إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الأخوان الجمهوريون في
جريدة الأخبار المصرية

الرسالة الثانية ليست نقضا للرسالة الأولى.. وإنما هي امتداد لها


نشرت "صفحة الرأي للشعب" بجريدة الأخبار بتاريخ 1/6/1976م تعقيبا حول كلمة "الإسلام هو ما ندعو إليه" وكان التعقيب بقلم السيد عبد القادر محمد عفيفي قال فيه ((وأقول للسيد عبد اللطيف أن الإسلام الذي يدعو اليه ليس هو الإسلام الذي جاء به محمد عليه الصلاة والسلام، فلقد كنت بالخرطوم عام 1973 والتقيت بالأستاذ محمود محمد طه وفيما يلي موجز للمناقشة التي دارت بيني وبينه أمام أتباعه بمنزله بأمدرمان:
قلت له: تقول سيادتكم في كتاب الرسالة الثانية: أن الإسلام رسالتان، رسالة أولى قامت على فروع القرآن، ورسالة ثانية تقوم على أصوله فلماذا؟ ولم لا تكون أكثر؟ وكان جوابه: آيات الأصول التي نزلت بمكة وآيات الفروع التي نزلت بالمدينة، ومن الواضح تعارض آيات الأصول مع آيات الفروع، ونحن في القرن العشرين وبعد هذا التطوّر البشري في الفكر يلزمنا تطوّرا من الرسالة الأولي إلى الرسالة الثانية بمعنى العودة إلى آيات الأصول النازلة بمكة وترك آيات الفروع النازلة بالمدينة)).. هذا ما قاله السيد عبد القادر.. وما أغناه وأغنانا عن إيراد ما علق بذهنه من المناقشة التي قال انها جرت بينه وبين الأستاذ محمود.. فقد كان أجدى، وأسلم، ما دام النقاش قد كان حول كتاب الرسالة الثانية، ان ينقل من الكتاب مباشرة، ويدلي برأيه حوله.. إننا قد عهدنا في معارضينا من السلفيين عدم الدقة، وتحريف الكلم عن مواضعه، حتى عندما ينقلون من كتبنا، دع عنك أن يكون نقلهم من حديثنا الشفاهي..

الفروع طرف من الأصول


لقد كان عدم الدقة واضحا فيما نسبه السيد عبد القادر للأستاذ محمود.. حيث أورد في الإجابة الواردة آنفا: ((ومن الواضح تعارض آيات الأصول مع آيات الفروع)).. أو ((يلزمنا تطوّرا من الرسالة الأولي إلى الرسالة الثانية بمعنى العودة إلى آيات الأصول، وترك آيات الفروع))..
والدقة، في ايراد ما يقول الأستاذ محمود، تثبت أنه لا يقول تعارض آيات الأصول مع آيات الفروع.. ذلك بأن هذا القول لا يؤدي إلى المعنى المطلوب على وجهه الدقيق.. فإن المقرر عندنا ان الفرق بين آيات الأصول وبين آيات الفروع هو فرق مقدار، لا فرق نوع، كما أن تطوير التشريع يعني الدخول أكثر في مراد الدين، واستلهام النص الأصل، وهو ما يعبّر عنه بالإرتفاع من نص إلى نص، ولا تؤدي عبارة: ((العودة إلى آيات الأصول وترك آيات الفروع)) إلى هذا المعنى، فإن آيات الفروع في الحقيقة معتبرة ومهيمن عليها في آيات الأصول، هيمنة وشمول القرآن لما سبقه من الكتب، ومن التراث: ((وانزلنا إليك الكتاب مصدقا لما بين يديه من الكتاب، ومهيمنا عليه))

