقة مُحمّد عبادة بالليل، وخدمة بالنهار.. خدمة لله بالليل، وخلوة به ومناجاة له بحديثه، على تقلب وسجود..
وخدمة لخلـق الله بالنهـار، وبراً بهـم، وكلفاً بتوصيل الخيـر إليهـم، في محبة وفي إخلاص وفي إيثـار..
وبهذا وذاك تصبح حياة الحي كلها عبادة.. وهذا هو مراد الله من العبادة حين قال ((وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون))..
وطريقة مُحمّد جماعها هذه الآيات:
((قل إنني هداني ربّي إلى سـراط مستقيم، ديناً قيماً، ملّة إبراهيم، حنيفاً، وما كان من المشركين * قل إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين * لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا أول المسلمين)) كل شيء فيها لله.. معاملة للحق في الحق، ومعاملة للحق في الخلق.. وهذا ما عناه المعصوم حين قال ((الدين المعاملة))..
ثم أما بعد، فإن هذه دعوة إلى الله، داعيها مُحمّد، وهاديها مُحمّد.. وهي دعوة وجبت الاستجابة لها أمس وتجب الاستجابة لها اليوم، كما وجبت أمس، وبقدر أكبر، إذ الحجة بها اليوم ألزم منها بالأمس.. ((قل إن كنتم تحبون الله فاتّبعوني يحببكم الله)) وإلا فلا..
يا أهل القرآن، لستم على شيء، حتى تقيموا القرآن.. وإقامة القرآن كإقامة الصلاة، علم، وعمل بمقتضى العلم.. وأول الأمر في الإقامتين، اتّباع بإحسان، وبتجويد لعمل المعصوم.. أقام الله القرآن، وأقام الصلاة، وهدى إلى ذلك البصائر والأبصار، إنّه سميع مجيب.."
إني أدعو السيد خالد كسلا، ليقرأ كتابي "طريق محمد" و"رسالة الصلاة"، بدعوة الأستاذ محمود محمد طه الواردة في خطابه للأستاذ الجليل الشيخ محمد الشيخ أحمد الصابونابي في 8/8/1966
"وأنت، الآن، مدعو للرجوع إلى الكتابين لتقرأهما، مرة أخرى، فإن وجدت أن أحدا من السلف، عرف لمحمد ما عرف كتاب (طريق محمد) لمحمد من الحق، فدلنا عليه.. حسبك أن هذا الكتاب – كتاب (طريق محمد) إنفرد، عبر الأجيال الطويلة، بالدعوة الواضحة إلى العودة إلى محمد، وجعله الوسيلة الوحيدة إلى الله، بعد أن لج بالناس إلتماس الوسائل في غيره.. وإلا فدلنا على كتاب غيره يكون له، في ذلك، ضريبا.. نعم، هنالك كثير من السلف ممن صلى على النبى، وممن وضع صيغا في الصلاة عليه، بلغت مبلغ الروعة.. ومنهم من مدح النبى، وألف، من المدائح، ما أن عبارته لتخلب الألباب.. ولكن، كل هذه العبارات اللفظية مع جلالة قدرها، تتضاءل بإزاء هذه الدعوة العلمية، العملية، التي يحويها كتيب (طريق محمد).. ذلك بان محمدا قد جاء داعيا إلى الله، وهو لا ينقصه أن يمدح، بعد أن مدح في محكم التبيان، ولكن ينقصه أن تحيى سنته، بعد أن إندثرت.. وذلك ما يفعله كتاب (طريق محمد).. وهو ما يفعله، وبقدر أكبر، كتاب: (رسالة الصلاة).."

