إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

خروج الفقه عن الديـن

وفي أخريات الأيام أسرف الفقه وانحرف الفقهاء


جاء في كتاب ((طريق محمد)) للأستاذ محمود محمد طه: (وأما ما كان من أصحاب الدنيا - أصحاب معاوية - الذين بدأ عهدهم بانتصار معاوية، وهزيمة علي، فإنهم أخذوا ينظمون دنياهم وفق الشريعة الإسلامية، حتى إذا اتسعت وزاد إقبالهم عليها وتشعبت حاجاتهم فيها، نشأ الفقه الإسلامي، وأخذ يستنبط ويقيس ويجتهد، حتى أسرف على الناس في أخريات الأيام، وبعد بهم عن المعين، واهتم بالقشور، وفرَّط في اللب، فأصبح صورا تحكي الدين، بلا دين.. وجاء الفقهاء الذين يعيشون للدنيا ويأكلونها باسم الدين)) انتهى.. كتاب "طريق محمد" الطبعة الأولى

هل الفقه بعد بالناس عن الشريعة، وحجبهم عنها؟!!!


والاتجاه للرأي، في بداياته، كان يقابل بالتحرج، والتشدد، والاستنكار، كما كان محكوما بالاجتهاد فيما ليس فيه نص.. وكان واقعيا يتقيد بالحوادث التي حدثت فعلا فيفتي فيها.. وكان الأئمة المجتهدون يتحلون بالعلم، والورع، وأمانة الثقافة، والمسئولية الدينية.. ولكن، فيما بعد، حرف اسم "الفقه" الذي هو المعرفة بالله، وبأسرار، وحقائق الدين، وأصبح اسم الفقه يطلق على تلك التفريعات، والتخريجات، وتوسع الفقه، فأصبح نظريا، مشتطا في نظريته.. اذ أخذ يفترض ما لم يكن.. ودخل الاجتهاد، حتى فيما فيه نص.. بل جاءت اجتهادات تعارض النصوص، وتعارض روح الشريعة، وطبيعتها، وهدفها.. وخلف من بعد الأئمة المجتهدين، الأوائل، خلف كانوا بالفقه، وبالقياس، يطوعون الشريعة لهوى الأمراء، والحكام، فأسرف الفقه على نفسه، وعلى الناس، وأصبحنا كلما توغلنا في الفقه، كلما أبعدنا عن الشريعة، وعن حكمتها، ووضوحها، وبساطتها.. وكثرت الافتراضات، وتعددت الشروح، والمتون، والحواشي، حتى شكلت اكواما من الأخلاط، والآراء، تحول بيننا وبين الشريعة، وتحجبنا عنها.. ولج التعصب بالمتذهبين فأصبحوا يؤولون النصوص، ويطوعونها لتوافق مذاهب أساتذتهم، ((فأصبحنا نرى من يؤول الآيات لتوافق مذهب فلان، ومن يخرجها عن بيانها الواضح، وغرضها المسوقة له، لكيلا تصلح لمذهب فلان.. وبهذا أصبح القرآن تابعا، بعد ان كان متبوعا، ومحكوما عليه، بعد أن كان حاكما!!))..
وكما وردت الكلمة الجامعة فقد ((بعد بهم عن المعين، وأهتم بالقشور، وفرط في اللب، فأصبح صورا تحكى الدين، بلا دين، وجاء الفقهاء الذين يعيشون للدنيا، ويأكلونها بأسم الدين)).. وسنرى مصداق كل ذلك في الصفحات التاليات