إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

جنوب السودان
المشكلة!! والحل!!

المشكلة من جديد؟


لقد بدأت، في الآونة الأخيرة، تظهر بعض الاضطرابات والصراعات، في الجنوب، الأمر الذي يهدد بظهور مشكلة الجنوب من جديد.. واهم هذه الصراعات، الصراع القائم الآن بين فريقين من الجنوبيين: فريق يري تطبيق نظام لا مركزي في الإقليم الجنوبي، يقسم بمقتضاه الجنوب الي أكثر من إقليم، على غرار الصورة التي تمت في الشمال، وبها قسم الي ستة اقاليم.. ويتزعم هذا الفريق من الجنوبيين السيد جوزيف لاقو.. اما الفريق الآخر، فهو ضد التقسيم، ويعتبره تفتيتا، واضعافا للجنوب ويتمسك بالإقليم الواحد بالصورة التي جاءت في اتفاقية أديس ابابا والتي عليها العمل اليوم، وقد كون هذا الفريق تنظيما أسماه (مجلس وحدة جنوب السودان) ويترأسه السيد كلمنت أمبورو..
ولقد قام كل من الفريقين بتوضيح رأيه، عن طريق الكتابة، وعن طريق الندوات.. ولقد أثيرت قضية التقسيم هذه لأول مرة في اجتماع اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي في فبراير 1981.. ولقد أطلعنا على بعض ما كتبه كل من الفريقين لتدعيم وجهة نظره، كما تمت لنا مقابلات مع بعض الأخوان الجنوبيين من القياديين من الفريقين.. ولقد اتضح لنا أن قضية التقسيم هذه كشأن كل ما يتعلق بالجنوب، قضية دقيقة وحساسة.. وهي ليست مجرد اختلاف موضوعي حول شكل الحكم، والادارة، في الجنوب، وانما هي قضية متشعبة العناصر والدوافع.. فهي في بعض جوانبها تحركها روح الصراع القديم بين الشمال والجنوب.. وهي في جوانب أخري مظهر للصراعات القبلية الحادة في الجنوب، ومظهر لعدم الثقة بين الجنوبيين أنفسهم.. كما ان عنصر الطموحات الشخصية ليس بمستبعد من الصورة.. ولذلك إذا لم تتم معالجة هذه القضية بالحكمة الكافية، فليس من المستبعد أن تستغل في اثارة فتنة جديدة في الجنوب، تؤدي الي المزيد من عدم الاستقرار.. ونحن هنا سنعرض بإيجاز وجهة النظر المعلنة لكل من الفريقين، ونقدم الحل الذي نقترحه..

دعاة اللامركزية والتقسيم


ان وجهة نظر هذا الفريق، يتضمنها كتيب أصدره باللغة الانجليزية، السيد جوزيف لاقو، تحت عنوان (اللامركزية.. ضرورة لمحافظات جنوب السودان)..
وينطلق السيد جوزيف لاقو في موقفه من نقطتين أساسيتين هما: أن النظام اللامركزي، هو من حيث المبدأ، النظام الأفضل، والأنسب، اذ أنه يتيح أكبر فرصة لمشاركة المواطنين في حكم أنفسهم.. وهو النظام الذي يقوم عليه دستور السودان الدائم.. وقد نصص عليه في المادتين (6) و(7)، فالمادة (6) تقول: (تدار جمهورية السودان الديمقراطية على نظام اللامركزية وفقا لما يحدده القانون).. أما المادة (7) فنصها: (تقسم جمهورية السودان الديمقراطية بقصد تحقيق المشاركة الشعبية في الحكم وتطبيق اللامركزية الي وحدات إدارية يحدد القانون عددها وحدودها واسماءها)..
