إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

تطوير شريعة الأحوال الشخصية

تداخل الشريعتين وانفتاحهما على بعضهما:


يحسن أن نقـرر، وبصورة حاسمة، في هذا الموضع أن هناك شريعتين.. الشريعة السلفية، وهي شريعة الرسالة الأولى.. والشريعة الجديـدة، وهي شريعة الرسالة الثانية من الإسلام.. والاختلاف بين الشريعتين إنما هو اختلاف مقدار.. فشريعة الرسالة الأولى قاعدة، وشريعة الرسالة الثانية خطوة نحو قمة الهرم الذي قاعدته شريعة، وقمته أخلاق.. وهذه الصورة الهرمية تعطي انطباعا، واضحا، بأن شريعة الرسالة الأولى ليست منغلقة، وإنما هي منفتحة على شريعة الرسالة الثانية.. ثم إن هناك تداخلا بينهما يجعل بعض صور شريعة الرسالة الأولى لا تزال صالحة في عهد الرسالة الثانية.. مثال ذلك، شريعة العبادات، وشريعة الحدود، وشريعة القصاص.. وإنما يجيء استمرار صلاح هـذه، من أسباب أوردناها في موضعها من كتابنا: ((الرسالة الثانية من الإسلام)).. فليراجع.. أما بقية شريعة المعاملات، في السياسة، وفي المال، وفي الاجتماع، فإن كثيرا من صورها قد خدم غرضه - خدمه حتى استنفده - وأصبح تطويره أمراً واجبـاً.. ونكرر أن التطوير ليس قفـزاً عبر الفضاء.. لا!! ولا هو قول بالرأي الفـج.. وإنما هو انتقال من نص فرعي، إلى نص أصلي، في القرآن، وعلى هدى فهم أسرار الدين.. وفيما نحن بصدده من شريعة الأحوال الشخصية فإن هناك ركنين من أركان الزواج الأربعة لا تزال لهما الصلاحية التي بها يدخلان عهد الرسالة الثانية، وبنفس القدر، إن لم يكن بأوكـد، من الأهمية.. هذان الركنان هما الشاهدان، والمحل.. ويراد بالمحـل خلو الرجـل، وخلو المـرأة، من الموانع الشرعية من اقترانهما.. وأما الركنان الباقيان، المتممان لأربعة الأركان وهما الولي، والمهر فإنهما لا يؤذن لهما بدخول العهد الجديد، إلا بتطوير.. وهما من الأمثلة الجيدة لانفتاح شريعة الرسالة الأولى، على شريعة الرسالة الثانية من الإسلام.. ففي حالة الولي، فإنه يسقط سقوطاً تاماً، في شريعة الرسالة الثانية من الإسلام.. وإنما يجيء سقوطه ضمن سقوط الوصاية، حيث العهد عهد مسئولية ورشاد.. فالوصاية، على الرجال والنساء على حد سواء، للقانون الدستوري.. فمن يحسن منهما التصرف في حريته، تحت ظل هذا القانون، فلا سبيل عليه.. فإنه: ((ما على المحسنين من سبيل)).. وقد كان هذا الولي، في شريعة الرسالة الأولى، غير ضروري، عند السادة الحنفية، مثلا.. فإن عندهم أن المرأة يمكنها أن تكون ولية أمر نفسها في الـزواج، بل ويمكنها أن تكون ولية أمر غيرها فيه.. ولا يشترط في تصرفها إلا أن تـزوج نفسها، أو غيرها، للكفؤ، بمهر المثل.. فإنها إن فعلت، فلا سبيل لوليها إلى الطعن على تصرفها.. فإنه إن يفعل، يكن وليا عاضلا.. وهذا وصف يسقط حقه في الولاية عليها: ((وإذا طلقتم النساء، فبلغن أجلهن، فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن، إذا تراضوا بينهم بالمعروف.. ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله، واليوم الآخر.. ذلكم أزكى لكـم، وأطهـر، والله يعـلم، وأنتم لا تعلمون))..
