إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

القضاة الشرعيون
أكبر عقبة أمام عودة الدين

ليس هناك قضاة شرعيون


القضاة الشرعيون، أو من كانوا يسمون كذلك، ليسوا بقضاة شرعيين بأى حال من الأحوال.. فهم بطبيعة تعليمهم، وتفكيرهم، وميراثهم يمثلون أبلغ صور إنحطاط الفكر الديني، المتمثلة فى إبتعاد الناس عن معين الشريعة الصافي الى متاهات الفقه.. فالشريعة هى الإسلام فى بساطته، والفقه هو قول، فى الدين بالرأى بَعُد بالناس عن روح الدين وجوهره، وأضلّ الناس فى متاهات جدلية، لا خير فيها، ومكّن من تحريف الشريعة وتطويعها، وتسخيرها لخدمة مطامع وأهواء الحكام والملوك والأمراء، ولإستغلال السذّج والبسطاء..
والقضاة الشرعيون، أو من كانوا يسمون كذلك ليسوا بقضاة شرعيين لأن المحاكم التى يجلسون عليها للقضاء ليست محاكم شرعية، وإنما هى، فى حقيقة أمرها، محاكم (ملّية) أنشأها الإستعمار البريطانى لتحكم أهل الملّة المغلوبة بشريعة دينها فى الأحوال الشخصية فقط لأن قاهرها يحكمها بشريعته هو فى جميع أمورها الحيوية.. ولقد سَمّى الإستعمار هذه المحاكم "المحاكم الشرعية" ليخدع الشعب عن واقع أمره، وليوهمه أن شريعته ما زالت محكمة فيه.. ذلك لأنه قد علم شدّة حرص الشعب السوداني على الدين، وعلى الشريعة الإسلامية.. وقد جازت خدعة الإستعمار على الشعب، وهى لا تزال تجوز.. ولقد أعان الإستعمار على خديعة الشعب أشياخ جهلة أسماهم قضاة شرعيين وهم يعلمون أنهم ليسوا بشرعيين، ولا يحكمون بالشريعة.. فإن الشريعة لا يمكن أن يقيمها رجال رضوا بأن يؤمنوا ببعض الكتاب ويكفروا ببعضه، ولا يقيمها رجال رضوا بأن يشرف الإستعمار على تنفيذ أحكامهم، ومن ثمّ الرقابة عليهم.
والقضاة الشرعيون، أو من كانوا يسمون كذلك، ليسوا بقضاة شرعيين لأن العهد الحاضر قد جرّدهم من هذا الإسم وأسماهم قضاة دوائر الأحوال الشخصية.. وهو بالطبع إسم أكثر تواضعا، وأقلّ قدسية، وهو بسبيل من تصفية ما كان يُسمّى بالمحاكم الشرعية، تلك التصفية التى كنا أول من دعا اليها ومنذ أمد بعيد.. ولكن هل تمت تصفية المحاكم الشرعية فعلا؟ لا، ولكنها ستتم يوم تجرّد هذه المحاكم من القضاء فى أمور الناس، وفى الأحوال الشخصية بالذات، لأنها ألصق بالأفراد وبالأسر وبالمجتمع من جميع القضايا.. ولذلك فقد رفعنا، ومنذ عام 1968م، الشعار الذى يقول: "الأحوال الشخصية أعز على الشعب من أن يؤتمن عليها القضاة الشرعيون" وكذلك رفعنا الشعار الذى يقول: "لا تأتمنوا القضاة الشرعيين على أحوالكم الشخصية.."