إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

أنقذوا الشباب
من هذا التنظيم الدخيل

خاتمة:


إن الإسلام دعوة إلى الاستقامة.. استقامة السيرة والسريرة.. وهو نهج العلم، والعمل بمقتضى العلم، وهو لا يعرف الخداع ولا الالتواء، ولا يقر، ولا يقبل إلا الإخلاص لله، وللناس، في السر والعلن.. لأنه عمل، في المقام الأول، لخلاص الداعية نفسه، ولإخراجه من الظلمات إلى النور، فإن تربت نفسه، واستقام أمره، فهو مأذون له في دعوة الناس لما يحييهم، وإلا فإنها الفتنة، الفتنة السوداء، والتخبط الأعمى في هاوية لا قرار لها.. ومن هذا المنحى فلينظر قادة الاخوان المسلمين، ولتنظر قاعدتهم، في أي طريق هم سائرون.. ونحن، إنما نتوجه، بشكل خاص، للقاعدة المضللة باسم الدين: أن تتبين خطورة ما هي عليه من انسياق اعمى وراء قيادة لا هي عالمة بحقيقة الإسلام، ولاهي صادقة في مستوى ما تعرف من شريعة الإسلام.. إننا لنتساءل: ما الذي يحمل داعية إسلاميا، مثل الدكتور حسن الترابي، على المراوغة والتمويه، والتعميم، والتهرب من المواجهة الصريحة للأسئلة، والمواقف المحددة التي يواجه بها وهو يتحدث عن الدعوة الإسلامية؟؟
ما الذي يمنعه من أن يكون واضحا، صادقا، في الإفصاح عن أفكاره، وعن نواياه؟؟
لماذا يحيد عن السؤال المحدد ليتوه الإجابة، ويعممها، بمثل ما فعل في اجابته على سؤال مقدم (البرنامج التلفزيوني) (الكرسي الساخن)، وقد كان السؤال واضحا، عن تنظيم الاخوان المسلمين – عن الترابي (الأخ المسلم) – بهذا المعنى البسيط المحدد الذي لا يحتمل وجهين، بأي حال من الأحوال، إلا عند الدكتور الترابي، الذي عمد إلى التمويه، وإلى التخريج الذي لا صلة له، لا بنص السؤال ولا بروحه، فطلب شرح السؤال، وتطوع في نفس الوقت بهذا الشرح، فجعل له معنيين: (إن كنت تقصد الدعوة للإسلام، فإن الرئيس نميري نفسه أخ مسلم بهذا المعنى، وإن كنت تقصد التنظيم فانه لا وجود لمثل هذا التنظيم)؟! إن الترابي لم يكن صادقا في هذه الإجابة، ولا أمينا، إذ أنه يعرف بالتأكيد أن موجه السؤال إنما كان يعني بسؤاله (تنظيم الإخوان المسلمين)، لا أخوة الإسلام العامة..
واسوأ من ذلك، فإن الترابي كان يعلم يقينا أن قوله: (لا وجود لهذا التنظيم) هو قول كاذب.. فالتنظيم موجود، والترابي رئيسه.. فعلى من يحاول أن يخفي هذه الحقيقة؟؟ أعلى الله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور؟؟ أم على الناس الذين يطالعهم التحرّك النشط، والعمل الارهابي المنظم الذي يمارسه قياديو الاخوان المسلمين المعروفون في الجامعات، والمعاهد، وفي غيرها من المواقع؟؟ أم هي مخادعة السلطة والتعامل معها بوجهين؟! لماذا كل هذا التناقض الذي يتورط فيه الترابي؟؟ لماذا يجيب على سؤال (سوداناو) بأنه بمقدور الإسلام أن يخلق وحدة وطنية بين المسلمين وغير المسلمين هذا في حين كانت إجابته في اللجنة القومية للدستور، بأنه لا يحق لغير المسلم أن ينتخب ليكون رئيسا للدولة؟؟ وهل في هذا توحيد للمسلمين، وغير المسلمين، في الوطن الواحد؟؟
ثم، بعد هذا كله، هل الحرص على الدين، هو الذي يحمل الترابي على كل هذا التناقض والتهافت؟؟ وهل يخدم مثل هذا النهج قضية الإسلام، أم هل يجد مثل هذا السلوك الاحترام عند المسلمين حتى يغريهم بترك ما عندهم، والتوافق على الإسلام؟
إن هذا الذي يباشره الترابي، وزملاؤه، ليبرأ منه الإسلام، حتى بفهمه السلفي..
إننا، بحق، لا نخاف على الإسلام من ممارسات الترابي وتنظيمه، فهي مقضي عليها بالخسران، ولكننا تخاف على الترابي، وعلى قاعدة تنظيمه، الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.. إن على الترابي، إن أراد بنفسه، وبدينه، وببني وطنه خيرا أن ينفض يديه فورا من كل ادعاء لتحكيم الإسلام، وليعكف على نفسه هو ليخرجها من هذه الهلكة التي تحتوشهم من جميع أقطارهم وهم لا يشعرون..
