إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

(الصادق المهدي) زعيم الصفقات الخاسرة

د. عمر القراي


يناير ١٩٩٧

هذا المقال تم نشره من قبل في جريدة "الرأي الآخر" – أمريكا- ، العددالرابع المجلد الثالث يناير 1997، ولاهميته وارتباطه بهذا الخيط راينا ضرورة إعادة نشره. هنا

لقد فرح كثير من السودانيين في الداخل والخارج بنبأ خروج السيد الصادق المهدي ولحاقه بصفوف المعارضة السودانية بإرتريا، فالمؤيدون للسيد الصادق يرون في خروجه دعماً لحركة المعارضة وغير المؤيدين له يرون في خروجه ولحاقه بقوي التجمع الوطني وقفاً للقلق الذي كان يسببه بما يتردد عن المصالحة التي كان في أوقات مختلفة يسعى لعقدها مع النظام ومهما يكن من أمر فان خروجه قد قوبل بارتياح في كافة الأوساط باعتباره من أكبر الأدلة علي ضعف النظام وتعسر أجهزته الأمنية التي ظل طوال السنوات الماضية يعتمد عليها أولاً وأخيراً لبقأءه في الحكم بعد آن فشل في جميع المجالات وسقطت دعاويه الدينية الفارغة وشعاراته الصبيانية الممجوجة.

صفقة التحالف مع الجبهة


إن الدعاية الإعلامية التي تحاول آن تعلق أمالاً عراضاً علي خروج الصادق المهدي إنما تنطوي علي قدر كبير من السطحية وقصر النظر والعاطفة الفجة... ذلك أن الصادق المهدي في الحقيقة لا يمثل بديلاً عن نظام الجبهة الإسلامية الحاضر بل أنه عجز عبر تاريخه السياسي آن يقدم طرحاً يختلف جوهرياً عن رؤاهم وأطروحاتهم... ولقد كانت حكومته الأخيرة أوضح الأدلة علي ذلك. فقد كانت الحرب دائرة بين الشمال والجنوب وقوانين سبتمبر الإسلامية المزعومة قائمة ويجري العمل باستبدالها بقوانين إسلامية أسوأ منها والوضع الاقتصادي في تردٍ دفع بالنقابات للإضرابات وبالشعب للتظاهر في شوارع الخرطوم وحين رفع التجمع النقابي مذكرة في أغسطس 1987 جاء فيها (إن السودان يعيش نفس الأزمات التي دفعت الجماهير بالإطاحة بالنميري) جريدة السياسة 11/9/1987 وطالب فيها بإلغاء قوانين سبتمبر واعتبار اتفاقية كوكدام أساساً للتفاوض والحل السلمي لمشكلة الجنوب ، كان رد السيد الصادق غريباً إذ هاجم التجمع ووصفه بالعلمانية وأعتبر حركة قرنق خائنة وطالب التجمع بإدانتها!