والمنطلق الثاني للسيد لاقو، وهو يبدو انه المنطلق الأساسي، هو أن قبيلة الدينكا، بما لها من كثرة عددية قد استغلت نظام الإقليم الواحد في الجنوب، لتسيطر على كل شيء، وتفرض هيمنتها على القبائل الأخرى.. (يلاحظ أن الدينكا حسب تعداد 1956 كانوا واحد مليون نسمة)
بالنسبة للنقطة الأولي يقول لاقو: (ان المشكلة الأساسية التي تواجه مجتمعا غير متجانس، مثل مجتمع الإقليم الجنوبي، هي تحقيق الوحدة.. والوحدة تتحقق بإقرار الاختلاف، واعتباره.. ولذلك فإن يوم 3 مارس من كل عام، اعتبر عيدا للوحدة لأنه اليوم الذي تم فيه اعطاء الجنوب الحكم الذاتي الإقليمي).. وهو يري أن السودان يصبح أكثر وحدة عندما تدير الاقاليم المختلفة شئونها.. وأشار السيد لاقو الي أن السودانيين أصحاب عزة تقليدية، فهم يرفضون السيطرة، وذهب ليدلل على ذلك من تاريخ السودان.. ثم ذهب ليقول انه في مثل المجتمع السوداني غير المتجانس، لا يمكن تحقيق الاستقرار، أو حتى السلام، ما لم تعط المجتمعات المختلفة الحق في ممارسة السيطرة على شئونها الخاصة.. وأستدل على ذلك بالمشكلة التي كانت قائمة بين الشمال والجنوب.. ويري السيد لاقو أنه، وفق نظام الاتحاد الاشتراكي السوداني، يتعين على حكومة الإقليم الجنوبي أن تعمل على اقامة حكم ذاتي في كل محافظة، بالصورة التي يصبح معها للمواطنين في المحافظة الكلمة الأخيرة في كل الشئون الادارية، والسياسية، الخاصة بالمحافظة..
واضح من كتيب السيد جوزيف لاقو أن دافعه، ومنطلقه الاساسي، في المطالبة بتطبيق اللامركزية في الجنوب، هو هيمنة قبيلة الدينكا وسيطرتها على الإقليم.. فهو منذ البداية يركز على هذه النقطة حتى أنه بدأ مقدمة كتيبه بالقول: (عندما يشبع الرجل الأناني، فانه يصف الجائع بأنه شره).. وذهب ليقول أن هذه القولة ترمز الي الحالة السائدة في جنوب السودان.. فبعض القادة السياسيين، مدفوعين من مراكز قبلية قوية، قد اقنعوا أنفسهم بأن السبيل الوحيد ليبقوا في قوة هو أن يثيروا الولاءات القبلية في قبيلتهم، التي يعتقدون أنها لا بد أن تهيمن لمجرد كثرتها العددية.. وهؤلاء القادة يشيرون الي من يريدون تصحيح الأوضاع بأنهم سياسيون (جوعي للسلطة).. ويذهب لاقو ليعدد مظاهر هيمنة الدينكا على الجنوب، فيورد في كتيبه قوائم تبين أن الدينكا، في معظم المرافق، والمؤسسات، يسيطرون على حوالي نصف الوظائف.. ومما أورده مثلا، أن لهم خمسة أعضاء في المجلس التنفيذي العالي السابق من مجموع عشرة أعضاء.. وهو يقول ان التعيين السنوي في البوليس، والسجون والوظائف المختلفة يكشف طموح الدينكا في السيطرة على جميع مرافق الحياة في الجنوب.. وقد ذكر ان بعض زعماء الدينكا يقومون بتوزيع أفراد قبيلتهم في كل الأقاليم في الجنوب، حتى يضمنوا السيطرة على أي حكومة تقام.. ثم يذهب ليقول عن الشعور بالمرارة البادية من حديثه: (لا أحد يجب أن يلام على هذه المشاعر سوي اولئك الأعضاء من قبيلة الدينكا، الذين اختاروا الطريق الخطأ بمحاولة اعطاء مشاعرهم القبلية وضعا دستوريا على حساب تطلعات القبائل الأخرى.. هنالك شعور بعدم الأمن تم خلقه بين القبائل الأخرى غير الدينكا بصورة خاصة في المدن والأحياء) - راجع صفحة 8 من الكتيب.. ثم يمضي ليقول (نحن لا نستطيع بعد الآن ان نؤمن بأن هنالك نوايا حسنة، بل أننا نشك في ان هنالك اخلاصا في تطبيق سياسات الاتحاد الاشتراكي التي تقوم على مبدأ مشاركة الشعب لأن (الشعب) بالنسبة لهم يعني فقط قبيلتهم)!!
ويخلص السيد جوزيف لاقو الي الاقتراع بأجراء تعديلات على المادة الثامنة من الدستور، والتي تقول: (يقوم نظام الحكم الذاتي الإقليمي في الإقليم الجنوبي على أساس السودان الموحد وفقا لقانون الحكم الذاتي الإقليمي للمديريات الجنوبية لسنة 1972 والذي يعتبر قانونا أساسيا لا يجوز تعديله الا وفقا للنصوص الواردة فيه).. واجراء تعديلات على قانون الحكم الذاتي الإقليمي للمديريات الجنوبية لسنة 1972 وذلك بغرض تحقيق حكم ذاتي إقليمي لمحافظات الإقليم الجنوبي، وذلك بتقسيم الإقليم الجنوبي الي اقاليم يتوقف عددها على استفتاء عام يتم في الجنوب.. وقد قدم لاقو صورة للتعديل الذي يقترحه فبين المواد التي يقترح تعديلها، وصورة هذه المواد بعد اجراء التعديل عليها..
