إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

هذا.. أو الطوفان

النيّل يسخّر الدين لحماية نميري!!


بل هم ابتعدوا بالحرابة عن طبيعتها (قطع الطريق) لتكون محاربة إمامهم محاربة لله ورسوله!! (فكل من يدير أو يشارك في إدارة أو يساعد بأي صورة من الصوّر في إدارة شبكة منظمة ومخططة لارتكاب أي جريمة) تعاقب عليها القوانين السودانية يعتبر محاربا!! ويحدّثنا النيّل ابو قرون زعيم الثالوث وأرضاهم عن نفسه، فيقول: (القاعدة الأولى عند المسلم أنّ الله يؤتي الملك من يشاء ويصطفي من يشاء)!! .. إذن فأفهموا يا أهل السودان!! إن كنتم مسلمين!! إن الله قد أعطى ملكه لنميري واصطفاه لذلك!! ويواصل أبو قرون فيقول: (والبيعة تعني السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية وقد يكره المرء المسلم من أميره شيئا أو أشياء فهل يعني ذلك الوقوف في المعارضة أو الدعوة لتنظيم ضده؟ وتهويل وتقبيح ذلك الشيء والاجتهاد في نشره؟ وهل من الدين في شيء إظهار معارضة الحاكم المسلم لمجرّد سياسة ينهجها للدولة أو تدابير يراها في الحكم بمنظار الراعي الحاكم؟ لا مصلحة للأمة قطعا.. وليس ذلك من الدين في شيء.. اللّهم الاّ أن يأمر الحاكم بمعصية أو يرى منه كفرا بواحا)!! ويواصل أبو قرون فيقول: (أما تولية الحاكم للولاة فلا تعطى أحدا حقا في القدح في الحاكم أو التشكيك فيه وهو الذي حكّم فيهم شرع الله حتى لو وليّ عليهم في الأقاليم من يرونه فاجرا)!! ويلخص أبو قرون أمره فيقول: (أخلص ممّا سبق إلى أن للحاكم أن يختار من شاء من الولاة بحكم كبر مسئوليته وعموم نظرته للأمور ولا حق لأحد في الاعتراض على الاختيار ولو كان الوالي المختار فاجرا كما أنه ليس لأحد حق الخروج على أميره ما لم ير كفرا بواحا أو يؤمر بترك الصلاة في جماعة)!! – الصحافة 3/3/1985. أرأيتم كيف أطلق الثالوث يد الطاغية وباسم الإسلام – فهو لا تجوز معارضته الاّ إذا كفر كفرا بواحا أو أمر بترك الصلاة في جماعة، أمّا فيما دون ذلك فله أن يفعل في شئون الدولة وفي شئون الناس ومقدرات البلاد ما يشاء كما له أن يوّلي علينا الفجّار!! .. صدق رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقد أخبرنا بأنه: (سيكون بعدي سلاطين الفتن على أبوابهم كمبارك الأبل لا يعطون لأحد شيئا الاّ أخذوا من دينه مثله).. رواه الطبراني والحاكم... وأين قول أبي قرون من حديث النبي الكريم: (سيكون بعدي أمراء من صدّقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه وليس يورد على الحوض) رواه النسائي والترمذي وألم يسمع أبو قرون هذا بحديث (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) وألم يسمع بقولة أبي بكر العظيم (وليّت عليكم ولست بأخيركم فأطيعوني ما أطعت الله فيكم فاذا عصيته فلا طاعة لي عليكم) وألم يسمع اعلان الإمام عمر المتكرّر (إن رأيتم فيّ اعوجاجا فقوّموني)!!