إن أكبر إجهاض لثورة الشعب التي أطاحت بنظام نميري في أبريل وأدانت الجبهة القومية وطالبت بإلغاء قوانين سبتمبر وأكبر تنكر لمبادئها هو ما فعلة السيد الصادق بالإبقاء علي تلك القوانين ثم التحالف التام مع الجبهة الإسلامية في الحكومة الديمقراطية فيما سمي بحكومة الوفاق الوطني (مايو 1988) والتي عين الترابي وزيراً للعدل فيها!!
هذا بالرغم من أن السيد الصادق قد قال أثناء الحملة الانتخابية أنه (يحمل الترابي المسئولية عن كل تصرفات النميري باعتباره المسئول الأول عن قانونية تصرفات الحكومة في ذلك الوقت) وقال عن جماعة الجبهة الإسلامية أنهم خربوا الاقتصاد الوطني لمتاجرتهم في الدولار (منصور خالد النخبة السودانية صفحة 143-146) ولعل أسوأ ما في اتفاق الصادق مع الجبهة الإسلامية أنه عطل اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب ، فحين وقع السيد محمد عثمان الميرغني ودكتور جون قرنق اتفاقية السلام في 18/11/1988 استقبل الشعب السوداني السيد محمد عثمان استقبالاً حافلاً تأييداً لمسيرة السلام ، تردد الصادق المهدي في قبول الاتفاقية استرضاء للجبهة الإسلامية التي كانت حليفته في الحكومة وقال عن الاتفاقية (أيدها حزب الأمة من حيث المبدأ وأصدر بياناً بذلك ولكن مع تأييدنا لها سعينا لسد الفجوة مع حليفنا) (الصادق المهدي - الديمقراطية عائدة وراجحة صفحة 27) فإذا علمنا آن حليفه - وهو الجبهة الإسلامية قد كان رافضاً للاتفاقية جملة وتفصيلاً أدركنا أن محاولة (سد الفجوة) مهمة عسيرة لا تعني في النهاية غير التذبذب وعدم الوضوح والمحاولة اليائسة للوقوف في منطقة وهمية بين التأييد وعدمه.... ولم يسعف التوفيق السيد الصادق بمبرر موضوعي لرفض الاتفاقية وجنح إلى التسويف وزعم بأنه يقبل الاتفاقية إذا وضحت له بعض البنود وركز كثيراً علي (توضيحاتها) ليخرج بها من مغبة رفض السلام ومن إحراج حلفائه وحين أصر الحزب الاتحادي علي الاتفاقية كما هي سقطت داخل الجمعية حين اتحد حزب الأمة والجبهة الإسلامية ضد السلام في 26/12/1988 ورغم هذا الولاء للجبهة الإسلامية الذي أضاع من الصادق فرصة السلام وتحمل به وزر الحرب وما نتج عنها من دماء ودموع وتشرد فان الجبهة لم تقدر له ذلك وانقضت علي السلطة بعد أشهر وأساءت معاملته هو شخصياً كما تحدث بذلك لاحقاً فلم يكن اتفاقه معهم إذاً إلا إحدى صفقاته الخاسرة ...

