بسم الله الرحمن الرحيم
(وَإِن يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ، فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ ۗ ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ!!)
صدق الله العظيم..
المقدمة
هذا هو الجزء الثالث، والأخير، من كتابنا: (هؤلاء هم الأخوان المسلمون)، يقع تحت عنوان فرعي هو: (موقفهم التآمري من المصالحة الوطنية).. وقد صدر الجزء الأول منه حول تنظيم (الأخوان المسلمين) في مجال الفكرة، كما صدر الجزء الثاني تحت عنوان فرعي هو (محاولاتهم في السعي للحكم)، وبذلك تناولنا هذا التنظيم في مجالي الفكرة، والممارسة، فتبين لنا أنه تنظيم يسعى إلى السلطة، بكافة السبل، متخذا، حينا، أسلوب المواجهة، ومتخذا حينا آخر، أسلوب المراوغة، ليصل إلى الاحتواء!!
ونحن في هذا الجزء اذ نكشف عن مخطط (الأخوان المسلمين) لاحتواء السلطة في البلاد، لا نميط اللثام عن وثائق سرية، بهذا المعنى للكلمة، أو نعتمد على أنباء مثيرة عن هذا المخطط، بقدر ما نستقرئ الوقائع، ونستجمع قرائن الأحوال، ونحلل المواقف، لندلل على أن هذا التنظيم، وقد فشل، بالتواطؤ مع الطائفية، في تحقيق استراتيجيته في الوصول الى السلطة عن طريق المواجهات العنيفة، قد أخذ يخطط، بصورة لا تغيب عن كل ذي وعي سياسي، لاحتواء السلطة، من داخلها!! وهو، إذ يكلف اليوم بعملية الاحتواء هذه، إنما يتورط فيما لا حصر له من المفارقات والتناقضات.. وذلك مما يجعلنا نصل، وصولا منطقيا، إلى الحقيقة التي ذهب إليها الأستاذ محمود محمد طه منذ بروز هذا التنظيم إلى سطح الأحداث السياسية بعد ثورة أكتوبر 1964 – وهي أنه تنظيم يستغل الدين، أسوأ الاستغلال، في الأغراض السياسية!! ونحن بهذا، لا نستعدي أحدا على هذا التنظيم، ولا نسعى إلى تصفيته كخصم سياسي.. أكثر من ذلك!! فإننا لندعو إلى أن يعطى هذا التنظيم كافة الفرص ليعبر عن مذهبيته، مع غيره من التنظيمات الفكرية القائمة، عن طريق المنابر العامة، الحرة وليدخل في حوار فكري معها، يشهده، أفراد هذا الشعب، تحت ضوابط الأمن، والنظام، حتى يقف هذا الشعب على حقيقة ما تنطوي
عليه فكرة هذا التنظيم، وعلى صورة ممارساته، ومواقفه، التاريخية، وذلك في سبيل اشاعة الوعي الديني والسياسي بين أفراد هذا الشعب، ذلك لأن الوعي هو الأمن الحقيقي لهذا الشعب في وجه ما يتعرض له من تيارات التضليل باسم الدين..
ونحب أن نؤكد أمرا هاما، كنا، ولا زلنا، شديدي الحرص
عليه، وهو أننا لا ننطلق، في هذا الكتاب، ولا في سائر مواقفنا من تنظيم (الأخوان المسلمين)، من خصومة فكرية، أو نعبر عن رد فعل.. وانما نحن نسعى، أولا، وأخيرا، إلى التوعية الشعبية التي تمهد الطريق للبعث الاسلامي الصحيح الذي يقف تنظيم الأخوان المسلمين، بمفاهيمه وممارساته، كإحدى العقبات في طريقه.. ولذلك حرصنا على ألا يخرج كتابنا، وهو يحمل أدنى قدر من الاتهام لهم لا يقوم على دليل.. بل إننا لنزعم أننا قد انصفنا الأخوان المسلمين، تمام الانصاف، باستبعاد كل ما اذاعه عنهم خصومهم الفكريون والسياسيون!! ثم نحن نسعى إلى توعية افراد هذا التنظيم، قاعدته، وقمته، نفسه، بمبلغ ما يتورطون فيه من خطل الرأي، وخطل العمل، وفي ذلك خير الانصاف لهم.. انصافهم من أنفسهم!!
إن أمرنا، كما نحب أن نؤكد دائما بحالنا قبل مقالنا، إنما كله، دين.. ويهزم الغاية بالوسيلة من يتورط، تحت تأثير الخصومة، في تجريم اعدائه، بغير دليل، مهما كان مبلغ دعوته الدينية من سمو الغاية.. بل إنه عند الموحدين، ما الأعداء الخارجيون إلا اشارة بليغة إلى اعدائهم الداخليين.. وهم دخائل انفسهم، فهم بأولئك على هؤلاء يستدلون.. ذلك بأنهم كلفون، أشد الكلف، بتصحيح دخائلهم، وتهذيب سلوكهم، وفق منهاج السنة النبوية فـ (إن أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك)... هذه هي معرفة الأخوان الجمهوريين بالدين، والتزامهم بأدب الدين..
ومن حسن التوفيق الإلهي أن ضم هذا الجزء من الكتاب فصلا عن دور (الأخوان المسلمين) في (محكمة الردة) التي عبر بها عن اتجاههم الأصيل الى تصفية خصومهم السياسيين الذين يعترضون سعيهم الى السلطة، وفصلا حول سعيهم الى (تحكيم) الدستور الطائفي الذي انتحلوا له اسم الاسلام ليحرزوا، عن طريقه، مواقع السلطة.. فإن اثبات هذين الموقفين في هذا الجزء إنما هو بمثابة التقدمة الموضوعية، والتاريخية، للفصل الثالث الذي يتناول مخططهم لاحتواء سلطة (مايو)..
والفصل الثالث، بذلك، هو ثمرة الكتاب.. ذلك بأننا إنما نريد في سبيل التوعية، أن ننبه الى خطر ماثل يتهدد البلاد، أشد التهديد، ذلك هو مخطط الاحتواء هذا الذي أخذ يتحرك نحو التنفيذ، مما يقتضي عدم السماح لأي قدر من التساهل، أو الغفلة في التعامل مع تنظيم جعل وكده السعي إلى السلطة، تحت لبوس (تحكيم الاسلام)!! وفوق ذلك!! فنحن على قدر كبير من التفاؤل الذي مصدره الثقة في الله تعالى بأنه كالئ هذا الشعب، كما هي عادته، دائما، وفي أحلك الظروف، بسابغ كلاءته، وهو لا بد لهذه العادة واصل.. (ان الله لا يهدي كيد الخائنين)..