إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

مهزلة محكمة الردة مكيدة سياسية

وقصور قضاة الأحوال الشخصية:


أما قصور قضاة الأحوال الشخصية فإنه امتداد طبيعي لقصور قانون الأحوال الشخصية ونتاج لفظة وجفاف (الفقه) .. فهم ضحايا تعليم خاطيء وضحايا فهم متخلف وشعور متبلد وخيال متحجر مما لازم الفقه وأخرجه من الشريعة والدين وأفقده تماماً الصلاحية لحياة الإنسان المعاصر.
ان تجاربنا مع قضاة الأحوال الشخصية عديدة ومتنوعة وقد سقنا منها الكثير في بعض كتبنا ومنشوراتنا وهي تجارب لم ينضب معينها بعد وهي في كل يوم انما تؤكد إن هؤلاء (القضاة) يقفون عقبة امام تقدم المجتمع بما يمثلونه من إحباط لتقدم المرأة بل أنهم ليشكلون أداة لوأد طاقتها ولكبت وإخماد تطلعها ..
إن كتبنا (خروج الفقه عن الشريعة والدين) و (صفوا قضاة دوائر الأحوال الشخصية) و (وقائع قضية بورتسودان) هذه الكتب تفيض بالأمثلة والنماذج لتخلف هؤلاء (القضاة) .. ولكن يكفي هنا أن نشير إلى مثل واحد مما سقناه في تلك الكتب .. فمثلاً فإن رئيس مجلس الإفتاء صديق عبد الحي عضو المحكمة العليا تحدث عام 1967 عن الرق كعنصر من عناصر التعامل التي يمكن أن تكون موجودة في المجتمع اليوم فقد أفتى هذا الشيخ أحد السائلين عن كفارة الحنث باليمين فقال له عليك أما أن تصوم ثلاثة أيام وأما ان تعتق رقبة!!
أرأيتم إلى اي حد يبلغ قصور الخيال وضعف الإحساس عند هؤلاء الشيوخ؟ فهو يريد أن ينقل صورة من القرون الماضية البعيدة إلى المجتمع في أخريات القرن العشرين ومن غير ان يدرك استحالة وجود هذه (الرقبة) التي تعتق كفارة لليمين! بل من غير أن يعرف مدى الحساسية والانطباع السيء الذي يخلفه مجرد ذكر هذا الأمر في المجتمع السوداني.
ولكن هل تحسبون ان قضاة الأحوال الشخصية يتغيرون أو يتطورون؟ كلا!! فإن القصور والجهل بالحياة والقانون هما أمران ملازمان لهم .. وآخر الأمثلة التي نسوقها هو عن قاضي أحوال شخصية درجة أولى .. فقد طلب منه الشهادة أمام محكمة الجنايات بالأبيض ، في قضية جنائية .. فهاكم ما جرى منه وتعليقنا عليه:-
(قدم المتهم الجيلي زين العابدين للمحاكمة أمام محكمة جنايات الأبيض متهماً مع آخرين متهماً بمخالفة المادة 439 من قانون عقوبات السودان وذلك لأنه هدد الأخ الجمهوري الأمين احمد نور بالقتل بتاريخ 27/10/1979 وذلك عندما قال المتهم المذكور مرتين للأمين أحمد نور (انت عايز تكون الله وأكد له قوله سوف نقتلكم حتة حتة) كما جاء في حكم محكمة الأبيض).
وقد استجلب المتهم الجيلي زين العابدين شاهد دفاع وهو صديق محمد عبد الله القاضي الشرعي بالأبيض وقد جاءت أقوال هذا الشاهد على النحو التالي:
(( شاهد الدفاع الخامس
- صديق محمد عبد الله
- سوداني
- يسكن حي الموظفين
- قاضي المحكمة الشرعية بالأبيض
- 49 سنة
حلف وقال:
(أنا لا أعرف شيء عن القضية نفسها – توجد اشياء يطلق عليها علماء الشريعة الإسلامية ... ما علم من الدين بالضرورة يعني ان الكافة يشتركون في أنها هي الحق الذي لا مراء فيه ولا شك ان المتهم السابع انطلق من قاعدة صحيحة فيما ذكر ان جميع الناس الذين لا يدينون بدين الإسلام لا يسع أحدهم ان يدعي أنه هو الله وايضاً ان المتهم انطلق من نقطة أخري تحتمها عليه عقيدته وهي القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وان الذي ينطلق من هذا المنطق ينطلق من دافع الاصلاح والأخذ بيد الغير أن يحيد عن الطريق السوي وليس له دافع شخصي أو عدائي ومن هذا المنطلق قال كلمة حق لو تخلف عن القول بها لأثم .. وسئل بين يدي الله عز وجل في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون وعليه فإن كانت تلك القولة هي كل محتويات الدعوى فإن المتهم بريء مما أتهم به بل يجب على المحكمة أن تسجل له صوت شكر لأنه تجرأ وقال الحق ..) انتهي ..
وبتاريخ 24/10/1981 أدانت محكمة جنايات الأبيض المتهم الجيلي زين العابدين تحت المادة 439 من قانون العقوبات (التهديد بالقتل) كما أدانت بقية المتهمين تحت المواد 439 و 435 ز 127 – أ من نفس القانون.
وقد علقت محكمة الجنايات في حكمها وفي الفقرات الخاصة بأسباب إدانة المتهم الجيلي زين العابدين على أقوال شاهد دفاعه القاضي الشرعي صديق محمد عبد الله بقولها (وما ذهب اليه المتهم المذكور من دفع باستشهاده وما ورد في القرآن الكريم فقد سبق وأن جاء في هذا القرار أننا نطبق قانون العقوبات في هذه الحالات.)