إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

تجديد الدعوة
إلى طريق محمد

خاتمة الخاتمة
وخلاصة الخلاصة


إن هذا الكتاب يجدد الدعوة إلى طريق محمد، ويعممها، ويجعلها، بحكم الوقت الذي يصدر فيه ملزمة لمن بلغت، إلزاما لا يجد معه منصرفا، ولا مندوحة.. وهذه الدعوة التي تجدد اليوم تأسست بصورة عامة، منذ ثلاثين عاما، وتأسست بصورة خاصة، منذ عام 1965 حين صدر كتابنا "طريق محمد".

طريق محمد مجهول


جاء في الحديث: (قولي شريعة، وعملي طريقة، وحالي حقيقة).. ولقد نعرف أن بعض قرائنا يميل إلى تضعيف هذا الحديث، وإن كان هو من الأحاديث النبوية التي أسس عليها سائر الصوفية أقوالهم وعندنا أن صحة هذا الحديث لا تحتاج إلى دليل.. فهناك، بداهة، فرق بين الحال، والعمل، والمقال، عند كل إنسان.. وفرق ما بينهما يوضحه، أحسن توضيح، الكلمات الواردة في الحديث: "الشريعة" و"الطريقة" و"الحقيقة".. فهناك "قول" النبي، وهناك "عمله".. قوله هو الشريعة، وعمله هو الطريقة، والناس يخلطون بين الشريعة والطريقة.. أو قل: بين الشريعة والسنة.. ولذلك قلنا إن طريق محمد مجهول، فالناس يحسبون من طريق محمد ما هو شريعة، مما يقتضي بعض التبيين

الفرق بين الشريعة والسنة


قال الأستاذ محمود محمد طه، في مقدمة الطبعة الثالثة لكتاب "الرسالة الثانية من الإسلام":
(إن مما ألف الناس أن سنة النبي هي قوله، وإقراره، وعمله.. والحق أن هذا خطأ، فان قول النبي، وإقراره، ليسا سنة، وإنما هما شريعة.. وأما عمله في خاصة نفسه فهو سنة.. نعم هناك من قوله قول يلحق بالسنة، وذلك هو القول الذي ينم عن حال قلبه من المعرفة بالله.. أما أقواله التي أراد بها إلى تعليم الأمة في أمر دينها فهي شريعة، والفرق بين الشريعة، والسنة، هو الفرق بين الرسالة، والنبوة، أو هو الفرق بين مستوى الأمة، من أعلاها إلى أدناها، ومستوى النبي.. وذلك فرق شاسع وبعيد..
السنة هي عمل النبي في خاصة نفسه، والشريعة هي تنزل النبي، من مستوى عمله في خاصة نفسه إلى مستوى أمته، ليعلمهم فيما يطيقون، وليكلفهم فيما يستطيعون.. فالسنة هي نبوته، والشريعة هي رسالته.. وإنما في مضمار رسالته هذه قال: ((نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم..))

وقال الأستاذ محمود محمد طه، أيضا، في كتاب "طريق محمد":
(فهو بالرسالة صاحب شريعة، وهو بالنبوة صاحب طريقة.. أو قل صاحب ((سنة)).. وبين ((شريعته)) و((سنته)) تداخل، ومنهما أرض مشتركة.. ولكننا نعني هنا بالتكليف الذي به زاد النبي عن سائر أمته، في العبادة، وفي السلوك.. ومن ذاك أن كل شريعته ملزمة لأمته ولكن بعض سُنَّته غير ملزمة إلا له هو في خاصة نفسه، لأنها شريعته الخاصة به.. وهي لا تلزم من أمته إلا من التزم بها تطوعا، وسلوكا، واتباعا، وإتقان تقليد، على قاعدة: ((قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله..))

