إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الغـرابة فى الدعوة الإسلامية الجديدة

طلاق القوة من العنف


ومن أهمّ النتائج المستغربة التي جاءت بها الدعوة الإسلامية الجديدة نتيجة لها تأثيرها الكبير على مجريات الثورة الاجتماعية الكبرى المرتقبة.. ولها أيضا دور كبير وخطير في تصحيح نظرية الثورة وصراع المتناقضات لدى النظرية الماركسية.. هذه النتيجة، وهي ثمرة لتحقيق "لا إله الاّ الله" ولتجسيدها، تتمثل في طلاق القوة من العنف، ولأول مرة في تاريخ البشرية الطويل العريض، ذلك التاريخ الذي ظلت القوة مقترنة فيه بالعنف، حتى في صور الصراع الملّطفة التي يمثلها الجهاد في سبيل الله في الإسلام...
ومن الإشارات التي دلّلت على بدء طلاق القوة من العنف ثورة اكتوبر 1964م التي اسقط فيها الشعب السوداني، بقوة الجماعة، وبدون عنف، نظاما عسكريا تربّع على دست الحكم لمدة ست سنوات.. وقد دلّلت ثورة اكتوبر على خطأ أساسي في التفكير الماركسي، مما ورد في عبارة من أهم عبارات كارل ماركس، في فلسفته فيما عرف "بالمادية التاريخية"، وتلك العبارة هي قوله: ((العنف والقوة هما الوسيلتان الأساسيتان الوحيدتان لتحقيق أي تغيير أساسي في المجتمع)).. ويقول الأستاذ محمود محمد طه في كتابه "الثورة الثقافية": ((إن ما برهنت عليه ثورة أكتوبر هو أن القوة ضرورية للتغيير، و لكن العنف ليس ضرورياً.. بل أن القوة المستحصدة، التامة تلغي العنف تماماً.. فصاحبها في غنى عن استخدام العنف وخصمها مصروف عن استخدام العنف بما يظهر له من عدم جدواه.. وحين تنفصل القوة عن العنف يُفتح الباب للبشرية لتفهم معنى جديداً من معاني القوة، وتلك هي القوة التي تقوم على وحدة الفكر، ووحدة الشعور، بين الناس، بعد أن لبثت البشرية في طوال الحقب لا تعرف من القوة إلا ما يقوم على قوة الساعد وقوة البأس.. و مفهوم القوة بهذا المعنى الأخير، هو تراث البشرية من عهد الغابة.. عهد الأنياب الزرق، و المخالب الحمر.. وهذا المفهوم هو الذي ضلل كارل ماركس، فأعتقد أن مستقبل البشرية سيكون صورة لامتداد ماضيها، وغاب عنه أن العنف سيفارق القوة، بالضرورة، في مستقبل تطور الإنسان، حين يصبح الحق هو القوة)).. انتهى
وفى موضع آخر من نفس الكتاب يقول الأستاذ محمود محمد طه: ((عند ماركس فإن التوحيد إنما يتم بالصراع بين النقيضين))... ((ولما كانت فكرة الخالق مجحودة عند كارل ماركس فقد تبع ذلك رفض وحدة الوجود.. و من ثم فإن المتناقضين عنده يقومان على اختلاف نوع.. وهذا ما يجعل العنف عنده أصلاً من الأصول.. وهو، بطبيعة الحال، أس الخطأ في تفكير ماركس، مما يجعل الماركسية مرحلية)) ولكن الإسلام ((بفكرة التوحيد، التي تقوم على وحدة الخالق، ووحدة الوجود، والتي تجعل الاختلاف بين المظاهر المتباينة، والمتعددة، إنما هو اختلاف مقدار بين مظهرين من الشيء الواحد، استطاع أن يسقط العنف في أول الأمر، وأن يسعى لتحقيق التسامح و المصالحة، و المحبة في آخر الأمر.. "و الديالكتيك" الذي في اعتبار ماركس، يقع بين المتناقضين، ويجري فيه العنف، هو في الإسلام عند النهايات، حين يكون المتناقضان العبد والرب، إنما يتخذ صور الاعتراف، و الندم على الأخطاء التي وقعت من العبد نحو الرب، وظهر بها العبد قليل الأدب مع ربه.. هذا "الديالكتيك" يجري عن طريق الاستغفار، ولا مكانة فيه إذن للعنف..))