غرابة الدين الجديدة
ان دعوة الجمهوريين للإسلام إنما كانت غريبة بسبب إتجاهها لإحياء السنّة.. وبسبب الفهم الجديد للإسلام الذي جعلهم يدركون الفرق بين السنّة وبين الشريعة.. ومن هنا، ومن أجل هذه الغرابة، فإننا يمكن أن نقبل من السيد عفيفي أن يعارض هذا الفهم الجديد، وهذه الدعوة إلى إحياء السنّة بما يرى من حجة.. وعلينا نحن ان نرد عليه بحجتنا.. ولكن ليس مقبولا منه أن يقول، بغير ستد، وبغير دليل، ان ما ندعو إليه ليس هو الإسلام الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.. في حين تقوم دعوتنا كلها، في عملنا الفردي، والجماعي على إحياء السنّة..
ويستطّرد السيد عفيفي في نقله غير الدقيق فيقول عن الأستاذ محمود: ((فقلت له: وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم هو رجل الرسالة الأولي فمن يكون رجل الرسالة الثانية؟ - فقال: عودة سيدنا عيسى بدون شك فهو رجل الرسالة الثانية وفيها سوف يحكم بشريعة آيات الأصول النازلة في مكة)).. هذا ما قاله السيد عفيفي، وهو نقل مخل، ومشوّه لحقيقة الأمر.. فهو قد حاول أيضا أن يفصل فصلا قاسيا بين النبي صلى الله عليه وسلّم وبين الرسالة الثانية، وهذا مخالف تماما لما هو مقرّر عندنا، فقد جاء في كتاب "الرسالة الثانية من الإسلام" ما يلي:
((السنة هي الرسالة الثانية:
السنة شريعة وزيادة.. فإذا كانت العروة الوثقى هي الشريعة، فإن السنة أرفع منها.. وإذا كان حبل الإسلام متنزلا من الإطلاق إلى أرض الناس، حيث الشريعة - حيث مخاطبة الناس على قدر عقولهم - فإن السنة تقع فوق مستوى عامة الناس.. فالسنة هي شريعة النبي الخاصة به.. هي مخاطبته هو على قدر عقله.. وفرق كبير بين عقله، وبين عقول عامة الناس.. وهذا نفسه هو الفرق بين السنة والشريعة.. وما الرسالة الثانية إلا بعث هذه السنة لتكون شريعة عامة الناس، وإنما كان ذلك ممكنا، بفضل الله، ثم بفضل تطور المجتمع البشري خلال ما يقرب من أربعة عشر قرنا من الزمان))
ووارد أيضا في نفس الكتاب ما يزيل اللبس الذي يحاول المعارضون، أمثال السيد عفيفي أن يلبسوه على الناس.. لقد ورد في ذلك الكتاب ما يلي:
((إن محمدا رسول الرسالة الأولى، وهو رسول الرسالة الثانية.. وهو قد فصل الرسالة الأولى تفصيلا، وأجمل الرسالة الثانية إجمالا، ولا يقتضي تفصيلها إلا فهما جـديدا للقـرآن، وهو ما يقوم عليه هذا الكتاب الذي بيـن يـدي القـراء))..
ومن هذا يتضّح أن الرسالة الثانية هي سنّة النبي، وهو، صلى الله عليه وسلم، رسولها الذي أتى بها في معنى ما أتى بالقرآن، وفي معنى ما طبّق آيات الإصول في عممله الخاص به.. وهذا هو معنى إجماله للرسالة الثانية إجمالا.. والذي يبقى، هو تفصيل هذا الأمر المجمل الذي لم يكن الناس، في القرن السابع مهيئين لتفصيله، ولم تكن حاجتهم في مستواه لتطبيقه.. والذي يقوم بتفصيل هذا الإجمال هو من فهم الفهم الجديد الذي به تميزت السنّة عن الشريعة، وظهرت به الحكمة من رواء الشريعة التي تنّزلت من الأصل لتحل مشاكل الأمة في الماضي..
وأما الحديث عن عودة المسيح فإنه قد جاء في حديث النبي الكريم، في صحيح البخاري ((كيف أنتم، إذا نزل فيكم إبن مريم، حكما، مقسطا، يكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويملأ الأرض عدلا، كما ملئت جورا))، وهل للسيد عفيفي قول فيه.. في حته.. وفي فهمه؟