إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الإسلام

الإرادة البشرية مادة الدين


والعلم التجريبي الروحي - الدين - مادته الطاقة، أيضا، ولكنها في هذه الحالة ((الإرادة)) البشريـة.. هل هي ((مخيـَّرة)) أم ((مسيَّرة)) كالطاقة المادية؟؟ ونحـن ألفنا، عند التحدث عن الدين، أن نتحدث عن أديان التوحيد، والوثنيات التعدديات، والحقيقة أن البشـر، في جميع عصورهم، لم يعبـدوا غيـر هـذه الإرادة البشـرية، وهذا يفسر لنا السر في أن جميع الأوثان كانت تـنـحت على شكـل الهيـكل البشـري.. وحـتى اليـوم، وفـي أرقـى الأديـان التـوحيـدية، وأعـني به الإسلام، فإن أرقى معتنقيه يعبدون من دون الله إلها آخر، هو (إرادتهم البشرية) ولكنهم لا يفطنون إلى ذلك، ويظنون أنهم يحسنون صنعا.. ويسخرون من باقي عباد الله من أصحاب الملل الأخرى.. فلو أنهم تفطنوا إلى حقيقة أمـرهم إذن لاشتغلوا، عن الزراية على الآخرين، بتحصيل ما فاتهم، هم..
إن العالِم الطبيعي الكبير، أينشتين، يقف عاجزا، حائرا، على عتبة معضلة الجبـر، والاختيار، ويقول، فيما يحدثنا الدكتور أحمد زكي: ((إن ديني هو إعجابي، في تواضع، بتلك الروح السامية التي لا حد لها، تلك التي تتراءى في التفاصيل الصغيرة، القليلة، التي تستطيع إدراكها عقولنا الضعيفة، العاجزة، وهو إيماني العاطفي، العميق، بوجود قدرة عاقلة، مهيمنة، تتراءى حيثما نظرنا، في هذا الكون المعجز للأفهام.. إن هـذا الإيمان يؤلف عندي معنى الله)) ونحـن، بعلمنا التجريبي الروحـي، نبدأ من حيث انتهى هذا العالِم الجليل بعلمه التجريبي المادي، ومع إنه واضح أن أينشتين قد قرر الجبر، وذلك بقوله: ((وهو إيماني العاطفي، العميق، بوجود قدرة عاقلة، مهيمنة، تتراءى حيثما نظرنا، في هذا الكون المعجز للأفهام))، إلا أنـه واضـح أيضا أنـه يتـسـاءل تسـاؤلا صامتا: ما هي هـذه القدرة العاقلة المهيمنة؟؟ وما مدى هيمنتها؟؟ ونعتـقـد أن الإجابة على هذين السؤالين هي الإجابة على مسألة الجبر والاختيار، وبها تُرد مظاهر الأخلاق البشرية إلى أصل واحد، كما رُدت من قبل مظاهر الكون المادي إلى أصل واحد..
قلنا إن العلم التجريبي المادي، والعلم التجريبي الروحي توأمان، ولدا في يوم واحد ودرجا في مراقي الحياة معا، على تواد حينا وعلى تدابر حينا، ولكن على تعاون في جميع الأحيان.. ومادة العلم التجريبي المادي الكون المادي، وإن كانت الإرادة البشرية تتدخل فيه، ووسيلته المعادلات الرياضية، ومعدات التجارب في المعامل، ومادة العلم التجريبي الروحي الكون المادي، والإرادة البشرية معا، ووسيلته القرآن، ومعدات العبادة، في الخلوات، والجلوات، وأنتم ترون، من هنا، أن الدين الذي أعنيه في صدر حديثي هو الإسلام.. وأحب أن أعترف أني بدأت عن تصديق، لأني ولدت من أبوين مسلمين، ولكن التصديق لم يبلغ بي درجة التعصب والعمى، فيلتوي بنتائج تجربتي وإنما استطعت، بتوفيق الله، أن أسير مفتوح العينين، إلى النتائج التي رسّخت تصديقي البدائي، وانتقلت بي إلى اليقين..