وقد قرر السادة الحنفية في الكفاءة أنها تكون في أمور ستة: الإسلام، والدين، والحرية، والنسب، والمال، والحرفة.. وستسقط كل هذه الأمور، في شريعة الرسالة الثانية، ولا يظل منها قائما غير الدين، والنسب.. والأمر الذي يهمنا من رأي السادة الحنفية هو أنـه، في الشريعة السلفية، هناك حوالة على القانون، ليكون قائماً مقام الولي.. وهذا ما قصدناه حين قلنا بانفتاح الشريعة السلفية - شريعة الرسالة الأولى- على الشريعة الجديدة - شريعة الرسالة الثانية من الإسلام.. ويجيء الحديث عن الركن الرابع، وهو المهر.. وهذا، في شريعة الرسالة الثانية من الإسلام، وبقيمته المادية المعروفة، يسقط سقوطاً تاماً.. ذلك بأنه إنما هو ممثل لثمن شراء المرأة، حينما كانت تشترى في الماضي، في عهد هوانها، فليس له، في عهد عـزها، مكان.. فليس للمرأة منذ اليوم ثمن وإنما هي شريكة زوجها في علاقة متكافئة.. هي، كلها، لزوجها، وزوجها، كله، لها.. حقوقهما متساوية.. وواجباتهما متساوية.. ((لهن مثل الذي عليهن بالمعروف.. وللرجال عليهن درجة)).. وهذا المهر المادي، نفسه، في الشريعة السلفية، ليس بكبير الأهمية.. فهو ليس شرط صحة في الزواج.. ذلك بأن الزواج يصح بغير مهر، على الإطلاق.. ويصح بمهر متناه في القلة.. وقد زوج النبي ببعض آيات القرآن، وزوج بلا مهـر، على الإطلاق.. أما تزويجه ببعض آيات القرآن: ((فعن سهل بن سعد أن امرأة جاءت إلى رسول الله فقالت: يا رسول الله!! جئت لأهب لك نفسي.. فنظر إليها رسول الله، فصعد النظر إليها، وصوبه.. ثم طأطأ رأسه.. فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست، فقام رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله!! إن لم تكن لك بها حاجة، فزوجنيها.. فقال هل عندك من شئ؟؟ قال: لا والله يا رسول الله!! قال: اذهب إلى أهلك فانظر، هل تجد شيئا؟؟ فذهب، ثم رجع، فقال: لا والله يا رسول الله!! ما وجدت شيئا.. قال انـظر!! ولو خاتماً من حديـد.. فذهب، ثم رجـع، فقال: لا والله، ولا خاتماً من حديـد، ولكن هذا إزاري فلها نصفه.. فقال رسول الله: ما تصنع بإزارك؟؟ إن لبسته لم يكن عليها منه شئ، وإن لبسته لم يكن عليك منه شئ.. فجـلس الرجل حتى طال مجلسه، ثم قام فـرآه رسول الله مولياً.. فأمر به، فدعي.. فلما جاء قال: ماذا معـك من القرآن؟؟ قال: معي سورة كذا، وسورة كذا، وعددها، قال: أتقرؤهن عن ظهر قلبك؟؟ قال: نعم!! قال: اذهب!! قد ملكتكها بما معك من القرآن.. وفي رواية زوجتكها بما معك من القرآن)) رواه الخمسة..
وأما تزويجه بغير مهر، على الإطلاق، فعن عقبة ابن عامر، أن النبي قال لرجل: ((أترضى أن أزوجك فلانة؟؟ قال: نعم!! وقال للمـرأة: أترضين أن أزوجك فلاناً؟؟ قالت نعـم!! فزوج أحدهما صاحبه.. فدخل بها، ولم يفرض لها صداقا.. ولم يعطها شيئا، وكان ممن شهد الحديبية وكان من شهد الحديبية له سهم بخيبر.. فلما حضرته الوفاة قال: إن رسول الله زوجني فلانة، ولم أفرض لها صداقا، ولم أعطها شيئاً، وإني أشهدكم أني أعطيتها من صداقها، سهمي بخيبر.. فأخذت سهماً، وباعته بمائة ألف درهم)).. رواه أبو داؤد..
ها هنا سقط المهر، في الشريعة السلفية، وهذا هو ما عنيناه، أيضا، بانفتاحها على شريعة الرسالة الثانية من الإسلام.. حيث يترجم المهر المادي إلى مهر معنوي..
من كل هذا الاستقراء، يتضح لك قرب ما بين الشريعتين، حتى أن التطوير، من مستوى الشريعة السلفية، إلى مستوى الشريعة الجديـدة، لا يكاد يكون ذا بال.. ومع ذلك فهو في غاية الأهمية، لأنه يقرر مسائل كانت في منطقة الخلاف، كمسألة الولي، وكمسألة المهر، تقريراً نهائيا، يعطيها صورة واحدة، يجري عليها العمل، في مستأنف أمر الزواج..