صفقة فرح وبقادي


في يونيو 1994 تم اعتقال ثلاث من قادة حزب الأمة هم السادة حماد بقادي وعبد الرحمن فرح وسيف الدين سعيد ووجهت لهم تهمة السعي إلي إحداث تفجيرات في إطار عمل منظم لإسقاط النظام .. وفي 20 يونيو من نفس العام تم اعتقال السيد الصادق المهدي باعتباره مشاركاً في هذا العمل حسب الاعترافات التي أدلي بها المتهمون الثلاث .. وبعد حوالي أسبوعين من الاعتقال فوجئ المواطنون بالسيد الصادق المهدي يلقي بياناً من أجهزة الإعلام الرسمية يدين فيها مخطط زملائه المزعوم وينفي علاقته به ويشجب أسلوب التفجيرات والاغتيالات ويصف ما جاء بأنه (منكر ومؤسف) ويؤكد أنهم أدلوا باعترافاتهم دون أن يخضعوا لأي تعذيب!! ومن ما جاء في ذلك البيان العجيب قوله (كنت أحسب أن السادة المعنيين خضعوا للتعذيب فقالوا ما قالوا نتيجة لذلك ولكن حسب ما اتيح لي من معلومات لم يحدث هذا وتقديراً لحالتهم الصحية نقلوا فوراً في نهاية التحقيق إلى المستشفي مما يدل علي تقدير أرجو أن يتبع في كل الحالات) (جريدة الحياة 5/7/1994). ولم يكتف الصادق المهدي بهذا بل طلب من الحكومة العفو عن زملائه وكأنهم فعلاً قد ارتكبوا ما اتهموا به فقال (ومراعاة لحالتهم الصحية أرجو أن يكتفي من مساءلة ولا شك أنهما سيبديان أسفهما لما حدث) (جريدة الحياة 5/7/1994) .. والصادق المهدي يريد للشعب السوداني أن يصدق أن رجلاً مثل بروفسير حماد بقادي والسيد عبد الرحمن فرح أفنوا أعمارهم في خدمة حزب الأمة حتى تصدروا قيادته قد اعترفوا علي أنفسهم بضلوعهم في مؤامرة لإسقاط النظام، يعلمون سلفاً أن عقوبتها الموت ، وادعوا زوراً أن زعيمهم معهم في هذه المؤامرة دون أن يخضعوا لأي تعذيب!! فهل يمكن لعاقل أن يصدق هذا؟ ألا يكفي أن الناطق الرسمي باسم حزب الأمة السيد مبارك المهدي لم يصدقه وأصدر بياناً جاء فيه (أن الاتهامات الموجهة إلى السيدين بقادي وفرح ما تزال اتهامات باطلة لأن الحكومة هي التي نسجت خيوط المؤامرة وحاولت من خلالها التخلص من السيد الصادق المهدي ) (الشرق الأوسط 5/7/1994) ثم ما هو مصدر المعلومات الذي إتيح للصادق المهدي وعلم منه أنه لم يتم تعذيب؟! إن مصدره هو رجال الأمن أنفسهم!! فان لم تصدقوا هذا فأقرءوا قوله (مستنداً إلى ما قاله لي مسئولو الأمن وأنا لست في موقف أستطيع معه الجزم بعدم حدوث التعذيب أو إثبات حدوثه فهذا أمر يقرره أصحاب الشأن ويثبته الطبيب) (الشرق الأوسط 10/7/1994) إن هذا الحديث علي ضعفه وإضطرابه يعتبر أفضل بكثير مما قيل في البيان الذي أذيع من وسائل الإعلام الحكومية وذلك لأنه هنا ينفي ما قاله هناك من عدم وجود تعذيب. من الذي دفع الصادق المهدي أصلاً إلى الإدلاء بذلك البيان المتهافت حتى يحتاج إلى التنازل عن بعض ما ورد فيه؟! دفعه إليه الصفقة التي عقدها مع حكومة الجبهة لأنها في مقابل هذا البيان التزمت بالعفو عن زملائه رغم اعترافهم والعفو عنه هو رغم شهادة زملائه ضده. فحين سأله محرر الشرق الأوسط (تتحدث بعض الأطراف من أن الصادق المهدي باع أعوانه من أجل إطلاق سراحه ما ردكم؟ ) قال: (إطلاق سراحي لم يكن جزأ من الصفقة لأني اعتقلت للتحري ولم يعد للمتحريين ضدي حجه بعد أن أوردت قرائن تثبت عدم معرفتي بالموضوع وأبديت استعدادي لمقابلة من زج اسمي في مواجهة. إذا كان هناك بيع فالصحيح أن يقال لقد حاول بعض زملائي بيعي بذكر اسمي في هذه القضية) (الشرق الأوسط 11/7/1994) والصادق المهدي يعلم كما يعلم كل السودانيين أن المتحريين من جماعة الجبهة لا يحتاجون إلى حجه حتى يلفقوا ضده ما شاءوا من الاتهامات ويمكنهم أن يرفضوا القرائن التي أشار اليها دون تردد إذا أرادوا بالفعل إدانته ولكنهم لم يفعلوا ذلك لأن هناك صفقة بينهم وبين السيد الصادق المهدي تقضي بأن يدين زملاءه علناً وينفي عن النظام تهمة التعذيب ويثبت له حسن معاملة الخصوم السياسيين … لقد كسبت الجبهة الإسلامية من هذه الصفقة بإظهارها حزب الأمة وكأنه يسعى إلى التفجيرات والتخريب حسب اعتراف قادته الذين حين انكشفت مؤامراتهم تبرأ منهم زعيم الحزب ثم طلب لهم السماح. ثم يقوم نظام الجبهة المتسامح ، الذي لم يعذب هؤلاء الساعيين للخراب، حسب بيان زعيمهم، بالعفو عنهم، رغم جرمهم الشنيع هذا هو مكسب الجبهة من الصفقة فماذا كسب السيد الصادق غير سلامته الشخصية؟