وقد رد لاقو على خوف المتخوفين من ان التقسيم سيؤدي الي تفتيت الجنوب واضعافه، مما يعرضه للخطر من الشمال فقال:
((1) لقد ذهبنا الي أديس أبابا كجنوبيين، خاضوا حربا دامية لمدة 17 سنة، وكنا ننتمي لثلاث مديريات تحكم مباشرة من الخرطوم، وهذا لم يؤد الي تقسيمنا.. فاذا كان هنالك خوف من أي تهديد من الشمال فان ذلك الخوف لابد أن يكون عند كل الجنوبيين، ليس كأعضاء في حكومة إقليمية واحدة، وانما فقط كجنوبيين.. ونحن لا نتوقع من الحكومة الإقليمية ان تحمل السلاح ضد الشمال.. وانما هم المواطنون أنفسهم الذين يحملون السلاح، إذا دعت الضرورة.. ولذلك يجب الا نخدع بالقول بأن وجودنا متحدين كإقليم واحد هو الضمان الوحيد ضد أي كيد محتمل من الشمال..
2) ان القطر بأكمله قد اتجه الي نظام الحكم اللامركزي. وهنالك ستة أقاليم في الشمال فأي إقليم من هذه الأقاليم نخشاه؟ وإذا كنا نظن أن ستة أقاليم يمكن ان تتحد ضدنا، فما الذي يمنع ان يتحد إقليمان أو ثلاثة في الجنوب ضدهم ايضا؟ أهي الحكومة المركزية؟ هذه تعكس الرغبة في العودة الي اللامركزية، ومن دون شك فان هنالك أقاليم، غير اقاليم الجنوب سوف تشارك في الاحتجاج..
3) أما مسألة نقص الموارد، فإنه يجب أن ينظر اليها من خلال سياسة الدولة الادارية.. فان كل القطر قد وافق على الإقليمية باعتبارها ضرورة سياسية، وما لم يكونوا هم كمجموعة يشعرون بأنها باهظة التكاليف، فاننا يجب أن لا ننخدع من قبل اولئك الذين يسعون الي حماية وظائفهم.
4) ان المجموعة العالمية معنا، وسيظلون يقدمون لنا يد المساعدة كل ما أثبتنا لهم اننا مستقرون، فانهم لا يهتمون بالنظام الذي تقوم عليه الحكومة، ولكن، على العكس، فان نزعتنا القبلية قد لوحظت من قبل بعضهم على انها معوقة، ومهددة، للاستقرار..
5) وكما أن اتفاقية أديس أبابا قد ضمنت وحدة السودان، بضمان الحكم الذاتي للجنوبيين.. وان الإقليمية قد اعتبرت مقوية للوحدة بإعطاء الشعب الحق في ممارسة سلطاته السياسية التي هي، حتى الان حكر للحكومة الإقليمية فإن أقلمة الجنوب سوف تفتح الطريق لكثير من التناسق والانسجام، بين الجنوبيين أنفسهم..
ونحن على وعي تام بأن لكل عملة وجهين، وهذا الرأي ليس له شواذ، ولذلك لا بد أن تكون هنالك سلبيات، كما هنالك ايجابيات)) – صفحتي (14)، (15)..
وقد لخص لاقو أبرز السلبيات في:
((1/ هنالك الخوف من ان الشمال الذي كانت رغبته، طوال تاريخنا، هي تقسيم، وحكم الجنوب، ربما يكون أكثر سعادة لأن الجنوب، قد يتبلقن (BALKNISED)
2/ اننا نعاني من نقص في الموارد، وانه الآن ليصعب على الإقليم الجنوبي، كإقليم واحد، أن يحصل على نصيبه من المساعدة الممنوحة من الحكومة المركزية.. وسيكون ذلك أسوأ عندما يكون هنالك أكثر من إقليم.. ثم ان مزيدا من الاقاليم يعني أننا نحتاج الي بناء عواصم جديدة، وإقامة مزيد من الوحدات الادارية، والدفع لمجموعة كبيرة من الخدمات الجديدة، الخ.. فمن أين نتوقع أن نحصل على المال، في حين أننا الآن، كإقليم واحد، متحد، وقوي، عاجزون عن الحصول عليه؟؟
3/ هنالك الخوف من أن حركة كهذه ربما أدت الي سلسلة من البحث عن الانقسامات من منطلقات قبلية، لأنه في كل قسم جديد سيظل الخوف من سيطرة القبائل الكبيرة قائما..
