رجال الدين في السودان أذيال للاستعمار
ولقد ظل “رجال الدين”، عندنا، أذيالا للاستعمار على طول المدي.. فبينما كان الوطنيون من “الأفندية” يقاومونه، ويسجنون ويطردون، رضي “رجال الدين “التمسح بأعتاب الانجليز، وتسابقوا في التخضع والخنوع لهم، والتزييّ لهم بكساوي الشرف التي منحها لهم الاستعمار تقديرا لخدماتهم الجليلة لحكومة صاحبة الجلالة – وما علموا أنها خيانة للشعب، ووصمة بعدم الشرف – وغازيتة الحكومة السودانية زاخرة بأسماء القضاة الشرعيين الذين منحوا هذه الكساوي.
1- وعلى سبيل المثال راجع ما ورد في غازيتة الحكومة السودانية العدد 798 بتاريخ 15/1/1949.. والعدد 838 بتاريخ 15/1/52.. وبقية الاعداد في العهد الاستعماري. تقول مقدمة الغازيتة: (قد تعطف حضرة صاحب المعالي الحاكم العام فأنعم بالكساوي الدينية وكساوي وحزامات الشرف على العلماء والمشايخ والأعيان الآتي ذكرهم بعد، وذلك اعترافا بخدماتهم الجليلة للحكومة)
ولقد ورد في هذه الاعداد من الغازيتة وغيرها الأسماء التالية من رجال الدين الذين أنعم عليهم بكساوي الشرف:-
1- الشيخ محمد الجزولي
2- الشيخ عوض الله صالح
3- الشيخ عبد الماجد أبوقصيصة
4- الشيخ توفيق أحمد الصديق.
2- وكان من تسخير (رجال الدين) للدين، وتطويعه لخدمة مصالح المستعمر، ان أفتي الشيخ أبو شامة عبد المحمود قاضي قضاة السودان – كبير القضاة الشرعيين في عام 1941 مستبيحا حرمة الشريعة، ومحرفا الكلم عن مواضعه، أفتي بافطار الجنود السودانيين المحاربين مع الاستعمار البريطاني في شهر رمضان، لأنهم، في رأيه، مجاهدون في سبيل الله! تقول الفتوي:
(وجهت الحكومة استفتاء لحضرة صاحب الفضيلة مفتي الديار السودانية عن افطار المحاربين والمتصلين بهم عمليا في شهر رمضان، فأصدر فضيلته الفتوي التالية، قال بعد الديباجة: "وتريدون معرفة نصوص الشريعة الاسلامية في مثل هذه الأحوال، فأفيدكم بأنه يجوز الافطار والحال كما ذكر بالسؤال")! انتهي..
انها سقطة موبقة، وترد سحيق، أي خذلان للدين وتخذيل للشعب تورط فيه هؤلاء، وأي هلكة ساقوها لأنفسهم!!
3- ولقد كانوا حربا سافرة على الوطنيين، وطابورا خامسا للاستعمار.. ارتكبوا الخيانة العظمي لقضية الشعب وأساءوا الي حرمة الدين.. منهم قضاة يحكمون بالفقه في الطلاق والزواج والميراث وما تعلق بها سماهم الاستعمار قضاة شرعيين، وسمي كبيرهم باسم فضفاض هو قاضي قضاة السودان، وذلك ليوهم شعبنا، المحب للدين، ان دينه قائم، وان شريعته تطبق. فرضيّ هؤلاء الشيوخ أن يكونوا أداة للتضليل، وأداة لاستغلال الدين.. رضوا أن يحكموا في محاكم ملية أنشأها الحاكم الاستعماري غير المسلم، لا تطبق الاّ جزء من الشريعة الاسلامية، ولا تنفذ أمرا لا يقره الحاكم العام، ولقد شدد الله النكير على أمثال هؤلاء القضاة فقال تعالي: (.. أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض؟ فما جزاء من يفعل ذلك منكم الاّ خزي في الحياة الدنيا، ويوم القيامة يردون الي أشد العذاب، وما الله بغافل عما تعملون)..
