الاسلام رسالتان: الرسالة المحمدية (الأولى) والرسالة الأحمدية (الثانية):
(أحمد) هو اسم النبي كنبي، و(محمد) هو اسمه كرسول.. قال تعالى: (واذ قال عيسي بن مريم يا بني اسرائيل إني رسول الله اليكم، مصدقا لما بين يديّ من التوراة، ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد، فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين).. وقد جاء في حديث المعراج، بالرواية السالفة: (فإذا النداء من العلي الأعلى: أدن يا خير البرية، أدن يا أحمد، أدن يا محمد).. فالنداء قد كان له باسم النبوة وباسم الرسالة.. وقد جاء محمد، كما بشر عيسي بن مريم، في مكة، برسالة أحمدية، ونبوة أحمدية، أي أن مستوى رسالته قد كان قريبا من مستوى نبوته، وكانت سنته (شريعته الفردية في خاصة نفسه) شريعة عامة لكل الناس.. فنزل قرآن الرسالة الأحمدية (القرآن المكي)، وهو قرآن الأصول، في مستوى الحرية والمسئولية، فدعا المسلمين إلى الإسماح، وكف أيديهم عن الاكراه (القتال).. بمثل قوله: (وقل الحق من ربكم، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر).. وما جاءهم بهذا المستوى إلاّ ليلزمهم الحجة (لئلا يكون للناس علي الله حجة بعد الرسل)، ذلك بأن الناس يومئذ، لم يكونوا في مستوى الحرية، والمسئولية، وإنما كانوا قصرا يجب في حقهم الإكراه، والوصاية، ولذلك امتنعوا عن الاستجابة للدعوة في هذا المستوى.. فنسخت الرسالة الأحمدية، في معني ما نسخت آيات المسئولية والحرية من القرآن المكي، فكانت الهجرة من مكة إلى المدينة، حيث تنزلت (الرسالة المحمدية) من (الرسالة الأحمدية)، فنزلت آيات الاكراه والوصاية من القرآن المدني، وهو قرآن الفروع، مثل قوله (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين لله، فإن انتهوا فلا عدوان إلاّ على الظالمين)، وبذلك أصبحت ناسخة لآيات المسئولية والحرية، فقامت الشريعة، في سائر أحكامها، علي الوصاية.. ولقد كان إحكام قرآن الفروع، ونسخ قرآن الأصول، تشريعا عاما، في حق إلأمة، يومئذ، بينما ظل عمل النبي الكريم في مستوى شريعته الفردية (سنته) متعلقا بقرآن الأصول، حيث كان هو، وحده، في مستوى المسئولية والحرية.. فبينما جاءهم في مكة برسالة أحمدية، ونبوية أحمدية، جاءهم في المدينة برسالة محمدية، ونبوة أحمدية، وذلك لحكم الوقت المتمثل في قصور البشرية يومئذ عن مستوى الرسالة الأحمدية.. ثم إن للرسالة الأحمدية عودة في مقبل الحياة البشرية، كما بشر النبيُّ الكريم بقوله: (بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبي للغرباء، قالوا: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يحيون سنتي بعد اندثارها!!).. فقد كانت الرسالة الأحمدية، التي بدأت بها الدعوة الإسلامية في مكة غريبة، لأنها كانت فوق مستوى تلك البشرية، ولذلك نسخت، وأحكمت الرسالة المحمدية، وستعود الدعوة الإسلامية في مستوى الرسالة الأحمدية، إلى بشرية اليوم، وستبدو في البدء، غريبة، ثم تستجيب هذه البشرية لها بحكم استعدادها المتمثل في ارتفاعها إلى مستوى المسئولية والحرية.. ودعاة الرسالة الأحمدية هم المعبر عنهم بقوله (الذين يحيون سنتي بعد اندثارها).. وسنته هي مستوى نبوته الأحمدية حيث تجيء رسالته الأحمدية قريبا من مستوى نبوته الأحمدية.. فالإسلام رسالتان: الرسالة الأولى هي الرسالة المحمدية، متعلقها القرآن المدني، وهي التي طبقتها الأمة الماضية حيث وقع عليها التفصيل، تشريعا، وتفسيرا.. والرسالة الثانية هي الرسالة الأحمدية التي لم يتفق لها التطبيق إلاّ من النبي الكريم، في سنته الخاصة به، وسيقع عليها التفصيل، بالتشريع، في مقبل الحياة البشرية، حيث تصير شريعة عامة لكل الناس، حسب الطاقة بها، والحاجة اليها..