إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الشيعة

القرآن، والنبي، يمجدان الخلفاء الراشدين:


أما القرآن فيقول: (ثاني اثنين إذ هما في الغار، إذ يقول لصاحبه: لا تحزن، إن الله معنا) فأثبت لأبي بكر فضل الصحبة للنبي، والمعية من الله، معا!! ولقد كان أبو بكر وعمر على رأس أهل بيعة الرضوان الذين قال تعالى عنهم (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله، يد الله فوق أيديهم) وقال (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة، فعلم ما في قلوبهم، فأنزل السكينة عليهم، وأثابهم فتحا قريبا.. )..
أما رضى النبي عن الخلفاء الراشدين بخاصة فالأخبار به متواترة وشائعة.. فالنبي يقول عن أبي بكر: (إنما هي النبوة استبقنا إليها أنا وأبو بكر، سبقته فتبعني، ولو قد سيقني لتبعته)!! ويقول (لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن صاحبكم خليل الرحمن) وقال: (ما لأحد عندنا يد إلاّ وقد كافيناه بها ما خلا أبا بكر، فإن له يدا يكافيه الله بها يوم القيامة) وقال: (ما أحد أعظم عندي يدا من أبي بكر: واساني بنفسه، وماله، وأنكحني ابنته).. وقال: (ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلاّ كانت عنده كبرة، ونظر، وتردد، إلاّ ما كان من أبي بكر، ما عكم عنه حين ذكرته له وما تردد فيه) وقال: (كأني أعطيت عسا مملوءا لبنا فشربت منه حتى امتلأت، فرأيتها تجري في عروقي بين الجلد واللحم، ففضلت منها فضلة فأعطيتها أبا بكر.. قالوا: يا رسول الله، هذا علم أعطاكه الله، حتى امتلأت ففضلت فضلة أعطيتها أبا بكر؟؟ قال رسول الله: قد أصبتم!!)..
أما عمر فهو الذي قال عنه النبي: (لقد كان فيمن كان قبلكم من بني اسرائيل رجال يكلمون – أي يلهمون – من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن من أمتي أحد فعمر!!) وقال: (إن الله كتب الحق على لسان عمر وقلبه) وقال: (إن الشيطان لا يسير في فج فيه عمر).. أما عثمان فهو الملقب بذي النورين، وقد زوجه ابنتيه، حتى توفيتا عنده فقال: (لو كان لنا ثالثة لزوجناك).. ولقد رضي النبي وأثني على الخلفاء الراشدين الأربعة، فقال: (رحم الله أبابكر، زوجني ابنته، وحملني إلى دار الهجرة، وأعتق بلالا من ماله.. رحم الله عمر يقول الحق وإن كان مرّا، تركه الحق وما له صديق.. رحم الله عثمان تستحيه الملائكة.. رحم الله عليا اللهم أدر الحق معه حيث دار) الترمذي..
وكان رسول الله على جبل حراء فتحرك، فقال (اسكن حراء فما عليك إلاّ نبي، أو صديق، أو شهيد).. وكان عليه النبي، وأبوبكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد ابن أبي وقاص (رواه مسلم والترمذي)..

عليٌ يمجد الخلفاء الراشدين:


