الشيعة وعقيدة المهدية:
يرى الشيعة الإثنا عشرية أن الإمام الثاني عشر، عندهم، هو المهدي الذي ولد عام 255 هـ في أيام الخليفة المعتمد، ولم يكن لأبيه سواه، وكان عمره يوم وفاة أبيه خمس سنوات، ويعتقدون أن الله آتاه الحكمة وفصل الخطاب، كما آتى يحيي صبيا، وجعله إماما، وكما جعل عيسي في المهد نبيا.. وكانت له غيبتان.. غيبته الصغرى، إلاّ عن سفرائه وأبوابه، ومدتها أربع وسبعون سنة.. وسفراؤه أربعة كانوا هم الصلة بينه وبين الناس، أما غيبته الكبرى ففي سنة 328 هـ، وفيها انقطعت الوكالة، أو السفارة فيما بينه، وبين شيعته، وأنه حي، وأنه سيظهر في آخر الزمان، فيملأ الأرض عدلا، كما ملئت جورا، وإنه إمام هذا الزمان.. (كتاب "الشيعة في الميزان" لمحمد جواد مغنية – طبعة دار الشروق صفحة 252 "تاريخ الشيعة لحسين علي محفوظ"، الكاظمية 1947م)..
أما الشيعة الإسماعيلية فتخالفهم في هذه العقيدة.. يقول مصطفى غالب في كتابه الحركات الباطنية، صفحة 100: (ومن الخلافات الجوهرية بين الشيعة الإثني عشرية والإسماعيلية أن الفرقة الأولى تقول بأن إمامهم الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري الذي اختفي بسرداب في مدينة سامراء، شمالي بغداد، سنة 260 هـ، لا يزال حيا يرزق، وأنه سيظهر ليملأ الدنيا عدلا كما ملئت جورا، في حين يذهب الإسماعيلية إلى أن الإمام هو حجة الله علي خلقه.. والإمامة تستمر بالنص مدى الدهر، لأن الكون لا يستطيع البقاء لحظة دون إمام.. والإمام بحد ذاته من البشر يجري عليه ما يجري علي البشر من حياة، وموت، فمن غير المعقول أن يقال إن إماما يعيش طول هذه المدة) ويقول محمد جواد مغنية في كتابه السالف: (أما الغيبة الكبرى – غيبة المهدي – فالله سبحانه أعلم بحكمتها، فإنها سر من أسراره عز وجل، والشك في أسرار الله جحود)!!
ويقول محمد جواد مغنية، المصدر السالف، صفحة 92: (إن القول بخروج المهدي، وولادته – غيبته – وكل ما يتصل به إلاّ الأحاديث النبوية، غاية الأمر أن خروجه في آخر الزمان ثبت بطريق السنة والإمامية، أما ولادته فقد ثبتت بطريق الإمامية فقط) انتهي.. أي أن ولادة، وغيبة المهدي لم تثبت إلاّ عن طريق الرواة الإمامية.. ثم يقول هو نفسه عن الرواة الإمامية الأساسيين، صفحة 271 من المصدر نفسه: (وعند الشيعة الإمامية كتب أربعة للمحمدين الثلاثة: محمد الكليني، ومحمد الصدوق، ومحمد الطوسي، وهي: الاستبصار، ومن لا يحصره الفقيه، والكافي، والتهذيب.. وهذه الكتب عند الشيعة تشبه الصحاح عند السنة، ومع ذلك يقول الشيخ جعفر كاشف الغطاء في كتابه "كشف الغطاء" صفحة 40: "المحمدون الثلاثة رضوان الله تعالى عليهم، كيف يعول في تحصيل العلم عليهم، وبعضهم يكذب رواية بعض".. ) انتهى.. وبذلك يمكن اعتبار الرويات المتعلقة بولادة وبغيبة المهدي من الروايات المشكوك فيها..
أما الأحاديث التي تتحدث عن اثني عشر خليفة، أو أميرا، مثل: (لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة، ويكون عليها اثنا عشر خليفة كلهم من قريش) (أصول المعارف، للموسوي الكاظمي، صفحة 97، مطبعة العرفان صيدا 1374)، أو مثل (يكون اثنا عشر أميرا كلهم من قريش) – (البخاري، الجزء التاسع، كتاب الأحكام).. هذه الأحاديث، ونحوها مما يذكر فيه عدد من الأئمة، أو الخلفاء، أو الأمراء، لا تفيد، علي وجه القطع، أن هناك سلسلة، من آل البيت، اثنا عشرية، متعاقبة، بغير فصل، يأتي في آخرها المهدي.. وقد يكون المقصود هو وزراء المسيح المحمدي، المقبل، وهم اثنا عشر وزيرا، أو خليفة، عدد حواريي المسيح الإسرائيلي..
وفكرة غيبة المهدي عند الإثني عشرية ذات جذور في عقائد الفرق الشيعية الغالية البائدة، برغم أن الأثني عشرية يتبرأون من تلك الفرق.. فالفرقة الشيعية السبئية المنسوبة إلى ابن سبأ تقول: إن عليا لم يمت، وإنه يرجع إلى الدنيا قبل يوم القيامة، فيملأ الأرض عدلا، كما ملئت جورا ("تاريخ الشيعة" لحسين علي محفوظ، الكاظمية 1366، صفحة 39).. وقال العلامة الحلي: عبد الله بن سبأ غال ملعون.. ("خلاصة الأقوال"، الجزء الثاني، صفحة 144).. وقد قال ابن سبأ لمن نعى اليه عليا: (كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة، وأقمت على قتله سبعين عدلا، لعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل، ولا يموت حتى يملك الأرض!!) (فرق الشيعة "للنوبختي" ص 22)..
وابن سبأ كان يهوديا من اليمن فأسلم، وذلك في سائر المصادر بلا استثناء..
والفرقة الشيعية الكيسانية، التي تنسب، فيمن تنسب اليهم، إلى مختار الثقفي، الذي حارب قتلة الحسين، حتى قضي عليهم، فالتف حوله الشيعة، فدعا إلى إمامة حمد بن الحنفية، ابن علي بن أبي طالب، بعد مقتل الحسين.. وظهرت عنده فكرة (المهدية)، و(الرجعى)، فقال للناس: (جئتكم من عند "المهدي" محمد بن الحنفية وزيرا أمينا)، وقال: (إن "المهدي" بن "الوصي" بعثني اليكم أمينا ووزيرا) – (ابن الأثير، الجزء الرابع، صفحة 69 وصفحة 70) ودانت هذه الفرقة بإمامة محمد بن الحنفية، وزعموا أنه المهدي الذي يملأ الأرض قسطا، وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، وأنه حي في جبال رضوي، لم يمت، ولا يموت حتى يظهر الحق.. (تاريخ الشيعة، حسين علي محفوظ، صفحة 61).. وهكذا استمدت الإثنا عشرية فكرة غيبة المهدي من تلك الفرق الشيعية الغالية، البائدة..