الإمامة ليست في مقام النبوة:
لعمر الحق!! إن الإمامة (أو الخلافة) مقام جليل.. وهو إنما استمد جلاله من الأصل الأصيل في الدين للاستخلاف من حيث هو، وفي قمته استخلاف الذات الألهية للحقيقة المحمدية علي تسيير الخلائق وفق مرضاتها.. فالنبي خليفة الله في الأرض، وهو أكبر الأنبياء (الخلفاء)، وآخرهم، وذلك من لدن أول نبي (خليفة)، وهو آدم: (إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة).. وستكتمل الخلافة في الأرض للمسيح المحمدي – محقق الحقيقة المحمدية – حيث هو خليفة الولاية.. وخليفة المسيح المحمدي هو المهدي – كما سنرى.. وأبوبكر هو خليفة محمد كرسول، وعلي هو خليفة محمد كنبي.. ومن ههنا استمدت الخلافة – خلافة الرسالة وخلافة النبوة – جلالها، على أن يعرف قدرها من قدر النبوة.. فهي ليست في مقام النبوة كما ذهب الشيعة الإثنا عشرية بقولهم، مما ذكرناه آنفا: (الإمامة منصب إلهي كالنبوة، فكما أن الله سبحانه وتعالى يختار من يشاء من عباده للنبوة والرسالة.. فكذلك يختار للإمامة من يشاء، ويأمر نبيه بالنص عليه، وأن ينصبه إماما للناس من بعده للقيام بالوظائف التي كان علي النبي أن يقوم بها) انتهى.. ذلك بأن النبي مصطفى من الله تعالى، بينما الإمام (الخليفة) مصطفى من النبي (والاصطفاء الإلهي حاصل باصطفاء النبي إياه).. والإمام (الخليفة) إنما هو أحد أتباع النبي، يتعهده النبي، في حياته الأرضية، بالتربية، وبالتعليم فيعده للخلافة إعدادا.. ومقامه ليس (القيام بالوظائف التي كان علي النبي أن يقوم بها)، وإنما هو يخلف النبي، في بعض شأنه، بحسب حكم الوقت، حيث تنثلم القمة التي كان عليها البعث النبوي، بانتقال النبي، وحيث ينقطع الوحي، فترفع عصمة النبوة.. وإذا كان هناك نص على الخليفة فهو لا يبلغ مبلغ النص علي النبي – فالنص علي النبي من الله، والنص علي الخليفة من النبي.. والنص علي الخليفة، إذا كان هناك نص، لا يعتبر نصا إلهيا إلاّ في معنى ما أن النبي يوحى اليه الوحي الألهي (وما ينطق عن الهوى، إن هو إلاّ وحي يوحى).. إنه لحق أن النبي قد أشار بالخلافة إلى علي، ولكنها خلافة النبوة، وذلك كما أشار بخلافة الرسالة إلى أبي بكر، وهناك فرق بين الخلافتين، كما أسلفنا.. وسنتناول، فيما يلي، مقام الحقيقية المحمدية، الذي بتحقيقه تجيء الرسالة الأحمدية، لنفرغ إلى التمييز بين عهد الرسالة المحمدية الماضي، وعهد الرسالة الأحمدية المقبل، وإلى العمل الروحي للنبي، ولعلي، ولآل بيته، وللصوفية، فيما بين العهدين تمهيدا للعهد المقبل..
