إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

طوِّروَها حَتّى تَصيَر:
جَامِعَة أمْدُرمَان

الهوس الديني!! أبعاده وأخطاره!!


اننا نعيش اليوم في عالم قد استشرت فيه ظاهرة الهوس الديني بصورة لم يسبق لها مثيل في التاريخ، خصوصا في المناطق العربية والإسلامية، وبصورة أخص في المناطق التي يعيش فيها المسيحيون، الى جانب المسلمين.. وقد أدّى الهوس الديني، في العديد من البلدان، الى قيام فتن دموية، وصراعات طائفية، عصفت بأمن هذه البلدان واستقرارها.. وما يتم في إيران اليوم من اغتيالات، واعدامات، وتفجيرات، وحرب أهلية، هو أوضح نموذج، للهوس الديني، وما يمكن ان ينجم عنه من فتنة.. ونموذج إيران، على بشاعته، هو المثل الأعلى للمهووسين، في زعمهم.. فهم يودون أن ينقلوا تجربة إيران الى بلادهم، ولذلك خرجت مظاهراتهم عندنا، وهي تهتف: (إيران.. إيران.. في كل مكان)!! فقد اعطت ثورة الخميني المهووسين، نموذجا، ومثلا أعلى يحتذونه.
وما يجري في لبنان، من حرب طاحنة، ومن تفجيرات واغتيالات، هو نموذج آخر للهوس الديني وما يمكن ان ينجم عنه.
ولقد شهدت مصر العديد من الفتن الطائفية، وأحداث العنف الدموية التي تسبب فيها الهوس الديني.. وبالأمس القريب روعت مصر، والعالم العربي والإسلامي، بل والعالم أجمع، باستشهاد بطل السلام المرحوم الرئيس أنور السادات، على يد المهووسين دينيا.. ولولا اللّطف الإلهي، كان يمكن أن يؤدي اغتيال السادات الى فتح المنطقة العربية كلّها الى فتنة سياسية ودينية، تصعب السيطرة عليها.. ونحن نرجو ان يكون مقتل السادات في عيد الفداء، فداء للعالم بأسره من فتن الهوس الديني..
فإذا كانت صورة الهوس الديني كما ذكرنا، فما الذي يمنع السودان من ان تجتاحه موجة الهوس الديني، تعصف باستقراره، وترمي به في اتون صراعات طائفية دموية، تستحيل السيطرة عليها؟! في الواقع لا شيء يمنع من ذلك، سوى اللطف الإلهي، وان نتحلّى بالوعي، وبروح المسئولية، فنقضي على ظاهرة الهوس الديني قبل أن يستفحل أمرها، ويصعب القضاء عليها، الاّ بثمن باهظ من استقرار بلادنا، ودماء ابنائها.. فهل ندرك الخطر ونعي تجربة الآخرين بما يعيننا على تفاديها؟! هذا ما نرجوه ونعمل له.
لقد بدأت ظاهرة الهوس الديني في بلادنا، ومنذ وقت.. وقد كان لنا شرف المبادرة في التنبيه اليها، والتحذير منها، ونحن اليوم انما نواصل ما بدأناه من تنبيه في كتاباتنا السابقة، عن الخطر الطائفي، والهوس الديني.. ونحن هنا نحب أن نذكّر القراء ببعض النماذج من تجربة بلادنا مع الهوس الديني، وما يؤدي اليه من أضرار، ومن مخاطر وفتن.. فبلادنا مهيأة لخطر الهوس الديني بحكم وجود الطائفية بها، وهي طائفية ذات جذور عميقة في عقول، وقلوب، شعبنا.. ثم هي طائفية قد مارست السيطرة على الشعب، واستغلاله لوقت طويل، ومارست الحكم، وهي حتى الآن لم تيأس من العودة اليه.. وبلادنا مهيأة للفتنة الطائفية، وخطر الهوس الديني، لأنها يعيش بها المسيحيون الى جانب المسلمين، وبينهما اختلافات عنصرية يمكن ان تزيد من التعصب، ومن اسباب الصراع، وخصوصا ان الحرب الأهلية التي نشبت في جنوب البلاد، وان كانت ذات طابع سياسي اساسا، الاّ انها لا تخلو من ظلال الصراع الديني.. وبلادنا مهيأة لخطر الهوس الديني ايضا، لأنها تضم تنظيمات الهوس الديني التي مارست اعمال العنف والفتن، ولا تزال تمارسها، وعلى رأس هذه التنظيمات، تنظيم الأخوان المسلمين الذي يعتبر أكبر تجسيد لظاهرة الهوس الديني، وما يصحبها من عنف، في منطقتنا العربية، خصوصا في مصر وسوريا.
ونحن، قبل أن نذكّر القرّاء ببعض نماذج الهوس الديني التي تمت في بلادنا، نحب أن نميّز بين الفكر الديني، والهوس الديني، ونوضّح كيف ان خطر الهوس الديني انما يأتي أساسا، من العاطفة الدينية، والأفكار الدينية المنحرفة، التي تعطي العنف والإغتيالات، والشغب والخروج على القانون تبريرات دينية، تتمثل أساسا في المفهوم الخاطيء، والمنحرف للجهاد، والاستشهاد، والإتجاه الى تكفير الآخرين من الخصوم الفكريين، والسياسيين، ومن الحكام، الأمر الذي يبرّر ممارسة العنف ضدهم، من قبل المهووسين، ويجعل هذا العنف عندهم عملا دينيا يرجون ثوابه!!