لقد أثبتت هذه الأحداث أن الشعب السوداني شعب أصيل، شجاع، كريم .. يجود بالنفس في سبيل العزة، والشرف ولا ينقصه غير القائد الذي يفجر كوامن أصالته، ويحرك حسه الوطني .. فاذا وجد قائدا، في مستواه، فان المعجزات تجري على يديه، والبطولات تسعى اليه خاطبة وده.. حقا كما قال الأستاذ محمود في تحقيق معه في جريدة الأخبار، فيما بعد، ((الشعب السوداني شعب عملاق يتصدره أقزام))

معالم على طريق تطور الفكرة الجمهورية - الكتاب الاول

menu search

عن الأستاذ / محمود محمد طه ، أتكلم

بدر الدين العتاق


القاهرة - ١٤ سبتمبر ٢٠٢٥

كنت أتساءل بيني وبين نفسي عن : لماذا لا يصلي الأستاذ محمود محمد طه ، الصلاة ذات الحركات المعروفة وهو الإنسان الوحيد في عصره الذي حقق حياة النبي في خاصية نفسه علما بأن الصلاة ذات الحركات المعروفة هي من سنن النبي وخاصيته لأمته تشريعاً وتشريفاً ؟ .

جمعت الصلاة بين الحركة الجسمانية والنفسية والفكرية والاجتماعية - صلاة الجماعة - وما بين التلفظ اللساني وحركته في الفم وتردده بذكر الله والدعاء وليست من فرض الله على المحمديين .

الأمر الثاني ، ما يجب أن ينبه إليه هو أن الأستاذ محمود محمد طه ، شريعته الخاصة أو الفردية كانت في حياة النبي أو قل : السنة النبوية ، إن شئت ، فكيف فات عليه أن لا يصلي الصلاة ذات الحركات المعروفة وهي التي لم يدعها النبي لآخر لحظة من حياته ؟.

من اعتبر أن الأستاذ محمود محمد طه ، فيلسوفاً فهو على حق لسبب أن السنة النبوية تقوم على الفلسفة / أم العلوم الطبيعية وما وراء الطبيعة / الإنسانية والأخلاقية والمعاملة الحسنة والسلوك القويم في أعلى مراتبها ودرجاتها فهو يجمع ما بين الفلسفة الذهنية وما بين المنهج التطبيقي عدا أداء الصلاة.

مثال : عملية الصلاة على النبي محمد ، حققها الأستاذ بحذافيرها في خاصية نفسه تربية وسلوكاً ومنهجاً ، ثم دعا إليها الناس وندبهم على تحقيقها ( الإخوان الجمهوريون ، الفكرة الجمهورية ، نموذجاً ) باعتباره عالما ربانياً ، قال تعالى : { ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون } سورة آل عمران ، وعاميتها في المعاملة والمخالقة فجمع ما بين الظاهر والباطن ، أو كما يقول هو : الرسالة الأولى من الإسلام والرسالة الثانية منه بصورة من الصور.

اكتفى الأستاذ محمود محمد طه ، صاحب فكرة الشريعة الفردية ، أو قل : الرسالة الثانية من الإسلام ، بالابتعاد والنأي بجانبه عن التلفظ باسم الصلاة على النبي لفظاً بحركة اللسان دون عمل الجوارح والجوانح ، قال : [ ولم تطب لي نفسي أن أجعجع دون طائل ففاقد الشئ لا يعطيه ] ، دون جدوى في حركة الحياة وحياته شخصياً وبالتحديد حين حققها معنى وروحاً تجسيداً في اللحم والدم ، ورمزاً في الفكر المهذب في الدجى وحياة في العقل والشعور تمشي بين الناس على قدمين.

من يقول إن الأستاذ شريعته الفردية كانت في الصلاة وإن له صلاة خاصة يؤديها خلاف المعروفة كما يقول هو بذلك أيضاً [ راجع كتابه " رسالة الصلاة " ] ، فهو لا يعرف ماهية الشرائع الفردية ، ولا يعرف شريعته الأستاذ ، وإن كان القائل هو محمود نفسه .

الشريعة الفردية أو العلم الإلهي المحض الذي أنعم الله به عليه هو حياة النبي محمد في خاصية نفسه أو قل : السنة النبوية في أعلى مراتبها ودرجاتها ، مما صعب على الكثيرين فهم التفرقة بين الرسالتين الأولى والثانية إذ ذاته ديدن مفهوم التوحيد الذي دعا إليه بصورة حديثة في بعث الدين من جديد.

يظل سؤالي قائماً : لماذا لم ينتبه الأستاذ إلى أن الصلاة الحركية المعروفة هي من سنن النبي وازكاها تشريعاً وأعلاها ثمرة واطيبها مذاقاً ؟ ربما يكون قد التبس عليه الأمر كما الكثيرين من الناس ورودها في القرآن حوالي مائة مرة وهو موضع اللبس بعامة فظن أنها مفروضة في ليلة الإسراء والمعراج وما ذاك بصواب ، وعن هذا وذاك الرجاء مراجعة كتابي " الفكرة الإنسانية العالمية " لمزيد من التفاصيل حول الموضوع.

لم يمر علي أحد أن طبق السنة النبوية المطهرة في حياته كالأستاذ محمود محمد طه ، / دون مغالاة ودون مجاملة / في جل عرف العارفين بالله وخصوصاً في العصر الحديث.

ما دعاني لكتابة هذه الكلمة أو التداعيات استماعي لمحاضرة ألقاها عن الصلاة على النبي فوقع في الخاطر ما ذكرته عاليه.