إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الأخوان الجمهويون في جريدة الأخبار المصرية(الكتاب الأول)

المفتي لا قِبَل له بما نقول


ويقول الدكتور وصفي: "فنحن لم نتجن عليه وإنما عندي ملف كامل بالموضوع، به هذه المقالات التي ذكرتها.. وعندهم فضيلة المفتي ليفصل فيما إذا كانت هذه الأقوال موجبة للردة أم لا".. هذا ما قاله الدكتور مصطفى وهو قول ساذج، ولا قيمة له، وهو إنما يدل على ضيق المسافة التي ينطلق منها الدكتور وصفي، وإلا فكيف يقرر، بهذه البساطة، أنه يمكننا أن نحتكم إلى المفتي ليفصل في فكر رجال مفكرين أدلوا بدلوهم في معين الإسلام الصافي وخرجوا بعلم لا قِبَل للفقهاء به؟.. ألم يقرأ قول الله تعالى: ((واتقوا الله ويعلِّمكم الله)).. أو حديث النبي الكريم ((من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم)).. وهذا بعيد عن نهج الفقهاء الذين ينفقون حياتهم في اجترار قضايا الفقه، وافتراضاته الميتة.. بل إن الفقهاء عندما عجزوا عن محاجة هذا الفهم الجديد، الغريب عليهم لجأوا إلى استعداء السلطة، وإلى تدبير مهزلة محكمة الردة..

معارضة القانونيين لمحكمة الردة


يقول الدكتور وصفي عن أيام انعقاد محكمة الردة: "وعلى أثر ذلك نشر نقيب المحامين هناك وكان من قبل نائباً عمومياً مقالاً حاداً ساخناً" إلخ..
والحق أن ذلك المقال لم يكن ساخناً ولا حاداً وإنما كان نقاشاً علمياً، هادئاً وقوياً. وهو لم يكن من نقيب المحامين، وإنما هو من الأستاذ محمد إبراهيم خليل المحامي ـ عميد كلية الحقوق السابق ووزير العدل السابق، والنائب العام السابق.. وتدليلاً على قوة ذلك المقال، وعلميته وهدوئه ننقل منه هذه الفقرات:
"ولست في هذا الخطاب القصير العاجل بصدد الدفاع عن الأستاذ محمود ـ فهو رجل وهبه الله من الفكر، وسعة الاطلاع، وعمق الثقافة، ما مكَّنه من الغوص في أعماق المسائل الدينية، والقضايا الفكرية.. فكان له في كل منها أفكار وآراء، مهما اختلف بعض الناس حولها، فلا مناس من الاعتراف بأصالتها. ووهبه من البيان ما وفَّقه إلى الافصاح عن تلك الأفكار، والآراء وترجمتها إلى نظريات محددة واضحة. ومن الشجاعة، والأمانة، ما دفعه إلى الجهر بها في المحاضرات والندوات وأعمدة الصحف..
ثم إن له، بعد ذلك، من الجد، والعزم، والصبر، ما مكنه من تدوين آرائه في عدد من المؤلفات.
لذلك فإني لست في هذا الخطاب العاجل القصير بصدد الدفاع عن الأستاذ محمود، ولا مناقشة نظرياته، ومعتقداته والحكم عليها ـ ولعله تتاح لي فرصة الاسهام برأيي إذا ما تفضل خصومه بفتح باب النقاش الهادئ، والجدل الموضوعي في جو خالِ من الارهاب الفكري، والتخويف بالكفر والزندقة، وإنما أريد بهذا الخطاب أن ألفت النظر إلى الركن الأساسي الذي قامت عليه القضية التي حُكيم فيها بردة الأستاذ محمود محمد طه ذلك هو ركن الاختصاص."
"لعله من المعلوم لدى الناس جميعاً، أن المحاكم الشرعية في السودان، أسست على قانون المحاكم الشرعية السودانية لعام 1902.. وأن اختصاص هذه المحاكم قد حددته المادة السادسة التي تنص على أن للمحاكم الشرعية الصلاحية للفصل في:
أ ـ أي مسألة تتعلق بالزواج، والولاية، والعلاقات العائلية، بشرط أن يكون الزواج قد عُقد على الشريعة الإسلامية وأن يكون الخصوم من المسلمين.
ب ـ أي مسألة تتعلق بالوقف، أو الهبة، أو الميراث أو الوصية.. إلخ..
ج ـ أي مسألة سوى ما ذُكر في الفقرتين السابقتين، على أن تتقدم الأطراف المتنازعة بطلب كتابي، ممهور بتوقيعاتهم يلتمسون فيه من المحكمة أن تقضي بينهم، مؤكدين أنهم عازمون على الالتزام بحكم الشريعة في الأمر المتنازع عليه. لذلك ترى يا سيدي أنه ليس من اختصاص المحاكم الشرعية في السودان أن تحكم بكفر أحد، أو زندقته أو ردته" انتهى.
هل يظل الدكتور مصطفى على وصفه لهذا المقال بأنه حاد ساخن؟