الطــلاق:


لما كانت مرحلة الوصاية في الإسلام (وصاية النبي على الأمة بمقتضى آية الشورى.. ووصاية الرجال على النساء بمقتضى آية القوامة) مرحلة انتقال، سببها قصور الأمة عامة، وقصور النساء، بخاصة، عن شأو المسئولية.. والمراد منها أن تتهيأ فترة انتقال، خلالها يرشد الأوصياء القصر، حتى يبرزوا إلى مقام رشدهم، وعزهم.. حيث يكونون مسئولين عن حسن تصرفهم أمام القانون.. كانت حقوق القصر أمانة عند الأوصياء.. مثل النساء، في ذلك، مثل الأيتام.. قال تعالى: ((وابتلوا اليتامى، حتى إذا بلغوا النكاح، فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم، ولا تأكلوها إسرافا، وبداراً أن يكبروا.. ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف.. فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم.. وكفى بالله حسيبا..)).. والقرينة بين اليتامى وبين النساء هي السر في قرنهن بهم في قوله تعالى: ((وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء، مثنى، وثلاث، ورباع.. فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم.. ذلك أدنى ألا تعولوا..)).. ولقد قال في موضع آخر: ((وآتوا اليتامى أموالهم)) وكنى بالمال عن جميع الحقوق، وأهمها حقهم على الأوصياء في النصح، والتربية، والترشيد.. وقال: ((وآتوا النساء صدقاتهن نحلة)).. وكنى بالصدقات عن جميع الحقوق التي لهن، على الأوصياء، من النصح، والتربية، والترشيد.. والأوصياء هنا هم الأزواج.. ومن حسن الترشيد للزوجات إعدادهن ليبلغن مرتبة النضج التي بها يشاركن أزواجهن في حقـوق، وواجبات الزوجية، مشاركة الأكفاء.. ومن حقـوق، وواجبات، الزوجية، الدخول فيها بكامل الاختيار.. والخروج منها بكامل الاختيار أيضا.. وهذا هو الطلاق.. فالطلاق حـق، في أصل الدين، للنساء، كما هو للرجال.. ولكن حق النساء، في الشريعة، في المـرحلة، قد ائتمن عليه الرجـال.. ولقد ذهـل عن هذه الحقيقة علماء الإسلام، لما ذهلـوا عن أن الشريعة السلفية إنما هي مرحلية، وليست الكلمة الأخيرة، التي يريدها الدين..
ويجب أن يكون واضحا، فإن حـق النسـاء في الطـلاق لا يلتمس في نصوص آيات الطلاق.. ذلك بأن جميع هذه الآيات إنما هي آيات مدنية.. وهي من ثـم، فروع.. وفروع القرآن هي عمـدة شريعة الرسالة الأولى.. في حين أن عمـدة شريعة الرسالة الثانية إنما هي أصول القرآن.. وقد استفاض حديثنا عن ذلك..