الرسالة الثانية من الإسلام


يقول السيد خالد كسلا: "وايضا منسوب إلى محمود في ذات الكتاب آنف الذكر، ما يوحي بأنه محاولة حسم لمسألة (الرسالة الثانية) التي أطلقها محمود هذا.. وهي عند منتقديه تشكل محور الِإنتقاد." وكما توقعنا، فليس للسيد خالد هنا رأي يقوم على دراسة ومعرفة لما يقول الأستاذ محمود عن الرسالة الثانية. فهو يردد الشهادات السماعية المضللة حين يقول "وهي عند منتقديه تشكل محور الإنتقاد". ولكن ما هي الرسالة الثانية كما وردت في كتابات الأستاذ محمود.
يقول الأستاذ محمود في كتابه (الرسالة الثانية من الإسلام) الذي صدرت الطبعة الأولى منه في يناير 1967، تحت عنوان جانبي (السنة هي الرسالة الثانية)، ما يلي:
"السنة شريعة وزيادة.. فإذا كانت العروة الوثقى هي الشريعة، فإن السنة أرفع منها.. وإذا كان حبل الإسلام متنزلا من الإطلاق إلى أرض الناس، حيث الشريعة - حيث مخاطبة الناس على قدر عقولهم - فإن السنة تقع فوق مستوى عامة الناس.. فالسنة هي شريعة النبي الخاصة به.. هي مخاطبته هو على قدر عقله.. وفرق كبير بين عقله، وبين عقول عامة الناس.. وهذا نفسه هو الفرق بين السنة والشريعة..
وما الرسالة الثانية إلا بعث هذه السنة لتكون شريعة عامة الناس، وإنما كان ذلك ممكنا، بفضل الله، ثم بفضل تطور المجتمع البشري خلال ما يقرب من أربعة عشر قرنا من الزمان.. وحين بشر المعصوم ببعث الإسلام إنما بشـر به في معنى بعـث السنة، وليـس في معنى بعث الشريعة.. قال: ((بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بـدأ.. فطـوبى للغرباء!! قالـوا: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يحيون سنتي بعد اندثارها)).. ويجب أن يكون واضحاً أنه لا يعني إحياء الشريعة، وإنما يعني إحياء السنة.. والسنة، كما قلنا، شريعة، وزيادة.. السنة طـريقة.. والطـريقة شريعة موكدة.." إلى أن يقول:
"إن محمدا رسول الرسالة الأولى، وهو رسول الرسالة الثانية.. وهو قد فصل الرسالة الأولى تفصيلا، وأجمل الرسالة الثانية إجمالا، ولا يقتضي تفصيلها إلا فهما جـديدا للقـرآن، وهو ما يقوم عليه هذا الكتاب الذي بيـن يـدي القـراء.."
• بإختصار أرجو ألا يكون مخلا، الرسالة الثانية هي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، هي تكليفه هو على قدر إستطاعته، أو قل هي أصول القرآن (القرآن المكي)، والشريعة، هي فروع القرآن (القرآن المدني)، وهي تكليف الأصحاب على قدر إستطاعتهم، إذ "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"، وفرق كبير بين وسع النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ووسع أصحابه.
• فعندما نزل قول الله تعالي: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)) شق ذلك على الأصحاب فقالوا: أينا يستطيع أن يتقي الله حق تقاته يارسول الله فنزلت: ((فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ ۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ))
• فالنبي صلى الله عليه وسلم مثلا يصلي الأوقات الخمس ويصلي الثلث الأخير من الليل، فرضا عليه، ((يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا)) (هذه سنته في الصلاة)، والأمة تصلي الأوقات الخمس إلا من تنفل (وهذه شريعة الأصحاب).
• والنبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهر رمضان ولكنه أيضا يصوم صيام المواصلة وهو ثلاث أيام متتالية ثم يفطر في مغيب شمس اليوم الثالث (هذه سنته في الصيام)، ولكن الأصحاب عليهم رضوان الله يصومون رمضان فرضا عليهم (هذه شريعة الأصحاب)
• وفي أمر الزكاة فإن النبي صلي الله عليه وسلم ينفق كل ما زاد عن حاجته الحاضرة إمتثالا لقول الله تعالى ((ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو)) فهو لا يدخر قوت اليوم لغد (هذه سنة النبي في الزكاة). أما الأصحاب عليهم رضوان الله فيجمعون المال فإذا حال عليه الحول يخرجون منه الزكاة: ((خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)) (هذه شريعة الأصحاب).
• يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الصدقة أوساخ الناس وهي لا تجوز لمحمد ولا لآل محمد)) (هذه سنته) ويقول للأصحاب الآية: ((إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)) (هذه شريعتهم).
• وفي أمر الميراث يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة)) (هذه سنته) ويقول للأصحاب: ((لأن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم فقراء يتكففون الناس)) (هذه شريعتهم).
• اما الدعوة في أصول القرآن، القرآن المكي، (الرسالة الثانية)، فقد كانت دعوة بالإسماح: ((فذكر إنما أنت مذكر* لست عليهم بمسيطر)) أو ((وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)) أو ((أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والوعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)) وهذا هو الجهاد الأكبر.
• أما الدعوة في فروع القرآن، القرآن المدني، (الرسالة الأولى)، فقد استعملت الإكراه بعد أن أقامت الحجة على مشركي مكة وتم إمهالهم ثلاثة عشر سنة، ونزلت فيها الآيات: ((أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)) و((وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ۖ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ)) إلى أن توجت بآية السيف: ((فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ۚ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) و((قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ))
• وقال النبي صلى الله عليه وسلم ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فِإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله)) وهذا هو الجهاد الأصغر.
• هذا ولقد قال النبي عليه أفضل الصلاة والسلام ((بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بـدأ.. فطـوبى للغرباء!! قالـوا: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يحيون سنتي بعد اندثارها)).. فبعث الإسلام مرهون ببعث السنة التي شرحها الأستاذ محمود، والسنة هي الرسالة الثانية كما أسلفنا.
• ويمكن لمن يريد المزيد من التفصيل أن يطلع على كتبنا: "الرسالة الثانية من الإسلام" و"من دقائق حقائق الدين" و"تطوير شريعة الأحوال الشخصية" و"الإسلام وإنسانية القرن العشرين" وغيرها من الكتب المعروضة في موقع الفكرة الجمهورية على شبكة الإنترنت تحت اسم: alfikra.org وإذا أراد السيد خالد أن يناقش أمر الرسالة الثانية فليلتمسها في مظانها وليدع أقوال منتقديها امتثالا لقول الله تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا، أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ، فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ))!!

الجمهوريون والحلف مع مايو


يقول السيد خالد: "محمود كان الحليف الأقوى لنميري حينما كانت الأحزاب أعداء له. ولكن بعد أن إستبدل نميري القانون الجنائي الهندي البريطاني بقانون جنائي مستنبط من الكتاب والسنة وقعت الخصومة وأتجه لمقاضاة حكومة نميري بكل شجاعة في المحكمة (القضاء السوداني) لكن حينما كان هو المتهم وفق مؤلفاته أمام القضاء السوداني.. ما عاد معترفا به.. إنها أزدواجية المعايير إذن."
هذه كما سيرى القارئ من التهم الجزافية التي لا تقوم على أساس. فعندما يقول السيد خالد "محمود كان الحليف الأقوى لنميري حينما كانت الأحزاب أعداء له" فما هو الحليف الأقوى في نظر السيد خالد؟ وماذا يعني بالأحزاب الأخرى التي كانت تناصب نظام مايو العداء؟ لنرى.
ولمن لا يعلمون، فإن إنقلاب نميري قد جاء بعد 6 شهور من الحكم بالردة على الأستاذ محمود وكان السعي يومها على أشده لتمرير ما أسمته أحزاب الأمة والإتحادي الديمقراطي وجبهة الميثاق الإسلامي، إقرأ "جماعة الأخوان المسلمين"، "الدستور الإسلامي"، وأسماه الجمهوريون "الدستور الإسلامي المزيف". كان الجهد لتمرير الدستور الإسلامي المزيف على عجل، لاستكمال المؤامرة للتخلص من الجمهوريين، باسم الإسلام، وقد مر الدستور فعلا في القراءة الثانية في يوم 24 مايو 1969، فجاء إنقلاب مايو في 25 مايو 1969.