ولقد أمتدت مناهضتهم وحربهم للمناضلين الي المساجد بعد أن صارت منبرا لمناهضة الاستعمار والدعوة للجهاد. فكان الأستاذ محمود محمد طه، أشجع من أعتلي تلك المساجد وأصلب من واجه الاستعمار بالنضال، وواجهه الاستعمار بالسجن، فلم تلن له قناة ولم يوهن.. ولقد ألقي الأستاذ محمود محمد طه خطبة بجامع ام درمان سنة 1945. وقد كانت حثا على الجهاد ومناهضة الظلم والاستعمار. ومما جاء فيها: (وهذه هي حالتنا نحن المسلمين اليوم فقد ذهبت هيبتنا في كل مكان وهنّا على أعدائنا أشد الهوان ان ظننا ان الاسلام هو مجرد الصلاة والصيام فأكتفينا بمجرد الركوع والسجود وإطالة السبحة أو التطويل في السجدة، وبمجرد الجوع والعطش وخيل لنا هوسنا أنه يمكننا أن نجمع في قلوبنا بين حب الدنيا على أية حال وبين ما جاء به محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وأنه يمكننا أن نجمع في قلوبنا بين الجبن وبين ما جاء به محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وذلك هو الضلال البعيد)
كما جاء في خطبة الأستاذ يوم الجمعة بجامع رفاعة في سبتمبر 1946 والتي كانت في الحث على الجهاد ودفع الظلم ومناهضة الاستعمار جاء فيها قوله (ليس هذا وقت العبادة في الخلاوي، والزوايا، أيها الناس، وإنما هو وقت الجهاد.. فمن قصّر عن الجهاد، وهو قادر عليه، ألبسه الله ثوب الذل، وغضب عليه، ولعنه.
أيها الناس: من رأى منكم المظلوم فلم ينصفه، فلن ينصفه الله من عدو. ومن رأى منكم الذليل فلم ينصره، فلن ينصره الله على عدو. ألا إن منظر الظلم شنيع، ألا إن منظر الظلم فظيع.. فمن رأى مظلوما لا ينتصف من ظالمه، ومن رأى ذليلا لا ينتصر على مذلّه، فلم تتحرك فيه نخوة الاسلام، وشهامة الاسلام الى النصرة، والمدافعة، فليس له من الإيمان ولاقلامة ظفر) انتهي.
ونقترح على القارئ أن يلاحظ رسالة المسجد عند الجمهوريين ورسالته عند القضاة الشرعيين والسلفيين وأن يقارن بين العبارات التي أوردها المفتي في منع الحديث في المساجد. (اتصل بعلمنا أن بعض الخطباء والواعظين في المساجد خلطوا في خطبهم، بين الدين والسياسة، وهذا لا يصح في المساجد التي أنشئت لعبادة الله تعالي) وبين عبارات الأستاذ محمود محمد طه "إن ظننا أن الإسلام هو مجرد الصلاة والصيام.. الخ" "وليس هذا وقت العبادة في الخلاوي والزوايا أيها الناس وإنما هو وقت الجهاد.."
وفي هذا الجو من المعارضة للاستعمار وجهت الحكومة القضاة الشرعيين لايقاف الحديث في السياسة في المساجد، فأصدر نائب قاضي القضاة، أحمد الطاهر بيانا يشدد فيه على منع الحديث في السياسة في المساجد في 16/6/1946 – "المرجع: نشرات وتعليمات المحاكم الشرعية" يقول فيه:
"اتصل بعلمنا أن بعض الخطباء والواعظين في المساجد خلطوا في خطبهم بين الدين والسياسة، وهذا لا يصح في المساجد التي أنشئت لعبادة الله تعالي.
"نصت الفقرة 11 من المنشور الشرعي نمرة 32 على أن للقاضي الشرعي حق الاشراف العام على المساجد، وإقامة الشعائر الدينية فيه.. الخ، لذلك نلفت نظر حضرات القضاة الشرعيين إلي تنفيذ ما جاء بهذه الفقرة بجميع المساجد، سواء كانت عامة أو خاصة.. كل في دائرة اختصاصه والله الموفق لما فيه خير المسلمين وسعادتهم
امضاء أحمد الطاهر
نائب قاضي قضاة السودان"
هذه هي مواقفهم مع الاستعمار التي أبعدتهم عن عزة الأحرار، وكرامة الرجال، والغيرة على دين الله. وهي نماذج تكفي على سبيل المثال، لا الحصر، ولقد أخرج الله الانجليز بالأفندية، ومنع المخادعين بالدين المشاركة في شرف النضال وأحق عليهم التخاذل والخيانة لدينهم، ولوطنهم.