ونحن نستبعد، استبعادا تاما، ما نسب إلى علي بن أبي طالب في كتاب (نهج البلاغة)، صفحة 26، الجزء الأول طبعة دار الاستقامة في مصر، من القول: (أما والله لقد تقمصها فلان وأنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى، ينحدر مني السيل، ولا يرقى إلى الطير، فسدلت دونها ثوبا، وطويت عنها كشحا، بين أن أصول بيد جذّاء، أو أصبر على طخية عمياء، يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه، فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى، فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجى) انتهى.. والتعريض بأبي بكر، هنا واضح.. ونحن إنما نستبعد صحة نسبة هذا القول إلى علي بن أبي طالب بعد انصرام عهد الشيخين، حيث كان شريكا لهما في المسئولية العامة، وقد بايعهما، وهو الذي لا يعطي الدنية في دينه، وأحسن النصح، لهما وآزرهما، وكان يقضي ويفتي لهما وحارب مع أبي بكر، وقد أقام الحد في حضرة عثمان، وكان قد بايعه، ثم دفع عنه، وقد أخذ غنيمتهم، ووطيء من سبيهم، وزوج ابنته من عمر بن الخطاب، وسمى ثلاثة من أولاده، من غير فاطمة، أبا بكر، وعمر، وعثمان، وكفل محمد بن أبي بكر، ورشحه لولاية مصر.. وأكبر وثيقة تؤكد بطلان ما نسب اليه من رأي سيء في خلافة أبي بكر، وعمر، وعثمان، ما جاء في (نهج البلاغة) نفسه، الجزء الثاني، صفحة 8 من قوله لمعاوية: (إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر، وعمر، وعثمان، على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماما كان ذلك لله رضا.. فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن، أو بدعة، ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه علي اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى) انتهى.. وكتاب (نهج البلاغة) من المصادر الشيعية الأساسية.. فعلي، في هذا الخطاب، إنما يحتج لمعاوية على صحة بيعته بأن من بايعوه هم من بايعوا أبا بكر، وعمر، وعثمان، مما يدل على أنه يرى صحة بيعتهم، حيث أكد أن الشورى للمهاجرين والأنصار وأن من يختارونه صار مرضيا من الله.. فهو يجيز الأساس الذي تتم به البيعة، وهو الشورى، فلم يذكر النص من النبي أساسا لهذه البيعة.. وتلك من أكبر الدلالات على أن عليا قد صحح رأيه الأول في خلافة أبي بكر، فكانت مبايعته لأبي بكر عن قناعة، لا عن استكراه!! وهذا يؤكد، أيضا، صحة الخطبة المنسوبة إليه بعد موقعة الجمل، والتي جاء فيها (أيها الناس: إن رسول الله لم يعهد الينا في هذه الإمارة شيئا حتى رأينا أن الرأي أن نستخلف أبا بكر، فأقام واستقام حتى مضى لسبيله ثم أبا بكر رأى من الرأي أن يستخلف عمرا، فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه، ثم إن أقواما طلبوا الدنيا، فكانت أمور يقضي الله فيها) انتهى.. فإن هذه الرواية أقرب إلى طبيعة شخصية علي، المعروفة بالاستقامة في القصد، والاعتصام بالحق.. وبعد، فإن عليا إنما هو أبعد الناس عن أن يشيع بين المسلمين القدح في أكابر الصحابة بتلك الصورة التي يدعيها له الشيعة والتي إنما تزعزع عقيدة هؤلاء المسلمين في النبي نفسه، وهم لا يفتأون يسمعون عنه حسن الثناء وحسن الرضا عن هؤلاء الأصحاب، ومن ذلك الدعاء لهم، وتبشيرهم بالجنة.. كما أننا نستبعد صحة أي قول لعلي، أو الأئمة آل بيته، في (نهج البلاغة) او غيره من المصادر، فيه قدح في الأصحاب أو نيل منهم وبخاصة أكابرهم، فالأئمة من آل البيت قد ورثوا الأدب، والحكمة، من علي، ومن النبي.. ونحن لا نعني أن هؤلاء الأصحاب منزهزن عن كل زلة، ولكننا نعني أنهم ليسوا بأي حال، كما ذهب الشيعة، في النيل منهم، إلى نسبة الادهان في الدين والائتمار علي وصايا النبي، اليهم.. وأكبر الدلائل، أيضا، على عرفان عليّ بفضل أبي بكر، هو رثاؤه له، عند وفاته، بخطبته التي جاء فيها: (كنت كالجبل الذي لا تحركه العواصف، ولا تزيله القواصف.. كنت كما قال رسول الله ضعيفا في بدنك، قويا في أمر الله، متواضعا في نفسك، عظيما عند الله، جليلا في الأرض، كبيرا عند المؤمنين.. ولم يكن لأحد عندك مطمع، ولا لأحد عندك هوادة، فالقوي عندك ضعيف حتى تأخذ الحق منه، والضعيف عندك قوي حتى تأخذ الحق له.. فلا حرمنا الله أجرك، ولا أضلنا بعدك.. ).. ثم رثا على عمر، عند وفاته، بمثل ذلك.. جاء في (الإمامة والسياسة لابن قتيبة، صفحة 1-2): (عن عبد الله بن عباس قوله في وفاة عمر: وضع عمر رضي الله عنه على سريره، فتكنفه الناس، يدعون، ويصلون، قبل أن يرفع، فلم يرعني إلاّ رجل قد أخذ بمنكبي من روائي، فالتفتُّ، فإذا عليٌّ بن أبي طالب يترحم على عمر، وقال: (والله ما خلفت أحدا أحب إلى أن ألقى الله تعالى بمثل عمله منك يا عمر.. وأيم الله إن كنت لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك، وذاك أني كنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ذهبت، أنا، وأبوبكر، وعمر، وكنت، أنا، وأبوبكر، وعمر، وإن كنت لأظن أن يجعلك الله تعالى معهما.. ) انتهى..
هذا هو ما يليق بعلي، وبوفاء علي، وببر علي.. ولقد روى عليٌّ عن النبي في فضل أبي بكر، وعمر شتى الأحاديث منها: ("بينما أنا جالس مع رسول الله إذ أقبل أبوبكر وعمر فقال: يا علي هذان سيدا كهول أهل الجنة إلاّ ما كان من الأنبياء.. ولا تخبرهما!!") ولقد صح عن علي قوله عنهما: (لقد سبقا والله سبقا بعيدا، واتعبا من بعدهما اتعابا شديدا، فذكرهما حزنٌ للأمة) فعلي من أهل الفضل الذين يعرفون الفضل، لأهل الفضل.. وكل قول منسوب اليه في النيل من الخلفاء، إنما هو مردود النسبة لأنه غمط لفضله هو، وجهل بقدره هو..