أتخذ الجمهوريون يومها موقفا محايدأ من هذا الإنقلاب، واضعين في الإعتبار ما جري قبله في العهد الذي كان يفترض أن يكون ديمقراطيا، من حل للحزب الشيوعي وطرد نوابه المنتخبين من البرلمان، ومن حكم بالردة على الجمهوريين ومن سعي لحل الحزب الجمهوري، وإجازة القوانين المسماة زورا وبهتانا "إسلامية"، لإكمال تصفية الخصوم بإسم الله والرسول. وقال الجمهوريون يومها أنهم لن يؤيدوا نظام مايو ولن يعارضوه. لن يؤيدوه لأن الأستاذ محمود قد قال عن الأنظمة العسكرية: "لا أحوجنا الله إلى ذكراها بالخير" ولم يعارضوه لأن بديله كان سيكون ديكتاتورية مدنية تلتحف قداسة الدين.
هذا وقد دعمت أحزاب اليسار إنقلاب مايو وغنت له "يا حارسنا وفارسنا" و"أنت يا مايو الخلاص، يا جدارا من رصاص، ويا حبالا للقصاص". ثم تكالب على نظام مايو الأخوان المسلمون وتآمروا بإستغلال الأنصار، حيث قال كاتبهم دكتور عبد الرحمن عمر محي الدين، في كتابه (الترابي والإنقاذ صراع الهوية والهوى): "وسط هذا المحيط الهادر بعواصف العداء والتصفيات والمطاردة قدرت الحركة الإسلامية وفكرت في تسخير وتوجيه وتنظيم العاطفة الدينية الجياشة وسط قواعد الأنصار لمواجهة النظام الشيوعي الذي بات يهدد الإسلام في السودان" ص. 16. الخطوط والتلوين من عندي.. ودخلوا مع نظام مايو في نزاع مسلح على السلطة وانهزموا أمامه في محاولتهم تلك، ولجأوا الى ليبيا يلتمسون العون، فكان الغزو الأجنبي القادم من ليبيا، فانهزموا فيه للمرة الثانية. في هذا الجو الذي اختارت فيه أحزاب ما عرف باليمين الرجعي، القوة المسلحة لتغيير النظام وفرض نظرتها وفكرها المتخلف، ملتحفة قداسة الإسلام لتحقيق أغراضها السياسية الضيقة، كما يفعل نظام البشير اليوم، في هذا الجو أيد الجمهوريون نظام مايو، ولكن لم يدخلوا في اتحاده الإشتراكي ولم يعملوا في جهازه السياسي والتنفيذي. وكان رأي الجمهوريين يومها أن مايو وقفت بين الشعب وبين استغلاله بإسم الدين.
وبعد أن ضحّت هذه الأحزاب بالعديد من كوادرها عادت وصالحت النظام، فيما عرف بالمصالحة الوطنية، وأدي قادتها (أي قادة حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي وجبهة الميثاق) قسم الولاء لنظام مايو واتحاده الاشتراكي، امام الرئيس نميري، وأصبحوا جزءا من النظام، منتظمين في حزبه الحاكم (الاتحاد الاشتراكي) ومتقلدين المناصب السياسية والتنفيذية المختلفة. ورغم ذلك فقد قال الجمهوريون عن هذه المصالحة "الصلح خير" وأخرجوا كتابا بهذا العنوان. هؤلاء هم الحلفاء الأقوياء، ياسيد خالد، سواء الذين جاءوا مع الإنقلاب أو الذين لحقوا به بعد أن فشلوا في مساعيهم العسكرية وأعياهم الانتظار بعيدا عن كراسي الحكم الوثيرة.