4/ وهنالك أيضا مشكلة تنظيم وترتيب، الموارد مع حكومة الإقليم..)).. صفحة (16)..
ثم ذهب لاقو ليلخص المزيد من الايجابيات التي يمكن أن تنجم عن التقسيم، فذكر منها الانسجام مع بقية أجزاء القطر، وفرصة الضغط على الحكومة المركزية حتى تعطي الشعب المزيد من السلطات، والنظرة الموضوعية في توزيع المساعدات التي تأتي من الحكومة المركزية ومن الخارج.. كما رأي أن التقسيم يحد من التوتر الناجم عن السياسة القبلية، ومن الصراعات القبلية.. والتقسيم يتيح الفرصة لأعداد أكبر من المواطنين للمشاركة في الادارة، ورسم سياسة الدولة، ويؤدي الي مشاركة الجنوبيين بصورة أكبر في المجالات القومية، ويبعد شبح الخوف من اعتبار الإقليم الجنوبي الواحد يساوي للواحد من الاقاليم الشمالية الصغيرة، ويضيف أن استراتيجية التطور الاجتماعي، والاقتصادي سوف تكون أسهل مع التقسيم..
هذه أهم منطلقات، ودوافع، دعاة التقسيم، وأهم الحجج التي ساقوها، وردودها على الحجج المعارضة..

دعاة المحافظة على الإقليم الواحد


لقد كون دعاة المحافظة على الإقليم الواحد في الجنوب، تنظيما أسموه (مجلس وحدة جنوب السودان) وأسندوا رئاسته للسيد كلمنت أمبورو.. وقد أصدر هذا المجلس في 24/12/1981 منشورا قدم فيه نفسه للمواطنين في الجنوب والشمال، وشرح فيه وجهة نظره حول موضوع تقسيم الجنوب.. ويمكن أن يقال بصورة عامة أن منطلقات هذا الفريق من الجنوبيين ترجع الي نقطتين اساسيتين، أولاهما ضرورة المحافظة على اتفاقية اديس ابابا دون تعديل، لأنها تعطي الجنوب، وحكومته الإقليمية، صلاحيات خاصة، لا تتوفر للحكومات الأخرى في الشمال.. ثم أن الاتفاقية قد حققت سمعة عالية للسودان، الأمر الذي يقتضي المحافظة عليها..
أما النقطة الثانية، والاساسية، التي تنطلق منها هذه الجماعة فهي أن وحدة الجنوب ضرورية لمواجهة أي خطر شمالي.. فالتقسيم يضعف الجنوب، ويجعله لا يقوي على مواجهة مثل هذا الخطر.. فهم في منشورهم، هذا الذي أشرنا اليه، يقولون: (الخوف من فرض تقسيم الجنوب علينا هو هدفنا الاساسي.. نحن نعلم أن الجنوب فقير، وجاهل، ومتأخر، ومخدوع، ومتعدد اللغات، والأديان، ومتفوق عليه بصورة كبيرة، من الكثرة العددية، من قبل الشماليين المسلمين، الذين يتحدثون اللغة العربية، والذين هم أكثر تقدما.. ولذلك فإن الجنوب يحتاج هذه الوحدة بصورة ملحة، وهي وحدة في إطار السودان الموحد، والا فإن الخوف من الهيمنة، والامتصاص بواسطة الشمال، ربما دفعت الجنوب للتطرف في الجانب الآخر..).. ومن هنا يتضح أن الدافع الحقيقي المعلن، للإصرار على التقسيم، هو الخوف من الشمال وعدم الثقة به.. وهم لا يثقون في الشمال، الي الحد الذي يخشون معه ان يفرض عليهم التقسيم فرضا.. وبالإضافة الي الأسباب القديمة الموروثة لعدم الثقة، هم يضيفون أسبابا جديدة، يرون أنها تزيد من شكوكهم في نوايا الشماليين، ومن هذه الأسباب الجديدة التي ذكروها، موضوع مصفاة كوستي، وتقسيم الحدود، وموضوع الدخول لجامعة جوبا، ثم فوق كل ذلك الاتجاه الي تقسيم الجنوب الي اقاليم، والذي يتصورونه عملا شماليا، يرمي الشمال من ورائه الي تفتيت وحدة الجنوب، واضعافه، حتى تسهل الهيمنة عليه..