بين الرسالة الأولى والرسالة الثانية أرض مشتركة


ولنبيّن الفرق بين النقل غير الدقيق الذي أورده السيد عفيفي، وبين حقيقة ما يقول الأستاذ محمود فإننا نورد من كتابه ((تطوير شريعة الأحوال الشخصية)) ما يلي ((يحسن أن نقـرر، وبصورة حاسمة، في هذا الموضع أن هناك شريعتين.. الشريعة السلفية، وهي شريعة الرسالة الأولى.. والشريعة الجديـدة، وهي شريعة الرسالة الثانية من الإسلام.. والاختلاف بين الشريعتين إنما هو اختلاف مقدار.. فشريعة الرسالة الأولى قاعدة، وشريعة الرسالة الثانية خطوة نحو قمة الهرم الذي قاعدته شريعة، وقمته أخلاق.. وهذه الصورة الهرمية تعطي انطباعا، واضحا، بأن شريعة الرسالة الأولى ليست منغلقة، وإنما هي منفتحة على شريعة الرسالة الثانية.. ثم إن هناك تداخلا بينهما يجعل بعض صور شريعة الرسالة الأولى لا تزال صالحة في عهد الرسالة الثانية.. مثال ذلك، شريعة العبادات، وشريعة الحدود، وشريعة القصاص..)) هذا ما ورد في كتاب ((تطوير شريعة الأحوال الشخصية)).. وليلاحظ القاريء قول الأستاذ محمود: - ((والاختلاف بين الشريعتين إنما هو اختلاف مقدار.. فشريعة الرسالة الأولى قاعدة، وشريعة الرسالة الثانية خطوة نحو قمة الهرم الذي قاعدته شريعة، وقمته أخلاق)) وبين ما نسبه له السيد عفيفي: ((ومن الواضح تعارض آيات الأصول مع آيات الفروع)).. وليقارن القاريء أيضا بين قول الأستاذ محمود ((وهذه الصورة الهرمية تعطي انطباعا، واضحا، بأن شريعة الرسالة الأولى ليست منغلقة، وإنما هي منفتحة على شريعة الرسالة الثانية.. ثم إن هناك تداخلا بينهما يجعل بعض صور شريعة الرسالة الأولى لا تزال صالحة في عهد الرسالة الثانية.. مثال ذلك، شريعة العبادات، وشريعة الحدود، وشريعة القصاص)) وبين ما نسبه له السيد عفيفي: ((يلزمنا تطوّرا من الرسالة الأولي إلى الرسالة الثانية بمعنى العودة إلى آيات الأصول النازلة بمكة وترك آيات الفروع النازلة بالمدينة)).. إن نقل السيد عفيفي يصوّر الأمر كأنما الرسالة الثانية هي نقض للرسالة الأولى، وقطع للصلة بينهما، بينما حقيقة الأمر غير ذلك، كما يتبيّن من نص ما قاله الأستاذ محمود في كتبه.. إن جلية الأمر أن الرسالة الثانية تتويج للرسالة الأولى، وهي من جنسها لا نقضيها.. الرسالة الأولى طرف من الرسالة الثانية.. وليس صحيحا قول السيد عفيفي: ((وأقول للسيد عبد اللطيف أن الإسلام الذي يدعو اليه ليس هو الإسلام الذي جاء به محمد عليه الصلاة والسلام)) هو ليس صحيحا لأننا نحن الجمهوريين دعاة إلى احياء سنّة النبي صلى الله عليه وسلّم، ليتم على هداها بعث الإسلام في نفوس الأفراد، وفي تنظيم المجتمع.. ولقد كانت "السنّة" قائمة على آيات الأصول بينما كانت شريعة الأمة قائمة على آيات الفروع لمناسبتها لحاجتها، ولطاقتها في ذلك الوقت.. ولكن حاجة الإنسان المعاصر، وطاقته ليس لهما غير بعث الإسلام على مستوى السنّة.. وهذا ما بشر به النبي الكريم حيث قال: ((بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا، كما بدأ، فطوبى للغرباء، قالوا: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يحيّون سنتي بعد اندثارها))