ثم هل يعلم السيد خالد أن الأستاذ محمود قد سجن خمس مرات في تاريخ نضاله الطويل من أجل الإسلام والسودان، صدر حكمان ضده بالسجن في عهد الاستعمار الإنجليزي المصري وأودع السجن في عهد نميري لمرتين (من غير محاكمة) الأولى في عام 1976 إثر اصدار الجمهوريين لكتيب ينتقد الوهابية والثانية في عام 1983 إثر انتقادهم لنائب رئيس الجمهورية ثم جاءت المحاكمة الأخيرة والسجن اللذين سبقا تنفيذ حكم الإعدام في يناير 1985؟ وهل يعلم أن الجمهوريين لم يعطوا فرصة في تلفزيون الدولة ولا إذاعتها طيلة فترة حكم نميري؟ هل يعلم السيد خالد أن السلفيين والمهووسين كانوا يكتبون ضدنا مشوهين لإفكارنا ثم إن الصحف التي تسمح بذلك النشر في عهد مايو لا تعطينا الفرصة للرد؟ وهل يعلم السيد خالد أن الأخوان المسلمين وأتباعهم من السلفيين كانوا يحرقون معارض الجمهوريين ويضربون محاضراتهم بالغازات المسيلة للدموع لتفريقها، مستغلين مناصبهم السياسية والتنفيذية، ويمنعونهم حتى من الحديث في المساجد؟! كل ذلك تم في عهد مايو.. ورغم هذا الضيم فقد واصل الجمهوريون تأييدهم لنظام مايو ينصحونه إذا حاد عن الطريق بإخلاص ويحاولون توعية الشعب بقضيته لأن بديل مايو كان هو "الهوس الديني" الذي سيرجع البلاد الى عصور الجهل والتخلف..
بقي أن نقول إن الأستاذ محمود لم يتردد في معارضة نظام مايو عندما تبنى نظام مايو الفكر الديني المهووس وشوه الشريعة والإسلام وهدد وحدة البلاد، فقدم نفسه في ذلك اليوم المشهود من شهر يناير من العام 1985 فداء للإسلام والسودان متمثلا قول الشاعر (أقدم للفداء روحي بنفسي) و(فالحب راحته عنىً وأوله سقم وآخره قتل).. قدم الأستاذ محمود نفسه للفداء ولم يقدم تلاميذه ويجلس بعيدا، وإنما تقدم الصفوف خلافا لقادة الأحزاب الذين يقدمون أتباعهم للموت بينما يجلسون هم بعيدا يبتغون السلامة.
كنت أنوي متابعة مقال السيد خالد كسلا بتفصيل أكثر وأسأله لماذا يقفون في سردهم التاريخي عند حكم المكاشفي المهووس ولا يذكرون حكم المحكمة العليا في نقض ذلك الحكم بعد أن اتضحت خيوط المؤامرة التي حيكت من ورائه؟! ولمن لا يعلم فإن المحكمة العليا، الدائرة الدستورية قد نقضت ذلك الحكم في يوم 18/11/1986.
كما كنت أود أن أسأل السيد خالد كسلا عن قوانين نميري التي وصفها بقوله: "قانون جنائي مستنبط من الكتاب والسنة".. هل قطع يد سارق المال العام من الكتاب والسنة؟! أم أن الشروع في الزنى وأخذ الناس بالشبهات وتسور المنازل من قوانين الكتاب والسنة؟! ألم يصف نميري نفسه قوانينه تلك بالقوانين "البطالة"؟ فإني ما كنت أعتقد أن هناك أناس لا يزالون يعتقدون أن نميري، ناقل الفلاشا، قد أتي بقوانين من الكتاب والسنة بعد أن نصب نفسه إماما دينيا يشرف على تطبيقها.. وإذا كان ما طبقه نميري وبطانته هو "شرع الله" فلماذا انتفض الشعب السوداني على من يحكم بما أنزل الله؟!
سأكتفي بهذا القدر في الوقت الراهن إلى حين فرصة أخرى إن شاء الله.

د. أحمد مصطفى دالي