معارضة نميري محاربة لله ورسوله:
المعارضة السياسية في نظر نميري وسادنه أبي قرون


ولنعد لأبي قرون لنعرف من زعيم ثالوث المشرّعين عقوبة المعارضة.. يقول أبو قرون: (فالمعارضة السياسية هي في حكم الشرع البغي وهي من أفظع الجرائم في الإسلام لأنها تدخل في جرائم الحرابة) إلى أن يقول: (ان المعارضة منهي عنها بنص قطعي في الكتاب العزيز في قوله تعالى "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ") الصحافة 29/3/1985.
ولأن هناك من يتعالم ويطالب بإلغاء القوانين المقيدة للحريات وإبقاء قوانين سبتمبر نوّضح الآتي:- جاء في شرح المادة 105: (شرح رقم واحد: النقد الموّجه للحكومة أو التعبير عن عدم الموافقة على عمل من أعمالها أو سياستها لا يعد جريمة بموجب هذه المادة إذا كان بحسن نية وبأسلوب معتدل) فالمادة 105 والتي كان الاستعمار يخجل من تطبيقها لا تقيّد الحريات كما تقيدها قوانين سبتمبر القمعية، يضاف الى ذلك قانون أصول الأحكام القضائية الذي يرجع بنا إلى صور الفقه المتخلّفة وإلى تخلف الدعاة والقضاة السلفيين الذي جربنا نماذج منه ممّا ينذر بتصفية كل مكتسباتنا العصرية وحقوقنا المدنية حتى التي حصلنا عليها في زمن الاستعمار! فهذا القانون يعطي القاضي حق الحكم باجتهاده هو ان لم نقل بمزاجه فيكون مشرّعا وقاضيا كما يعطيه حق الحكم بأي نص شرعي كما يراه ولو لم يقنّن وهذا يهدر مبدأ الشرعية الذي يقضي بأن يعرف الناس ما هو جريمة وعقوبته ليتجنبوه (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) كما أن قانون أصول الأحكام القضائية يفتح الباب لجرائم وعقوبات وقيود على الحرية لم ترد في القانون ولكنها تعشعش في أذهان السلفيين وقد جرّبنا منهم ذلك في تطبيقهم حكم الردة على الرأي المخالف، هذا ونحن ثلاث وسبعين فرقة كلها هالكة الاّ واحدة ويكفي أن الأخوان المسلمين هنا هم فرقتان وتكفّر إحداهما الأخرى. أرأيتم أي اعتداء على الحرية بل على الحياة نفسها بل على أمن البلد تدّخره لنا قوانين سبتمبر. وإذا كان المسلمون قد بدأوا تقييد حرية الرأي ومعاقبة الرأي المخالف بحكم الردة فيما بين فرقهم فان حكم الردة انما هو فرع من أحكام قتال المشركين وقتال الكتابيين ما لم (يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) فمتى يخطو المسلمون الخطوة التالية التي تمكنهم منها قوانين سبتمبر!! كما أن قانون أصول الأحكام القضائية لا يعصمنا من مفاجآته وفجواته الاّ في المسائل الجنائية ذلك لأن من يسموّن "علماء السودان" وقد أصبحوا بحكم زخم الثورة يتحدثون عن القوانين المقيدة للحريات يمكنهم أن يكسبوا بقانون أصول الأحكام القضائية حكما بفتواهم الشهيرة التي تعارض إعطاء المرأة حق الترشيح وحق الانتخاب كما يمكنهم أن يعترضوا على ولاية الكتابيين على المسلمين وعلى دخولهم في الجيش العقائدي حيث الأغلبية المسلمة!
وكانت قوانين سبتمبر على زيفها وقسوتها قد اختار لها الإمام قضاءاً خاصا تابعا للقصر وللثالوث. ووجدوا قضاة رضوا بأن يجلسوا لمحاكمة المواطنين محاكمة ايجازية بعد أن حُرموا من حقهم الدستوري في الاستعانة بمحام كما حُرموا من حقهم القانوني في الاستئناف لجهة أعلى محايدة وقد أُخذوا بالتجسس وقُبلت في حقهم البينات التي يتحصلون عليها بالطرق غير المشروعة فلم تبق أمامهم الاّ الإدانة والجلد والتشهير بكل أجهزة الإعلام! التشهير حتى بالأعراض!!
وكل ذلك هو الذي جعلنا كنّا، ولا نزال، نطالب بإلغاء قوانين سبتمبر ونعتبر واضعيها ومنفذيها والمبايعين عليها هم السدنة الحقيقيون، وهم المجرمون الحقيقيون في حق الشعب وفي حق الإسلام. وأصل منطلقنا في هذا الموقف هو المنطلق الديني حتى نبرئ الشريعة من وصمة وزيف وجور قوانين سبتمبر وحتى ننظّف الأرضية من شجرة الشوك التي غرسها النميري وسماها البعض شجرة عنب ونعتوه لأجلها مجددا للدين، لتصبح الأرض صالحة للحوار الموضوعي بين التصوّرات الإسلامية المختلفة، فنحن في مرحلة الثورة الفكرية والثورة الثقافية والتربية الفردية التي لا يمكن أن يطبق الإسلام على العصر حقيقة الاّ بعدها، وكل محاولة قبل ذلك إنّما هي تشويه للإسلام وإدخال له في التجارب الفاشلة..