هذا ما قاله الأستاذ محمود، وقد ساق في كتابه "من دقائق حقائق الدين" ثلاثة أمثلة للتدليل على أن السنة غير الشريعة، فقال:
(1) الصلاة المكتوبة هي شريعة، وهي سنة.. والتكليف بها يتوجه إلى الأمة، كما يتوجه إلى النبي، ويزيد تكليف النبي فيتعداها إلى صلاة الليل، فإنها، في حقه، فرض، وفي حق الأمة على الندب.. قال تعالى في حقه: (يا أيها المزمل * قم الليل إلا قليلا * نصفه أو أنقص منه قليلا * أو زد عليه.. ورتل القرآن ترتيلا * إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا * إن ناشئة الليل هي أشد وطأ، وأقوم قيلا * إن لك في النهار سبحاً طويلا).. هي في حقه فرض، لم ينقطع عن أدائه، لا في السفر، ولا في الحضر، لا في الصحة ولا في المرض. وكان إذا فاته يقضيه.. وهي في حق الأمة، على الندب، ومن باب التأسي بالنبي..
2) صيام المواصلة، فإن الصيام المكتوب يتوجه التكليف به إلى الأمة، كما يتوجه إلى النبي.. ولكن تكليف النبي يزيد عن هذا بصيام المواصلة في التطوع.. وهو ما عرف بالصيام (الصمدي) يصوم ثلاثة أيام، وليلتين، في اتصال لا يتخلله إفطار.. ولما أراد بعض الأصحاب أن يتأسى به في ذلك نهاهم.. فقالوا: (إنا نراك تواصل، يا رسول الله!!) فقال: (إني لست كأحدكم، فإني أبيت عند ربي، يطعمني، ويسقيني..)
3) المال، فإن حق المال في الزكاة يقع في مستوى شريعة الأمة، ومستوى شريعة النبي.. والخطاب في الزكاة ذات المقادير المعروفة يتوجه إلى الأمة، ولا يتوجه إلى النبي.. فإن زكاة النبي تتعدى التكليف العادي، الذي توجّب على أمته على قدر طاقتها، إلى تكليفه هو في مستوى طاقته.. فآية الأمة من كتاب الله: (خذ من أموالهم صدقة، تطهرهم، وتزكيهم بها، وصل عليهم.. إن صلاتك سكن لهم.. والله سميع، عليم..) وآية النبي من كتاب الله: (ويسألونك ماذا ينفقون؟؟ قل العفو!!).. (والعفو) قد فسره النبي قول ا، وعملا، بأنه ما زاد عن حاجته الحاضرة.. فإنه لم يكن يدخر رزق اليوم لغد.. ولو ادخره لم يكن قد تزكى.. وقد ورد أنه أقبل، ذات يوم، يؤم أصحابه في الصلاة، فلما رفع يديه، وهمّ بتكبيرة الإحرام، أمسك قبل أن يهوي بهما، وخرج مسرعا إلى الحجرة، فلما عاد ورأى الدهشة على وجوه بعض أصحابه، قال لهم: لعلكم قد راعكم ما فعلت؟ قالوا: نعم، يا رسول الله!! قال: فإني تذكرت أن في بيت آل محمد درهما فخشيت أن ألقى الله وأنا كانز..) وثابت، من غير أدنى ريب، أن النبي لم يزك الزكاة ذات المقادير.. فهي ليست من شريعته، في خاصة نفسه، وإنما هي شريعته لأمته.. فالزكاة ذات المقادير ليست الركن التعبدي المذكور في الحديث النبوي: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، لمن استطاع إليه سبيلا..) وإنما الركن التعبدي بالأصالة هو زكاة النبي.. وقد جعلت الزكاة ذات المقادير ركنا تعبديا، في حق الأمة، وذلك بمحض الفضل الإلهي، لأن الأمة لا تطيق أكثر منه.. وهذا من باب قوله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها..).. ومن باب قول النبي: (نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم..).. فالزكاة ذات المقادير تنزّل من زكاة النبي ـ هي شريعة الرسالة متنزلة من شريعة النبوة..)

