حادث سوق أم درمان:
ومن صور الهوس الديني التي وقعت أخيراً، ذلك التخريب الذي جرى بسوق أم درمان مساء الخميس ١٥/٥/١٩٨٠، وقد انطلقت شرارته من مسجد أم درمان، بعد صلاة المغرب، حيث خطب أحدهم في المصلّين، محرّضاً إيّاهم على تكسير البارات .. وبالفعل سارت مجموعة منهم في شكل مظاهرة انضمّ إليها كل من صادفها من البسطاء، ومن محترفي النهب والسلب، الذين يستغلّون أجواء الاضطرابات، ليمارسوا حرفتهم في نهب، وسلب ما تقع عليه أيديهم.
وتعرّضت تلك المظاهرة بالتخريب لعدد من البارات في سوق أم درمان، وكادت أن تعم الفوضى، وتستشري، وأوشك أن يفلت زمام الأمن والنظام من الأيدي .. واعتقل خطيب المسجد ومعه بعض المتّهمين الآخرين.
وقد سجّلت عدّة بلاغات بحالات نهب، وسلب وقعت لمحال تجارية، ولأفراد من الجمهور، من غير أصحاب البارات التي وقع عليها التخريب .. وهذا يجب أن يفتح أعين الناس على المدى الذي يمكن أن تصل إليه فتنة كهذه، لا يقف شرّها عند حد .. «اتّقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة» .. وليست هناك فتنة أسوأ من أن يأخذ بعض الناس القانون في أيديهم، ليعيثوا في الأرض فساداً بدعوى فرض «حكم الله»، كما يفعل المهووسون الدينيّون، من أخوان مسلمين، ووهابية، ومن سار سيرتهم ..
وفي أعقاب حادث التخريب بسوق أم درمان أغلقت المحال التجارية، وما ظلّ مفتوحاً هو بعض البارات التي شوهد عليها ازدحام كبير من الزبائن!!
وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدل على سطحية، وخطورة الاتّجاه الذي يحاول معالجة قضية «الخمر» باستصدار القوانين، أو بممارسة العنف .. ذلك بأنّ محاربة الفساد لا تتأتى بمعزل عن التربية، وهي لا تتم بإصدار قوانين شرعية منفصمه عن نظام متكامل، وشامل، لكل أوجه حياة الفرد، وحياة المجتمع .. وقد فصّلنا القول في هذا الأمر في عديد من كتبنا ومن بينها: «لجنة تعديل القوانين لتتمشى مع الشريعة الإسلامية لن تفلح إلا في خلق بلبلة»، و«لجنة تعديل القوانين بجعلها لحد الخمر تعزيزاً تزيّف الشريعة وتعوّق بعث الدين» ..