إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الإسلام

وسائل العلم التجريبي الروحي


ولا بد من كلمة قصيرة عن وسائل التجربة الدينية، وأولها وأولاها، القرآن، ونحن نسمع الناس يقولون إن القرآن كلام الله، فما معنى هذا؟؟ إن الله ليس كأحدنا، وليس كلامه ككلامنا، بأصوات تنسل من الحناجر، فتقرع الآذان.. إن كلام الله خلق.. فالشمس تطلع، فترسل الضوء، والحرارة، فتبخر الحرارة الماء، وتثير الرياح، وتحرك الهواء، وتحمل الرياح بخار الماء، في سحب كثيفة، إلى بلد بعيد، فينزل المطر، فيروي الأرض، ويحييها بعد موتها، فينبت الزرع، وتدب الحياة، بمختلف صورها، وشكولها.. هذه صورة موجزة، قاصرة، مفككة الحلقات، لكلام الله.. فالقرآن صورة هذا الكلام، أو قل هذا العلم، مفرّغ في قوالب التعبير العربية.. ويظن كثير من كبار العلماء أن القرآن هو اللغة العربية، وذلك خطأ شنيع.. وهو خطأ جعلهم يلتمسون معاني القرآن في اللغة العربية، فانحجبوا بالكلمات، وهم يظنون أنهم على شيء.. واللغة أساسا، نشأت بدوافـع الحاجة اليومية، في الحياة الجسدية، فهي، مهما تطورت، فإنها تعجز، كل العجز، عن تحمل معنى كلام الله وهي، على خير حالاتها، لا تقوم منه إلا مقام الرمز، والإشارة.. والقرآن لا يدع لنا مجالا للشك طويلا، فهـو يقـول ((ألم * ذلك الكتاب لا ريب فيه، هدى للمتقين)) والإشارة هنا ((بـذلك)) إلى ((الم))..
ثم تجئ الوسيلة الثانية، وهي تحقيـق ((لا إله إلا الله محمد رسول الله)) وتحقيقـها يبـدأ بالثقـة بمحمد، وبتصديقه التام، وبتقليـده المتـقـن، في أسلوب عبادتـه، وفيما تيـسر من أسلـوب عادته، ويشمل تقليده كل ما صح عنه، بعد بعثه، وقبله، أثناء تحنّثه في غار حراء، ولست أريد أن أطيل هنا، فإن الإيجاز في ذلك يكفي، على الأقل في هـذه العجالة، وقـد أعود في وقـت آخـر، ومجال آخر، للإفاضة في القول..
قلت إن مادة العلم التجريبي الروحي الكون المادي، والإرادة البشرية.. والحق أن عناية العلم الروحي بالكون المادي، في جميع صوره، هي في مرتبة الوسيلة، في حين أن عنايته بالإرادة البشرية في مرتبة الغاية، ولذلك يقول القرآن ((سنريهم آياتنا في الآفاق، وفي أنفسهم، حتى يتبين لهـم أنـه الحق، أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد؟)) وفي العلم الديني إن الإرادة البشرية هي صورة مصغرة للكون المادي، المنظور منه، وغيـر المنظـور.. فنحن كلما كونا لأفكارنا صورة صحيحة عن الكون المادي، كلما انبعثت، بمقابل هذه الصورة الكونية، صورة تضارعها، في الصحة والدقة، عن حقيقة إرادتنا، أو قل شخصيتنا الفردية، ولذلك فإن القرآن يقـول ((قـل انظـروا ماذا في السمـوات والأرض)) بنفس الصيغة التي يقـول لنا بها ((وأقم الصلاة))..