تصحيح تعريف العلماء للسنة


هذا ما قاله الأستاذ محمود، ومنه يتضح الفرق الكبير بين الشريعة والسنة.. أما تعريف "العلماء" للسنة بأنها عمل النبي، وقوله، وإقراره، فتعريف يحتاج إلى تصحيح حتى نستطيع تحديد معنى السنة.. وعلى تحديد معنى السنة يقوم العمل على إحياء السنة، وبعث الإسلام، وذلك بمقتضى الحديث: (بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا، كما بدأ.. فطوبى للغرباء!! قالوا: من الغرباء، يا رسول الله؟ قال: الذين يحيون سنتي بعد اندثارها) ونلاحظ أنه قال عن الغرباء: "الذين يحيون سنتي"، ولم يقل: "الذين يحيون شريعتي"، ذلك بأن عودة الإسلام إنما تكون بإحياء السنة، بعد اندثارها، لا بإحياء الشريعة.. ومن ههنا جاءت الغرابة في عودة الإسلام.. فالسنة مجهولة، أو قل، طريق النبي مجهول.. ومن دلائل الجهل به تعريف "العلماء" للسنة بأنها عمل النبي وقوله، وإقراره.. ولتصحيح ذلك لا بد من المعرفة بأن إقرار النبي كله شريعة، وليس بسنة، على الإطلاق.. فإذا أقر أحد أصحابه على فعل شيء ما فإنه إنما يقره على ما هو في وسعه، إذ: "لا يكلف الله نفسا الاّ وسعها"..
وهو، بالتأكيد، فعل دون مستوى وسع النبي الكريم ببعيد جدا.. أما قول النبي فمنه ما هو شريعة، ومنه ما هو سنة.. فالقول المراد به إلى تعليم الأمة، والتشريع لها، فهو شريعة، كحديث المقابر المشهور: "كنت قد نهيتكم عن زيارة المقابر، الا فزوروها".. فإنه قد كان له أن يزور المقابر حينما كان قد نهى أصحابه عن زيارتها.. أما القول الدال على حالة قلبه من المعرفة بربه فهو، على إطلاقه سنة، مثل قوله: "إن الله قد احتجب عن البصائر، كما أحتجب عن الأبصار.. وإن الملأ الأعلى ليطلبونه كما تطلبونه"

دعوتنا إنما هي إلى طريق محمد


طريق محمد، كما أسلفنا القول، مجهول، لأن الناس، بل "العلماء" لا يعرفون الفرق بينه، وبين الشريعة، ولذلك تميزنا، نحن الأخوان الجمهوريين، بالدعوة اليه، من بين سائر الدعاة، في معنى الدعوة إلى بعث الإسلام.. فقد أدركت المسلمين اليوم نذارة المعصوم باندثار السنة.. ومن دلائل ذلك الجهل الشائع بها، وقلة المسلكين، وانعدام السالكين فيها.. كما أدركت المسلمين، في نفس الوقت، بشارته، صلى الله عليه وسلم، بإحياء السنة.. ولقد صدر كتابنا "طريق محمد" ليرسم طريق إحياء السنة.. وعمل الإخوان الجمهوريين، إنما هو كله، كان ولا يزال، أن يُحْيُوا السنة في أنفسهم، حتى يحيوها فيمن حولهم.. فعبادتهم، ومعاملتهم، إنما تقومان على السنة، من غير زيادة أو نقصان، وهم، مع ذلك، وفوق ذلك، منطوون على حب عظيم للنبي الكريم، وهذا الحب هو الذي يكسبهم بركات تقليده، ويوفقهم إلى تجويد تقليده..
ودعوة الإخوان الجمهوريين إلى "طريق محمد" دعوة علمية، لأنها إنما تقوم على معان دقيقة، ومحددة، في عصر يقتضي الدقة العلمية، والتحديد العلمي.. ومن ذلك فهمهم الدقيق، والمحدد، للسُنة، في تمييز لها عن الشريعة..
والحق أن هذا الفهم جديد، كل الجدة، وغريب، كل الغرابة.. لم يألفه الناس، ولم يحدثهم عنه أحد من قبل.. ولذلك أنكره حتى "العلماء".. ونحن نعلم أن تعريفنا للسنة مما يُشْكِلُ فهمه عليهم.. ومن ها هنا الخُلْفُ بيننا وبينهم...
إن سائر الدعاة "الإسلاميين" اليوم، إنما يَدعُون إلى إحياء الشريعة لا السُنّة!! وذلك لزعمهم أن الشريعة صالحة بكل تفاصيلها، لتنظيم حياة القرن العشرين، كما نظمت، من قبل، حياة القرن السابع الميلادي!! وليس هناك من فهم يباعد بين الناس وبعث الإسلام مثل هذا الفهم العقيم.. ذلك بأن السُنّة، لا الشريعة، هي التي يجب أن تكون عمدة البعث الإسلامي..