وهم، لإعطاء شكوكهم هذه صفة الموضوعية، ذكروا أن موضوع تقسيم الجنوب الي اقاليم ظهر لأول مرة في اجتماع اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي السوداني في الفترة من 23/2 الي 27/2/1981، حيث تمت مناقشة الموضوع، وعقد المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي اجتماعين آخرين لنفس الغرض.. ثم دعي لانعقاد مؤتمر استثنائي آخر للاتحاد الاشتراكي يعقد في أول عام 1982.. وهم يريدون أن يدللوا بذكر هذه الاجتماعات على حرص الشمال على التقسيم.. ويمضي منشورهم ليقول: (وقد تم حل مؤسستنا الدستورية بسبب نفس الموضوع.. هذا في الوقت الذي كان فيه مواطنونا في كل مناسبة يوضحون مواقفهم ويرفضون برنامج التقسيم هذا بصورة حاسمة، وقد تم تجاهل كل ذلك.. ولذلك فانه من واجب هذا المجلس أن يرفع صوت الجنوب بصورة قانونية، في معارضة التقسيم، وأن يبين المخاطر التي تمت في سبيله)..
ولتوكيد أن اتجاه التقسيم هو، في الحقيقة، رغبة الشمال يقول المنشور أن الاقتراح قد عرض بواسطة ممثلي الشمال في مؤتمر المائدة المستديرة عام 1965 ورفض. فقد جاء في المنشور (لقد ظهرت فكرة اقامة مناطق حكم ذاتي متعددة في الجنوب في مؤتمر المائدة المستديرة في 1965.. وقد عرضت بواسطة ممثلي الشمال.. ولكن رفضها ممثلو الجنوب، ولذلك فإن السلام لم يتحقق آنذاك، بل أن الحرب قد كثفت ضد المثقفين الجنوبيين، وضد القري على السواء.. وقد جاء السلام في عام 1972 لأن الرئيس نميري وافق أن يترك الجنوب كوجود حقيقي في إطار السودان الواحد).. ثم يذهب المنشور ليقول: (في اجتماع اللجنة المركزية في فبراير 1981 ثمانية من عشرة من الأعضاء الجنوبيين الذين تحدثوا كان حديثهم في معارضة برنامج التقسيم في الجنوب.. وفي المكتب السياسي، حيث لنا خمسة أعضاء فقط، أربعة منهم وقفوا ضد برنامج التقسيم.. والي جانب كل ذلك فإن الاغلبية الكبيرة من اعضائنا في مجلس الشعب القومي أظهروا معارضتهم لبرنامج التقسيم في كتيب أصدروه تحت اسم (اعادة تقسيم الجنوب، لماذا يجب أن ترفض).. وقد أخبرنا أن هذا الكتيب هو سبب الكارثة للجنوب.. فقد أدي الي حل مجلس الشعب القومي، ومجلس الشعب الإقليمي، والحكومة الإقليمية.. وبنفس الصورة فإن أعضائنا في مجلس الشعب الإقليمي، وهم يجلسون كأعضاء اتحاد اشتراكي، قرروا بأغلبية كبيرة رفض برنامج التقسيم.. ولكن جميع هذه المؤشرات عن رأي الجنوب في الموضوع، صرف النظر عنها بصورة قاسية في سبيل الوصول للتقسيم. وبسبب هذه الرغبة الملحة في تقسيم الجنوب، تم تحطيم دستورنا، ومؤسساتنا الدستورية، مما أدي الي خلق فراغ خطير.. وهذا المجلس يحاول ملء هذا الفراغ.. هنالك حملة خطيرة لتقسيم مواطنينا.).. ثم يمضي المنشور ليقول: (الأحداث الأخيرة، ابتداء بقضية الحدود، وقضية مصفاة البترول، وقضية التقسيم، تقف كدليل يقوي الخوف من أن بعض العناصر في الشمال ليست على استعداد لقبولنا كمواطنين في مركز مساو لهم، ويحق لنا الاستمتاع بثمرات هذه البلاد على قدم المساواة معهم).. هذا تلخيص لمعظم ما جاء في منشور جماعة كلمنت أمبورو، وواضح مما تقدم أن قضيتهم الاساسية تتمركز في الشك، وعدم الثقة في الشمال، ويتهمون الشمال بأنه يسعي الي تقسيم الجنوب حتى يستطيع أن يهيمن عليه، هذا مع أن قضية تقسيم الجنوب قضية مطروحة من قبل فريق من الجنوبيين أنفسهم، وهو فريق له حججه التي يتبناها، كما أوردناها في حديثنا عن كتاب جوزيف لاقو، وقد رأينا كيف أن دعاة التقسيم هؤلاء يتضررون من هيمنة الدينكا في الجنوب، وقد أوردوا النماذج لهذه الهيمنة..