تمجيد أئمة آل البيت للخلفاء الراشدين:


وينسب إلى هؤلاء الأئمة أحسن الرأي في هؤلاء الخلفاء.. من ذلك ما جاء في دعاء الإمام علي زين العابدين بن الحسين، في (الصحيفة السجادية)، (الشيعة في الميزان) صفحة 292:-
(اللهم وأصحاب محمد خاصة الذين أحسنوا الصحبة، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره، وكاتفوه، وأسرعوا إلى وفادته، وسابقوا إلى دعوته، واستجابوا له، حيث أسمعهم حجة رسالته، وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته، وانتصروا به.. ومن كانوا منطوين علي محبته، يرجون تجارة لن تبور في مودته، والذين هجرتهم العشائر، إذ تعلقوا بعروته، وانتفت منهم القرابات إذ سكنوا في ظل قرابته، فلا تنس لهم اللهم ما تركوا لك، وفيك، وأرضهم من رضوانك، وبما حاشوا عليك، وكانوا مع رسولك دعاة لك واليك، وأشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم، وخروجهم من سعة المعاش إلى ضيقه، ومن كثّرت في إعزاز دينك من مظلوميهم)..
وروي عن علي زين العابدين أيضا، أنه قد أتاه نفر من أهل العراق، فقالوا في أبي بكر، وعمر، وعثمان، فلما فرغوا قال لهم: (ألا تخبروني، أنتم المهاجرون الأولون الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا، وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون؟؟ قالوا: لا.. قال: فأنتم الذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر اليهم، ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا، ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون؟؟ قالوا: لا.. قال: أما أنتم فقد تبرأتم أن تكونوا من أحد هذين الفريقين.. ثم قال: أشهد أنكم لستم من الذين قال الله عز وجل فيهم: (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا، ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم).. اخرجوا فعل الله بكم) – (مجلة "رسالة الأسلام" – دار التقريب بمصر، العدد الرابع، السنة الثالثة)..
وقال الإمام محمد الباقر، لجابر الجعفي، في غلو أدعياء التشيع إذ يتناولون أبا بكر وعمر بالسوء: (يا جابر بلغني أن قوما بالعراق يزعمون أنهم يحبوننا، ويتناولون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، ويزعمون أني أمرت بذلك، فأبلغهم اني إلى الله منهم بريء، والذي نفس محمد بيده لو وليت لتقربت إلى الله بدمائهم.. لا نالتني شفاعة محمد إن لم أكن استغفر لهما واترحم عليهما.. إن أعداء الله لغافلون عنهما.. ) (حلية الأولياء، الجزء الثالث، الصفحة 137).. أما قول الباقر (لو وليت لتقربت إلى الله بدمائهم) فهو مأخوذ من قول جده عليٍّ (لا يبلغني عن أحد أنه يبغضهما- أي ابا بكر وعمر - إلاّ جلدته حد المفتري).. وقد سئل الباقر عن حلية السيف فقال: لا بأس به فقد حلي أبو بكر الصديق رضي الله عنه سيفه، فقال سائله: وتقول الصديق؟؟ فوثب وثبة، واستقبل القبلة، ثم قال: نعم الصديق!! فمن لم يقل له الصديق فلا صدق الله له قولا في الدنيا، والآخرة.. (حلية الأولياء، الجزء الثالث، صفحة 185).. وسئل زيد بن علي زين العابدين عن أبي بكر وعمر، فقال: غفر الله لهما، ما سمعت أحدا من أهلي تبرأ منهما، وأنا لا أقول فيهما إلاّ خيرا..