تطوير التشريع من الشريعة إلى السُنّة


لقد قامت السنة على أصول القرآن، بينما قامت الشريعة على فروعه... وأصول القرآن إنما هي في مستوى المسئولية بينما فروعه في مستوى الوصاية.. فمن أصول القرآن – من السُنّة -: (وقل الحق من ربكم، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر!!).. ومن فروع القرآن – الشريعة – (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين لله!!).. ومن أصول القرآن – السُنّة – آيتا الديمقراطية: (فذّكّر إنما أنت مذّكر* لست عليهم بمسيطر..) ومن فروع القرآن – الشريعة – آية الشورى: (وشاورهم في الأمر، فإذا عزمت فتوكل على الله..).. هذا فيما يخص السياسة، أما فيما يخص الاقتصاد فمن أصول القرآن – السنة – زكاة النبي – ومن فروع القرآن – الشريعة – الزكاة ذات المقادير.. وباستلهام زكاة النبي يكون تطوير تشريع المال من الرأسمالية الملطّفة إلى الاشتراكية – ومن أصول القرآن – السُنّة – المساواة بين الرجال والنساء في فحوى المسئولية الفردية: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف..) ومن فروع القرآن – الشريعة – وصاية الرجال على النساء: (الرجال قوّامون على النساء، بما فضل الله بعضهم على بضع وبما أنفقوا من أموالهم..)
وتطوير التشريع إنما يكون بالانتقال من فروع القرآن إلى أصوله.. من الشريعة إلى السُنّة.. فإنه عندما نسخت أصول القرآن بفروعه، لحكم الوقت في القرن السابع، ظل النبي الكريم يعمل في مستوى الأصول، فكانت محكمة في حقه، منسوخة في حق الأمة.. وتطوير التشريع إنما هو باستلهام ما يطيق المجتمع من السُنّة، لتكون السُنّة، وهي عمل النبي في خاصّة نفسه، تشريعا لعامة الناس.. وهذا ما نعنى بإحياء السُنّة ولقد تهيأت البشرية للانتقال من مستوى الشريعة إلى مستوى السُنّة، وذلك بالحاجة إلى السُنّة، وبالطاقة بها.. فإن العصر هو عصر الديمقراطية، والمسئولية الفردية، لا عصر الوصاية، بالغة ما بلغت من الرشد.. وإنه عصر الاشتراكية، لا عصر الرأسمالية.. وإنه عصر المساواة، بين الرجال والنساء، لا عصر التمييز الجنسي.. هو عصر يتطلع فيه المجتمع إلى العدالة الاجتماعية الشاملة التي تقوم على المساويات الثلاث: المساواة الاقتصادية (الاشتراكية)، والمساواة السياسية (الديمقراطية)، والمساواة الاجتماعية (المساواة بين الرجال والنساء).. كما هو عصر يتطلع فيه الأفراد إلى الحرية الفردية المطلقة.. ومن ثم فإنه، على مستوى التكليف الفردي، في العبادة، والمعاملة، لا تصلح الشريعة، وإنما الصالحة "الطريقة"، أو قل "السُنّة"، للإفضاء بالأفراد من الشريعة الجماعية إلى الشريعة الفردية، عن طريق تجويد تقليد عمدة التقليد.. ففي عصر "الفردية" تكون الغاية من شريعة العبادة، وشريعة المعاملة هي تحقيق "الفرديات" لدى الأفراد. ومن ها هنا تبرز الحاجة إلى الدعوة إلى السُنّة.. إلى "طريق محمد".. وهو أقرب الطرق الموسلة إلى الله، وإلى تحقيق الحرية الفردية المطلقة..

إحياء السُنّة


لقد ورد، في متن هذا الكتاب، على لسان الشيخ محمد الفاتح قريب الله، شيخ الطريقة السمانية بالسودان، في مقابلة الأخوان الجمهوريين معه "أن السنة هي عمل النبي الذي يداوم عليه في الجماعة"!! وهو فهم شائع بين "العلماء".. وقد جرّهم، إلى القول بأنّ السٌنّة هي صلاة العيدين، وصلاة الوتر، مثلا!!
فإذا كان المسلمون، اليوم، قد أدركتهم نذارة المعصوم: "يوشك أن تداعى عليكم الأمم كتداعي الأكلة على القصعة!! قالوا: أومن قلة نحن، يومئذ، يا رسول الله؟؟ قال: بل أنتم، يومئذ، كثير، ولكنكم غثاء، كغثاء السيل، لا يبالي الله بكم.." – إذا كانت قد أدركت المسلمين هذه النذارة، كما أدركتهم النذارة باندثار السُنّة بينهم، وصارت الحاجة إلى إحياء السنة حاجة ملحة، أشد الإلحاح، فإن إحياء السنة التي بها عودة الإسلام لا يمكن أن تكون بإحياء صلاة العيدين، أو صلاة الوتر، مثلا، فإنهما مقامتان لم تندثرا، ونحن نشهد ساحات الصلاة تعج بالمصلين في العيدين.. والمسلمون، برغم ذلك، ليسوا على شيء.. هم غثاء كغثاء السيل، لا يبالي الله بهم.. هذا الأمر يستوجب إنعام النظر في أسباب الانحطاط الذي آلو إليه!!
إن الأسباب جماعها اندثار السُنّة، ومن أظهر مظاهر هذا الاندثار الجهل بها، كما قد أسلفنا القول..

