السلام في الإسلام
إنَ الإسلام، في رسالته الأولى، بعد انتقاله إلى المدينة، إنما قام على الجهاد: ((فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم، وخذوهم، واحصروهم، واقعدوا لهم كل مرصد.. فإن تابوا، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، فخلّوا سبيلهم.. إن الله غفور رحيم)).. وبذلك نسخت كل آيات الإسماح التي كان عليها العمل في مكة: ((وقل الحق من ربّكم فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر)). و((ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربّك هو أعلم بمن ضلّ عن سـبيله، وهو أعلم بالمهتدين)). و((فذكّر إنما أنت مذكّر * لست عليهم بمسيطر))..
وهذا النسخ ليس سرمدياً وإنما هو مرحلي، ولقد خدم غرضه في الماضي، وأمّا اليوم فإن العمل إنما يرجع إلى آيات الإسماح لأن هذا الوقت هو وقتها، ذلك بأن العالم إنما يحتاج إلى الإسلام، برسالته الثانية، ليحقق له السلام.. ولتفصيل هذا الأمر، أمر الانتقال من الرسالة الأولى إلى الرسالة الثانية، يمكن الرجوع إلى كتابنا: «الرسالة الثانية من الإسلام»، وكتابنا: «تطوير شريعة الأحوال الشخصية»..
إن السلام في الإسلام لهو حجر الزاوية، وهو سيكون السمة البارزة لعهد الرسالة الثانية، ذلك بأن البعث الجديد للإسلام إنما سيقوم على أصول القرآن، ببعث سنّة النبي، وستكون الصلاة هي الوسيلة الفعّالة للأفراد ليحققوا سلامهم الداخلي، وذلك بأن تتوحد بنية الفرد، فيتم الاتساق بين القوى الثلاثية: الجسد، والعقل، والقلب، وبذلك يزول القلق والخوف، والتشويش، ويحل محل ذلك كلّه الطمأنينة، والأمن، والسعادة «وجعلت قرّة عيني في الصلاة»..
إن سلامة القلب هي نواة السلام، وكل مسلم لا يسلم قلبه، فليس بإسلامه كبير عبرة، فهو عليه أن يحقق السلام مع نفسه، ومع الله، ومع الناس، بل مع الأحياء، والأشياء: ((يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم)) ولن تكون هناك سلامة قلب في الآخرة، لم تكن قد بدأت، وتعمّقت هنا، في الدنيا، فمن كان لهم نور في الدنيا، يتم الله لهم نورهم يوم القيامة حيث يقولون: ((ربّنا أتمم لنا نورنا))، بينما يقال لمن لم يكونوا قد اكتسبوا نوراً في الدنيا: ((ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً))، أي أعيدوا التجربة التي لم تفيدوا منها في الدنيا.. وكل تجربة لا تورث حكمة تكرّر نفسها.. ((ومن كان في هذه أعمى، فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً)).. إن المسلم مطالب بأن يفض الكبت، وأن يقتلع جذور الخوف من قلبه، ويزيل التعارض بين جسده، وعقله، وقلبه، وبين فكره، وقوله، وعمله.. عليه ترويض الوحش الرابض في اهابه ليستأنس ويصير إنساناً مسالماً، لا يصدر منه إلا الخير، والبر، وبذلك يتم التواؤم بينه، وبين المجتمع.. إن الإسلام يحتاج إلى التجسيد، يحتاج إلى أجرام إنسانية تسعى بين الناس، تنضح بشرتها بالسلام، والمحبة، والاطمئنان.