الشريعة والمصالحة


لقد كانت صفقة فرح وبقادي بداية لصفقات أخري كان من المنتظر أن تسوق إلى المصالحة لو أنها فشلت جميعاً جاء في جريدة الخرطوم (أدى الخطاب الذي ألقاه الصادق مساء الأحد الماضي إلى ردود فعل واسعة ومتباينة علي المستويين الرسمي والشعب داخل السودان وفي أوساط المعارضة خارج البلاد وكشف دكتور شريف التهامي رئيس لجنة الخدمات بالمجلس الوطني الانتقالي وأحد قادة حزب الأمة السابقين أن البيان جاء في إطار مصالحة سياسية بين حزب الأمة والحكومة وقال أن البيان له ما بعده من أشكال الوفاق وقال أن القوي المعارضة ليس لها خيار سوي اللحاق بركب المصالحة مستشهداً بمصالحة عام 1976 بين الأحزاب وسلطة نميري التي قادها حزب الأمة وباركتها الأحزاب الأخرى ) (الخرطوم 6/7/1994) وفي الحق أن مصالحة الأحزاب لنظام نميري والتي بادر بها السيد الصادق المهدي كانت كافية لتنبيه اتباع هذه الزعامات إلى عدم مصداقية قادتهم وتجردهم من الإيمان بأي مبدأ فقد قبلوا بمبدأ الحزب الواحد رغم دعاويهم العريضة عن الديمقراطية وقبلوا بدستور 1973 العلماني رغم رفعهم لشعارات الدستور الإسلامي وقبلوا أن يعينهم نميري (الدكتاتور الطاغية) فتم ذلك (بقرارات صدرت في 18/3/1978 بتعيين السيد الصادق المهدي والسيد أحمد الميرغني في المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي والسيد بكري عديل حاكماً لكردفان والسيد شريف التهامي وزيراً للطاقة) (منصور خالد النخبة السودانية صفحة553) ولم يسأل الأتباع عن دماء زملائهم من المقاتلين الذين قتلوا في "الغزو" الذي قادته الأحزاب ضد نظام نميري عام 1976 فقد ظلوا لسنوات يعاونهم ضد النظام علي أساس أنه نظام ظالم وفاسد وأن حربهم له تعتبر جهادات في سبيل الله والوطن فدخل البسطاء المضللون الحرب بحماسة ودحروا بسهولة بسبب ضعف الأداء وقلة خبرة القيادة. وإذا بهم يفاجئون بأن قادتهم يصالحون النظام الذي وصفوه بالكفر والفساد ويتقلدون أرفع المناصب في حزبه الواحد!! فهل يستبعد ممن صالح نميري حتى قبل أن يرفع شعاراته الإسلامية أن يصالح البشير الآن؟ لقد سئل البشير عن علاقة نظامه بالصادق المهدي بعد خروج الصادق فذكر أن لهم معه عدة حوارات لأن هناك ثوابت متفق عليها بينهما وحين سأله المحرر عن هذه الثوابت قال: (الثوابت وحدة السودان وتطبيق الشريعة وحل المسائل بالحوار السلمي) (الشرق الأوسط 16/12/1996) ونفس رأي الحكومة تحمله جماعة الأخوان المسلمين فقد صرح أبرز قادتهم الحبر نور الدائم (أن كثيراً من القواسم المشتركة بين الحكومة والمعارضة تبدو في الخط الذي يمثله الصادق بالذات .. فعلنا أشرنا إلى هذا من قبل في أن الصادق مع التداول السلمي للسلطة وأنه ضد التدخل الخارجي وأنه مع الشريعة وهذه هي الأمور الكبرى) (الشرق الأوسط 15/12/1996) فهل يستبعد من يعرف شخصية الصادق المهدي أنه يمكن أن يعقد مصالحه مع هذا النظام ويحاول بشتى الطرق والوسائل أن يسوق لها أطراف المعارضة الأخرى؟! إن الوضع المتردي والحصار الدولي المضروب علي نظام الجبهة قد لا يؤهله للمصالحة كتلك التي تمت مع نميري ولكن أفراده يمكن أن يحصلوا علي ضمانات لسلامتهم الشخصية وقد ألمح السيد الصادق المهدي إلى ذلك في خطاباته التي تركها للترابي والبشير قبل خروجه والتي أفتتحها بالأخ وختمها أخوكم الصادق‍‍‍‍!! فقد أشار إلى إمكانية أن لا تتم معركة أصلاً ولا يلحق بهم أي أذى إذا هم سلموا السلطة لحكومة قومية وذلك حيث يقول: (وإن كنت أنت ومن معك تضعون وزناً لعهد الدين والوطن الذي علي رقابنا جميعاً فانبذوا التعصب الحزبي القهري الذي تسوسون به البلاد وألزموا بحل قومي يحقق السلام والديمقراطية للسودان فإن فعلتم ذلك فسوف تجدونني مستجيباً لذلك الحل الأمثل بقوة وفعالية) (الشرق الأوسط 12/12/ 1996) أما الشعب السوداني الذي يظن الصادق واهماً أنه يتحدث باسمه فقد عاني التعذيب في بيوت الأشباح إلى حد الإعاقة وعاني القتل الجماعي والتشرد والجوع والقهر والإذلال وانتهاك الأعراض والحرمات والاعتداء الآثم من المليشيات المسلحة علي القرى الآمنة وإهدار كافة الحقوق والقيم وحط كرامة الشعب السوداني بين الشعوب وقد علمته هذه التجربة المريرة أن أتباع الجبهة الإسلامية الذين يحكمون السودان اليوم لا دين لهم ولا عهد ولا ذمه وإنهم مهما فعلوا لن ينجوا من القصاص العادل وإن مجرد التلويح بالمهادنة أو المساومة أو أي شئ أقل من العقاب الرادع لشياطين الجبهة الدموية الآثمة إنما هو في حد ذاته خيانة لهذا الشعب. وليس هناك دافع للصادق المهدي لأن يتولى كبر هذه الخيانة إلا طمعه المحموم في الوصول للسلطة بأي ثمن بعد أن فقدها عدة مرات لعدم كفاءته الشخصية وللنرجسية المفرطة التي يرزح تحتها هذا الزعيم المرفه المفتون الذي بدأ حياته العملية بوظيفة رئيس وزراء!ّ!