تعدد الزوجـات:


لا مـراء!! فإن شريعة الأصول تمـنع التعـدد، في معنى ما تطالب بالعـدل.. والعدل يستحيل بين زوجتين.. دع عنك أربعا.. وإنما جاء تعدد الزوجات في شريعة الفروع، حيث كانت هي صاحبة الوقت، في القرن السابع.. ولم تكن حكمة التشريع، يومئذ، لتسمح بشريعة الأصول.. ذلك بأنها فوق طاقة المجتمع، وفوق حاجته، أيضاً.. ولا تستقيم حكمة بوضعها هذا الموضع.. ولقد اعتبرت شريعة الأصول مدخرة ليومها، ولقد جاء هذا اليوم بمجيء مجتمعنا هذا الكوكبي الذي يسعى لإقامة الحكومة العالمية التي تقوم على الدستور الإنساني، وتنظم علائقها بالقانون الدستوري.. ولقد كانت شريعة الفـروع، وهي شريعة الرسالة الأولى، متأثرة، في حكمة، برواسب الماضي، الذي كان عليه المجتمع الجاهلي، حيث كانت المـرأة، لا تملك حق الحيـاة، بله حق الحرية، والمساواة.. ألم تكن تـوءد حية؟؟: ((وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت؟؟)) وكان تعدد الزوجات في العهد الجاهلي وسيلة شائعة من وسائل استغلال النساء فكان الرجل يتزوج العشر، والعشرين امرأة، يستخدمهن، ويستولدهن.. فلم يكن ليستقيم، اقتصادياً، ولا اجتماعياً، ولا سياسيا.. لم يكن ليستقيم مع الحكمة، بأي وجه من الوجوه، أن يجيء التشريع يحد من التعدد، إلى الواحـدة.. ويحاول التسوية في الحقوق، والواجبات، بين الرجـال، والنساء.. فقد كانت الحكمة تستقيم مع التدريج، ومع إعداد فترة انتقال تتهيأ فيها المرأة لممارسة حقوقها، في المساواة، ويتهيأ فيها المجتمع، اقتصادياً، وسياسياً، واجتماعيا، للإسماح بهذه الحقـوق.. وكذلك جاء تفضيل الرجال على النساء، في هذه الشريعة، فجعلت المرأة على النصف من الرجـل، في الشهادة، وفي الميراث، وعلى الربع منه في الزواج.. وكل هذه إنما هي أمور عرضية، زائلة، بزوال أسبابها.. ويومئذ ينتقل التشريع إلى المساواة.. وفيما نحن بصدده من تعدد الزوجات، يقول القرآن: ((وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى، فانكحوا ما طاب لكم من النساء، مثنى، وثلاث، ورباع.. فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة، أو ما ملكت أيمانكم.. ذلك أدنى ألا تعولوا))..
ولما كانت شريعة التعدد هي الشريعة الحكيمة لذلك الوقت لأسباب ذكرناها، في غير هذا الموضع، من هذا الكتاب، فقد جاءت السنة بتحديد العدل في قوله: ((فإن خفتم ألا تعدلوا)) فأصبح ((العـدل)) اصطلاحاً قاصراً على العدل في القسمة، ومتجاوزاً عن ميل القلوب.. وقد جاءت السنة، بهذا التقييد للعدل، من قوله تعالى: ((ولـن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم.. فلا تميلوا، كل الميل، فتذروها كالمعلقة.. وإن تصلحوا وتتقوا، فإن الله كان غفوراً رحيما)).. فكأنه تجاوز عن بعض الميل - ((فـلا تميلوا كل الميل))، وإنما تجاوز ليجعل شريعة التعدد ممكنة، وهي شريعة قد كانت ضرورية لذلك الوقت.. والتجاوز عن بعض الميل أخذ بأخف الضررين.. وهو يستقيم في المرحلة، ولا يستقيم عند التمام، وفي النهاية ومن ثم، فإن أصول الدين لا تقر التجاوز عن بعض الميل، وإنما هي تطالب بالعدل التام، وبالمساواة التامة.. وفي هذه الأصول، فإن قوله: ((فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة)) يصبح قولا حاسماً في النهي عن التعدد.. ذلك لأن العدل في مستوى الأصول سينتقل من كونه عدلا في القسمة، كما كان في مستوى الفروع، ليصبح عدلا في ميل القلوب.. ولا مشاحة في أن القلب لن يعدل في ميله بين اثنين.. فلم يبق إلا واحـدة..

