إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

ساووا السودانيين فى الفقر
الى أن يتساووا فى الغنى

هذا فى جانب الإنفاق العام من الميزانية العامة أما فى جانب الإيرادات فنحن نقترح الآتى:

1) رفع حجم مساهمة القطاع الخاص فى الإيرادات العامة:
إن ما نحب توكيده فى هذا المقام هو أننا، فى المبدأ، دعاة للمنهج الإشتراكى الذى لا نرى دونه علاجا حاسما لمثل هذه الأزمات الإقتصادية، ولكنّا مع ذلك نقدّر ظروف المرحلة، وما تحمل بين طياتها من صعاب، ومعوّقات، تجسدت فى نقص الكفاءة الأخلاقية، والإدارية، الى جانب معوقات أخرى لازمت سياسة التأميم التى كان قد أقبل عليها هذا النظام بحماس فى طليعة عهده، لذلك فإننا نكتفى بالتوصية فى إطار نظام الضرائب التصاعدية، بضرورة رفع حجم إسهام القطاع الخاص فى الإيرادات العامة، وذلك بهدف إمتصاص جزء كاف من الأرباح الضخمة التى حققها خلال السنوات الأخيرة، مستغلا فى ذلك ظروف التضّخم المالى العام، وزيادات الإجور الناتجة من التقويم الوظيفى، ولقد بلغ الثراء الفاحش فى هذا القطاع حدا أصبح يهدد الأخلاق العامة، بما مدّ لأصحابه من أسباب المظهر والسلوك المترف، الذى سبقت الإشارة الى صور منه غريبة، ومحزنة، فى صدر هذا السفر، فى وقت يعانى فيه القطاع العريض من الشعب آلام الحرمان، لذلك فإننا نرى أن ضرورة المرحلة الثورية الجديدة تستوجب مواجهة عذا الخلل المالى البادى فى عجز الإيرادات العامة عن مقابلة المطالب الأساسية للشعب، بمزيد من التبعات المالية على القطاع الخاص، هذا القطاع الذى قفزت مدخراته فى البنوك التجارية من 34 مليونا فى 1974 الى 92.8 مليونا فى 1978، كما قفزت ودائعه فى الحساب الجارى فى هذه البنوك من 96.6 مليونا فى 1974 الى 288.2 مليونا فى 1978. هذا وقد قفز حجم التسهيلات الإئتمانية للأغراض التجارية المختلفة، وبخاصة فى جانب تجارة الصادر والوارد لهذا القطاع من 70.8 مليونا فى عام 1970 الى 354.9 مليونا فى عام 1978، هذه الأرقام مضافا اليها التطور الكبير فى إمتلاك العقارات والعمارات الضخمة، وما سبقت الإشارة اليه من نماذج السلوك المترف، كلها، تدل دلالة واضحة، على مبلغ ما حدث فى هذا القطاع من نمو استغل فيه كل فرص الثراء التى هيأها له هذا البلد، ثم أنه ظلّ يتقاعس، بل ويتهرّب بشتى الحيل عن الوفاء بواجبه نظير هذه التسهيلات، أكثر من ذلك فقد ظلّ يساهم بضلع كبير فى تصعيد حالة الغلاء الطاحن التى يعانى منها الشعب اليوم. لذلك نوصى بشدة بضرورة الآتى:

1) مراجعة النظام الضريبى، وإعادة تقييم أداء إداراته لرفع كفاءة التقدير، والتحصيل، ومكافحة التهرب من الضريبة.
2) الإكثار من المسوح الميدانية المكثفة والواسعة التى تمكن من توسيع الوعاء الضريبى بشمول الفئات التى ظهرت أخيرا من الطفيليين، والباعة المتجولين، وغيرهم ممن أثروا أخيرا فى ظروف التضّخم المالى الراهن.

2) فرض المزيد من الضرائب على الكماليات:
هذا النوع من الضرائب يؤكد إلتزام مبدأ العدالة الضريبية لأنه يواجه القادرين على الإنفاق من أصحاب الدخول التى تجاوزت الضروريات الى الكماليات، وهو كذلك يخدم أغراض إعادة توزيع الدخول لمصلحة أصحاب الدخول الدنيا من العمال من جانب، ومحاربة العادات الإستعلاكية السيئة من الجانب الآخر، والتى تتمثل فى الإسراف فى تعاطى الخمور والمكيفات وغيرها، والأخذ بمظاهر الحضارة الغربية الفارغة.

3) تحميل القادرين نفقات تعليم أبنائهم:
وفى نفس إتجاه مبدأ زيادة الأعباء المالية على الموسرين، فإنه لا بدّ من إستثناء القادرين من أفراد الشعب من التمتع بمجانية التعليم، وذلك بأن يقوموا بتحمل نفقات تعليم أبنائهم، إبتداءا من الثانوى العام الى الجامعة، وذلك مشاركة منهم فى تخيف أعباء نفقات التعليم الباهظة، وبخاصة الجامعى منها، على الدولة..
هذا الدخل من بند التعليم ضرورى حتى ولو لم يشكل موردا جديدا من موارد الميزانية!! يكفى أن يصرف على توسيع التعليم فإننا لا نعّلم بالقدر الكافى لا فى الجامعة ولا فى المراحل المختلفة إبتداء من التعليم الإبتدائى والى الثانوى العالى.. إن الفصول مكتظة بالطلبة والطالبات الى حدود يعجز معها المعلم عن توصيل المادة لكل الطلبة وعن إعطاء العناية الكافية لكل طالب ومن أجل ذلك فإن المستويات فى التحصيل منخفضة والعناية بالتربية والترشيد منعدمة..