إن الحديث عن الاخوان المسلمين، إنما ينسحب أيضا على بقية الفرق الإسلامية التي أشار إليها الحديث: (افترقت اليهود إلى احدى وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وافترقت النصارى إلى أثنين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة،)، وهذا إنما يلقي على كل فرقة من الفرق الإسلامية العديدة واجبا ثقيلا، على قدر اضطلاعها به تكون نجاتها، أو يكون هلاكها.. لتنظر كل فرقة: أين هي من النجاة، ولتسأل نفسها: ألا ينطبق عليها وصف (الغثاء) الوارد في حيث النذارة النبوية: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كتداعي الأكلة على القصعة، قالوا أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير!! ولكنكم غثاء كغثاء السيل، لا يبالي الله بكم!!).. والغثاء هو الأوساخ التي يحملها السيل في وجهه لخفة وزنها، وكذلك حال المسلمين اليوم، خفيف وزنهم عند الله، لأن (لا إله إلا الله) لا تعمر قلوبهم، ولا تحكم أفعالهم، وأخلاقهم، وإنما تجري بها ألسنتهم فقط، (كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)..
إن الفرق الإسلامية التي نراها اليوم ينتظمها كلها سمط واحد، لا يميز بينها إلا اختلاف اسمائها.. ومن ههنا، فإن الفئة التي تشذ عن هذه الفرق إنما هي مظنة (النجاة)!! ومن يدريكم؟؟ لعّل هذه الفئة هي (الجمهوريون)، لأنهم غرباء عليكم جميعا، وكلكم ينكرهم، مع أنكم كلكم مفارقون لأخلاق الإسلام، ولسلوك الدين، وقد قال النبي: (الدين المعاملة)، ولم يقل الدين العبادة.. لأنه قد يتمسك المرء بظاهر العبادات، وتكون أخلاقه سيئة، فلا يزداد من الله إلا بعدا.. ودونكم الحديث (ربّ مصل لم تزده صلاته من الله إلا بعدا).. هذا والعبادة حاضرة في المعاملة!! وقد لا تكون المعاملة حاضرة في العبادة!!
إن هذا هو حال الفرق الإسلامية اليوم بغير استثناء يصلّون، ويصومون، ويحجون، ولكنهم يغشّون بعضهم بعضا، ويتعاملون بالربا، ويأتون كل منكر..
لعلّ غربة الجمهوريين هي الغربة التي عناها الحديث (بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا، كما بدأ فطوبى للغرباء، قالوا من الغرباء يا رسول الله؟ قال الذين يحيون سنتي بعد اندثارها)!!
إن الفكرة الجمهورية هي وحدها الداعية إلى الله، وإلى سنة نبيه، بلسان حال دعاتها، وبلسان مقالهم، ومع ذلك تواجه منكم بالرفض، وبالتشويه، وبالتحريف، بصورة لا يرضاها الله، ولا نبيه، بل لا يرضاها حتى الرجل العادي، ذو الفطرة السليمة!!
إن من يسمون (العلماء) منكم قد تعمّدوا تضليلكم، وتضليل أنفسهم عن الحق.. فما وجدنا منهم واحدا يعارض الفكرة الجمهورية، وإنما هم جميعا يعارضون، وبإصرار، أوهاما من نسج أنفسهم يعتبرونها الفكرة الجمهورية.. ولقد رصدنا نحن مسلكهم هذا المجافي للحق في كتب عديدة منها: (بيننا وبين محكمة الردة) – و (علماء بزعمهم) – و (الميزان بين محمود محمد طه، والأمانة العامة للشئون الدينية) – و (ليسوا علماء السودان وإنما علماء آخر الزمان) - وفي هذه الكتب، يتبين كيف يبتر من يسمون علماء السودان أقوال الجمهوريين ليخرجوا من ذلك بالفهم الخاطئ الذي تسوله لهم أنفسهم، والذي ينساق معهم فيه كثيرا منكم، بلا علم، وبلا هدى، وبلا كتاب منير.. إن مثلكم مثل الذين خلوا من قبلكم، الذين قال الله تعالى عنهم: (وأمّا ثمود هديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون!!)
إن الفكرة الجمهورية هي الدين، وهي الحق الذي ما دونه إلا الباطل.. هي الدعوة إلى كتاب الله، وإلى أصول القرآن، وإلى سنة النبي التي هي تجسيد لأصول القرآن.. وقد عبّرت عن ذلك السيدة عائشة أحسن تعبير، وأدقه، عندما سئلت عن أخلاق النبي فقالت: (كانت أخلاقه القرآن)..
إن دعوتنا إنما هي إلى طريق محمد، يلتزمه الناس، من رجال ونساء، بإتقان في التقليد، وبتجويد.. والدعوة إلى طريق محمد وجبت الاستجابة لها من كل من تبلغه حتى ولو كان الداعية إليها فاسقا، أو منافقا، لأنها الدعوة إلى من ورد ترشيحه من الحضرة الإلهية وذلك بقرن الشهادة (لا إله إلا الله محمد رسول الله).. فليس لكم من عذر في التخلّف، مهما كان الأمر الذي أنتم عليه اليوم، فإنه يصبح باطلا، ولا جدوى منه، ولا بركة فيه.. واسوأ من انصرافكم عن هذه الدعوة البيضاء افتراؤكم عليها، وكذبكم، ومحاولتكم الصاق التهم بها بالباطل وبالبهتان.. ألا تخافوا من وعيد الله، تبارك وتعالى، إذ يقول: (ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام؟؟ والله لا يهدي القوم الظالمين)..
إن هذه الدعوة هي الإسلام منذ اليوم وليس في الأرض إسلام غيرها فانظروا أين تضعون أنفسكم منها!!
أما بعد فإن في هذا لبلاغا، والله بالغ أمره، وهو الهادي إلى سواء السبيل، وهو نعم المولى، ونعم النصير..


الاخوان الجمهوريون
امدرمان ص ب 1151
تلفون 56912