النـفـقة:


الإنفاق على الزوجة سبب من أهم الأسباب التي نهضت عليها قوامة الرجل على المرأة.. قال تعالى: ((الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم)) ولقد ظن بعض الناس، وحق ما ظنوا، أن المرأة لن تكون كريمة، في حياتها، إلا إذا كانت مستقلة اقتصاديا.. وخير فرص النساء، جميعهن، في الاستقلال الاقتصادي لا تتحقق إلا بالتنظيم الاجتماعي، الذي يعيد تقويم الانتاج، حتى تدخل المـرأة، الأم المنجبة، والمربية للأطفال، أعلى مراتب التـقدير بين جمهـرة المنتجين.. وذلك هو ما عجزت عنه الاشتراكية، المادية، القائمة اليوم.. وذلك أيضاً ما أسلفنا إليه الإشارة، في موضع آخر، من كتابنا هذا..
لقد سبق أن قررنا، ونكـرر هنا، أن النساء لا فرصة لهن في الكرامة، والمساواة، إلا في عهد الديمقراطية، والاشتراكية، في المستوى الإنساني، الذي اشتمل عليه القرآن، حيث الفـرد، من رجـل وامـرأة، هو الغاية من كل سعي الحياة.. ولقد سبق أن قررنا، ونكـرر هنا، أن هـذا المستوى من شمول الإدراك، قد عجزت عنه جميع الفلسفات الاجتماعيات، وفي طليعتها الماركسية.. وأنه لم يتوفـر عليه غير القرآن..
إن الانتقال، بالتطـور الواعي، الوئـيد، الرشـيد، من آية القوامة: ((الرجال قوامون على النساء، بما فضل الله، بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم..))، إلى آية المسئولية: ((ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف.. وللرجال عليهن درجة))، ولا يتم إلا بانتقال المجتمع انتقالا تاما، يتخلص فيه تشريعه من رواسب مجتمع الغابة.. ولقد سبق أن قررنا، ونكرر هنا، أن شريعتنا السلفية متأثرة، تأثراً حكيماً، ورشيداً، برواسب مجتمع الغابة.. ولقد يظهر ذلك في أمرين، من جملة أمور.. هذان الأمران هم الوصاية في السياسة، والرأسمالية في الاقتصاد.. ولقد أنى للمفكرين الإسلاميين أن يستيقنوا أن آية الشورى، إنما هي آية وصاية، وليست آية ديمقـراطية.. أكثر من هـذا!! هي ناسخة لآية الديمقراطية.. وأن آية الزكاة إنما هي آية رأسمالية، وليست آية اشتراكية.. أكثر من هـذا!! هي ناسخة لآية الاشتراكية..
إن أمل المستضعفين اليوم وهم النساء، والأطفال، وسواد الرجال، لا ينهض على هذه الفروع، وإنما هو ينهض على الأصول، التي عليها تقوم الديمقراطية، والاشتراكية.. إذ بالديمقراطية تقوم المساواة أمام القانون، وبالاشتراكية تقوم المساواة في الدخـول.. ولقد تحدثنا عن كل أولئك بما يكفي.. والذي نحب أن نقرره هنا هو أن قوامة الرجال على النساء لا تنتهي الا بانتهاء أسبابها وهي لا تنتهي أسبابها إلا بمجيء عهد الديمقراطية، والاشتراكية.. حيث تحال الوصاية على القانون الدستوري.. وتحال النفقة على الكفالة الجماعية.. وهي المعروفة اصطلاحاً ((بالمساواة الاقتصادية)).. يومئذ لا تكون المرأة محتاجة لحماية الرجـل، ولا لوصايته، ولا لنفقته.. لأن كل أولئك إنما يجيئها من النظام الجماعي.. وبذلك يصبح المجتمع وسيلتها الكبرى لتحقـق، بمنهاج الإسلام في العبـادة والمعاملة، فرديتـها، تلك الفـردية التي هي مطلوب الديـن.. أولا، وأخيراً.. ولقد أسلفنا إلى ذلك الإشارة..