إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

أنقذوا الشباب
من هذا التنظيم الدخيل

الخميني والترابي!


إن من أكبر ما يكشف عن حقيقة تفكير الترابي، ويميط اللّثام عن التحرّك الخفي لتنظيمه، رأيه، وتصريحاته التي يبثها حول حركة الخميني.. فهو قد بادر بالثناء على الخميني في مؤتمر التخطيط الثقافي – فبراير 1979 حيث قال:
(ولقد ذكّرنا الخميني، يجزيه الله خيرا، أن كل نظام قهري لا يمكن أن يثبت أو يدوم مهما كانت القوة التي تدعمه)..
وفضلا عن أن تقويم الترابي لحركة الخميني يكشف عن حقيقة نواياهم لجعل السودان (إيران أخرى) فإن تقويمه هذا يكشف عن أحد أمرين: إمّا خطأ موبق في فهم حركة الخميني، وإمّا محاولة لتزييف أمرها، وصرف الأنظار عن حقيقتها.. وليس في كلا الأمرين خير.
لقد قال الترابي محاولا تبرير مفارقات حركة الخميني، في مجلة الحوادث 8/2/1980 ما يلي:
(في رأيي أن الثورة الإيرانية هي أكبر عامل في تجاوز الخلاف الطائفي خاصة بين السنّة والشيعة).
إن هذا القول يهزمه واقع التحرّكات المذهبية: والعرقية: التي أخذت مواقعها في مسرح السياسة في إيران بعد حركة الخميني، مما أدى إلى النزاع، وإلى الحرب الأهلية بين الأكراد وبين الشيعة.
وليس أدل على خطل رأى الترابي عن (تجاوز الخلاف الطائفي) من كون الدستور الإيراني الذي وضعه الخميني، قد نص على أن المذهب الشيعي هو المذهب الرسمي للدولة، وذلك توكيدا للصبغة الطائفية للحكم الجديد!! وهناك أيضا خطأ محزن في الرأي عن الخميني، وعن الإسلام، تكشف عنه اجابة الترابي على سؤال مجلة الحوادث الذي وجهته له هكذا:
(هل يمكننا وصف الأسلوب الذي يتبعه الخميني بأنه اسلوب دكتاتوري؟
قال الترابي في إجابته:
(لا يمكننا الحديث عن الدكتاتورية في إمام مسلم. فالإمام المسلم حتى لو تفرّد بالسلطة ولو خلصت إليه كل السلطات فإن سلطات المجتمع المسلم بأسرها خاضعة للإطار الشرعي.)
إن الترابي ليس جادّا، ولا هو بصادق في قوله هذا.. وإلا فكيف يريدنا أن نسلّم لكل من تزعّم فرقة إسلامية واعتقدت فيه جماعته بأنه (إمام) مسلم، وألا نتحدث عن ممارساته الدكتاتورية مهما كانت مجافية للإسلام، وللعقل وللمكتسبات الانسانية في مجال الحرية؟؟ وكيف يريدنا الترابي أن نسلّم للخميني، ولمذهبه الشيعي الذي يخول للإمام الشيعي السلطان المطلق؟؟ ألم يطّلع الترابي على المذهب الشيعي، أو لم يقرأ قول آية الله روحاني عن ائمة الشيعة، (الامام المنتظر قد عين في وصية له خلفاء هؤلاء الخلفاء هم الائمة وفي هذه الوصية قال: طول فترة غيابي عليكم إطاعة الذين يمثلونني "آيات الله" وبالتالي هم المقيمون على القانون والحكمة الالهية أنهم القرآن الناطق وبصفتهم هذه هم معصومون عن الخطأ. والطاعة المتوجبة لهم هي واجب مقدس)؟؟
وأين هذا القول الشيعي من قول سيدنا أبي بكر عندما وليّ أمر الناس: (لقد ولّيت عليكم ولست بخيركم، فان رأيتموني على حق فأعينوني، وإن رأيتموني على باطل فسددوني، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم)؟!
إن حركة الخميني ليست بعيدة من الإسلام، أو مناقضة له وحسب، بل هي مفارقة لأبسط مقتضيات العقل والعدل، وقد عادت بالناس إلى مستوى من التخلّف تجاوزته الانسانية منذ أمد بعيد..
وممارسات حركة الخميني ليست باشتطاط ثورة يرجى أن تعتدل بعد حين، وإنما هي ممارسات مقننة، ومرتكزة على تخلّف، وفهم خاطئ عند الشيعة.

الترابي والتقويم الرسمي للخميني:


إن أيسر ما يقال عن الرأي الفج الذي يحمله الترابي، عن حركة الخميني، ويذيعه من المنابر المختلفة، أنه رأي يناقض ما عليه كل من له مسكة عقل من المواطنين، بل هو يناقض رأى الدولة، ورأى التنظيم السياسي الذي يتبوأ فيه الترابي مقعدا قياديا، الأمر الذي يلزم الترابي بأحد أمرين: إما أن يحتفظ برأيه لنفسه فلا يذيعه، ولا يدعو إليه من المنابر العامة مضلّلا به الناس، وإما أن يثير هذا الرأي، ويدافع عنه، في داخل أجهزة الاتحاد الاشتراكي ليقنع به التنظيم قبل أن يقنع به بقية الناس.
أما أن يجري النقد القوي الواضح للخميني، في داخل الاتحاد الاشتراكي، ثم يصمت عنه ليجيء دفاعه في التحقيقات الصحفية، فإنه تناقض وتقاعس لا يليقان بأحد على الاطلاق..
إن شجب اتجاهات الاخوان المسلمين، ورفض محاولاتهم سوق البلاد في طريق هوس الخميني قد أكد بصورة حاسمة في المؤتمر القومي الثالث للاتحاد الاشتراكي.. وقد نقلت جريدة الأيام بتاريخ 28/1/1980، في معرض وصفها للجلسة الثانية للمؤتمر، ما يلي: (في معرض تعقيبه على ما أثاره أحد الأعضاء حول جماعة الاخوان المسلمين قال الرئيس القائد: إن الثورة ترفض الخمينيات في السودان).
وقبل ذلك بنحو ثلاثة أسابيع جاء في إجابة للرئيس نميري على سؤال مجلة الحوادث البيروتية 4/1/1980، قوله: (إن ما يحدث في إيران هو تحرّك، أو هو ثورة أو تغيير يوصف بأنه إسلامي وقد يكون هذا هو الهدف في البداية أو هو المنطلق لكن ما أراه الآن لا يشعرني بأنه منطلق من هذا الفهم فمعظم الحوادث التي جرت في إيران لا أتصور أنها حتى قريبة من مبادئ الإسلام).
ولقد كان تقويم الجمهوريين لحركة الخميني، من أول وهلة، أنها فتنة ستجر على إيران، وعلى العالم، وعلى الإسلام، شرا مستطيرا.
ولقد جاءت الاحداث، تباعا، تؤكد هذه الحقيقة التي لمّا يزل الترابي، بدافع الرغبة والرهبة، يموه الحديث، ويعممه بشأنها.. راجع كتابينا (فتنة إيران) و (الخميني يؤخر عقارب الساعة)..