المهدية أم الجهاد المدني:


أن خسارة صفقة الجهاد المسلح عام 1976 هي التي دفعت السيد الصادق المهدي إلي تغيير مبدئه ، من الجهاد المسلح إلى الجهاد المدني ، و أخد أتباعه يرددون عبارته دون أن يسأله أحدهم عب التناقض بين حركة المهدية التي لا يزال يعتمد علي أنصارها وبين الجهاد المدني السلمي الذي يرفع شعاره الان .. فإذا كان الجهاد المسلح خطأ ، والجهاد المدني هو المطلوب حقاً فما هو موقف الأنصار الذين ضحوا بأنفسهم في الجزيرة أبا مع الإمام الهادي ، وفي ودنوباوي ، وفي أمد رمان إبان الغزو المسلح 76؟! أم أن الصادق يفرق بين باطل (النميري) وباطل (البشير) فيجاهد ذاك بالجهاد المسلح، ويجاهد هذا بالجهاد المدني؟! أم أن الموضوع كله موضوع تحوير للمواقف، وتلاعب بالألفاظ؟ ومهما يكن من أمر فإن الصادق قد خرج الآن إلى حيث القوة الوطنية التي لا زالت تؤمن بالجهاد المسلح فهل تكون محاولته هي إقناع التجمع بالتخلي عن التدريب والإعداد لمعركة مسلحة وإتباع طريق الجهاد المدني أم أن الصادق المهدي سيتخلى عن أطروحته هذه كما تخلي من قبل من عديد الاطروحات والآراء؟! وفي الحق أن الاتفاقيات التي تمت والسيد الصادق بالداخل تتطلب منه تغيراً كبيراً في أفكاره حتى يواكب ما أجمع عليه التجمع الوطني الديمقراطي فقد أكد اتفاق أسمرا الذي حضرته كل الأطراف فصل الدين عن الدولة فليس هناك فرصة لموضوع الشريعة الإسلامية بل أن اتفاقية أسمرا قررت رفض قيام أي حزب علي أساس ديني في السودان وقد وقع حزب الأمة علي ذلك، هذا مع أن الصادق المهدي لا يزال حتى الأن يردد موضوع الشريعة بل أن هذه المسألة بالذات هي نقطة اللقاء بينه وبين الجبهة الإسلامية كما هي نقطة الخلاف بينه وبين التجمع. والصادق المهدي لا يريد إعادة الشريعة فحسب بل أنه يريد إعادة المهدية نفسها!! فقد ذكر في كتابه (يسألونك عن المهدية) أن حركة المهدي حركة (قيادة ملهمة). وألمح إلى أننا الآن نحتاج إلى مثل هذه (القيادة الملهمة) التي تقود الناس إلى الخلاص وتستمد قوتها من الهام روحي غيبي .. وهو بذلك إنما يمهد الطريق لنفسه لادعاء مقام ديني ولما كانت هذه الدعاوى الدينية لا تتأتى إلا بالاعتقاد بأنه شخص غير عادي تتعلق به غيبيات وخوارق وأسرار غامضة ولشدة تأثير مثل هذا الدجل علي البسطاء فقد قال (فتحت عيني علي الحياة علي صدى بعض الأحاديث العارضة وكانت تصدر من ثلاثة أشخاص أولهما حديث قاله عمي: يحي عبد الرحمن وكان يكبرني بأربع سنوات وهو كطفل في الرابع من عمره كان يردد "مهاجر سيأتي من كبكابية" والمعني الذي يقصده أن شخصاً ما ذا دور ما سيأتي من كبكابية وهي مدينة معروفه في دار فور في -غرب السودان-، وكان بعض النساء في الأسرة من اللواتي كن علي وشك وضع حملهن المهدي هل (هذا مهاجر)؟ فيجيب بالنفي وذات يوم حكت لي والدتي أن يحي قال لها (مهاجر جايي الخميس) وبالفعل ولدت يوم الخميس وكانت هذه إشارة غيبية أولي غامضة وثانيهم آن جدي الإمام عبد الرحمن روي إنه عندما جاءه نبأ ولادتي كان يقرأ سورة إبراهيم وكان والدي يريد أن يسميني إبراهيم ولكن كان لدي جدي الأمام ضيف وبينما هما جالسان جاء طائر القمرية واستقر فوق عمامة جدي الذي أقر بأن هذا نبأ وخلال حديثه مع الضيف أخبر بمولدي ورد عليه الضيف لماذا لا تسميه بأحد اسميك؟ وكان اسم جدي الإمام عبد الرحمن الصادق… الحديث الثالث أن جدتي السيدة سلمي بنت المهدي رأت رؤية وحكت لبنتها بحضوري وقالت لها(إنها رأت في رؤياها إنني أقف علي مئذنة وأقول (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلي كل ضامر يأتين من كل فج عميق) . وقالت لوالدتي ابنك هذا سيكون له شأن!! (مجلة الوسط العدد 126 بتاريخ 27/6/1994م). هذا المولود الذي بشر به الأطفال، ونبأ به الطير، وحلمت به النساء الصالحات، إنما هو الصادق المهدي الذي صاحبه الفشل في كل فترات حكمه وفي كافة الصفقات التي عقدها وهو خارج السلطة. حتى بلغ به التدهور الديني، والسياسي، والخلقي آن يأتلف مع الجبهة الإسلامية والذي يخرج الآن ليلحق بالمعارضة بغرض إسقاطها. !!