البعد عن الشريعة الى متاهات الفقه والآراء
قلنا إن القياس، في بداياته، كان في الاجتهاد فيما ليس فيه نص.. ولكن، في تماديه، أصبح يعامل كأنه هو ((الدين)).. وجاء الاجتهاد فيما فيه نص.. بل جاء الخروج عن النص الى متاهات ليس فيها فكر، ولا يقبلها عقل عاقل.. فقد ورد في كتاب المذاهب الأربعة الجزء الثاني، صفحة 233، وكتاب الميزان الكبرى للشعرانى، صفحة 65، تفاصيل المذاهب حول مبحث بيع ((الطير في الهواء))، وبيع ((النحل في الهواء))، وبيع ((السمك داخل بحره)).. وبعد بحث طويل، وسير في هذه المتاهات، تخلص المذاهب الى عدم اقرار مثل هذا البيع: ((لا يجوز بيع السمك في البحر، لعدم القدرة على تسليمه، خلافا لما قاله عمر بن عبد العزيز وابن أبي ليلى.. فإنهما أجازا بيع الطير في الهواء، والسمك في البركة العظيمة)).. وهكذا يجرى مثل هذا المبحث، ويقرر هذا الرأي.. مع أن الشريعة حاسمة في هذا الموضوع: ((حدثنا على بن عبد الله، حدثنا سفيان، قال: الذي حفظناه من عمر بن دينار: أنه سمع طاووسا يقول: سمعت بن عباس رضي الله عنهما يقول: أما الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم فهو الطعام ان لا يباع حتى يقبض.. قال ابن عباس (ولا احسب كل شيء الا مثله!!)).. وحدثنا عبد الله بن سلمة، حدثنا سلمة، حدثنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من ابتاع طعاما فلا يبيعه حتى يستوفيه.. زاد اسماعيل: من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه)) رواه الخمسة الأصول: البخارى، ومسلم، وأبوداؤد، والترمذي، والنسائي..
فهذه هي الشريعة.. وتلك المباحث فقه.. وهكذا يخرج الفقه على الشريعة، بدون مبرر، ليدخل بنا في متاهات لا تمس اليها حاجة، ولا يقبلها عقل، ولا يمكن تطبيقها عمليا..
وأكثر من ذلك!! وأعجب!! فإن (الفقهاء) لم يكتفوا بحجب الناس عن الشريعة بهذه المتاهات، بل انحرفوا عنها ليأكلوا الدنيا بالدين، ويسخروا الشريعة لأهواء الحكام، والناس.. ومن ذلك بعض المتأخرين من مشائخ الأزهر الذين يطلقون الفتاوى بتحليل أخذ الفائدة، زاعمين بأنها ليست ((ربا))، ولم يمنعهم من ذلك ورع، ولا تقليد، للأئمة الأربعة، الذين يحرمون ((الربا))..