الدعوة إلى عودة الطرق
الى طريق محمد


قال الأستاذ محمود في كتاب "طريق محمد": (إن التصوف الإسلامي، في حقيقته، هو تقليد السيرة النبوية.. فالنبي، في خاصة عمله، قبل البعث، وبعد البعث، هو عمدة الصوفية، وإن كان اسم الصوفية لم يظهر إلا مؤخرا. فالصوفية، في حقيقة نشأتهم هم أنصار السنة المحمدية، ولقد ازدهر التصوف في القرون السبعة التي تلي القرن الثالث، وكانت قمته في القرنين السادس والسابع، ثم لحق التصوف من التبديل، والتغيير، والضعف ما لحقه، مما نراه الآن، وهو، على ما هو عليه، من هذا الضعف، وهذا الانحراف عما كان عليه السلف، أقرب إلى الدين، من كثير من المظاهر الكاذبة، التي تدَّعي الدين وتعيش باسمه..) وقال الأستاذ محمود في ذلك الكتاب: (لقد خدمت الطرق الصوفية غرضا جليلا، في نشر الدين الحق، ولقد ربت رجالا أفذاذا، كانوا منارات هدى، ومثابات رشد للأمة، عبر تاريخها الطويل، في ارتفاعه وانخفاضه، عندهم التمست دينها وخلقها وتربيتها.. ولكن اليوم!! فإن تحديات العصر أكبر من الطرق وأكبر من المشايخ، وليس لها غير محمد.
ونحن ندعو جميع أصحاب الطرق إلى العودة إلى طريقة الطرق - طريقة محمد - إذ بتقليد محمد تتوحد الأمة ويتجدد الدين..).. وقال أيضا في ذلك الكتاب: (إن على مشايخ الطرق منذ اليوم، أن يخرجوا أنفسهم من بين الناس ومحمد، وأن يكون عملهم إرشاد الناس إلى حياة محمد بالعمل وبالقول..) هذا ما قاله الأستاذ محمود وهو يدعو المسلمين عامة، ومشايخ الطرق خاصة، إلى "طريق محمد"..

الطرق الصوفية والسنّة


بالتحاق النبي الكريم بالرفيق الأعلى انثلمت قمة العهد الإسلامي الأول حتى عبّر أحد الأصحاب عن ذلك بقوله: "ما كدنا ننفض أيدينا عن تراب قبر رسول الله حتى أنكرنا قلوبنا!!"، ثم سار الخط البياني لحال المسلمين في هبوط حتى جاءت الفتنة الكبرى، وآل الأمر إلى طلاب الدنيا، فأخذ أمر الدنيا يعلو على أمر الدين، ثم بَعُد العهد بالنبي الكريم، وبسيرته، حتى غدا غيبا من الغيوب، فجاء مؤسسو الطرق الصوفية، في عهد التدهور الديني، فعملوا، ما وسعهم الوسع، لتجسيد الشمائل النبوية، وسعوا، سعيا دؤوبا، لترشيد الناس، وتربيتهم، وتسليكهم.. وفي ذلك الجو الذي انتشر فيه الجهل بالسنة لعدم توفر آثارها المكتوبة، ولجهل الناس بالقراءة، وبالكتابة، أُذن لمؤسسي الطرق الصوفية ليكونوا نوابا عن النبي في الإرشاد، وفي التسليك، حتى لقد اقترنت أسماؤهم بالشهادة، فصرنا نسمع، مثلا: "لا إله الاّ الله، محمد رسول الله، عبد القادر الجيلاني ولىّ الله".. فكانت تلك نشأة الطرق الصوفية..
ولقد بدأت بعض المفارقات للسُنّة منذ ذلك الوقت.. وهي مفارقات اقتضاها حكم الوقت يومئذ.. فقد كان غرض المشايخ أن يعموا وقت المريدين الذين يدخلونهم الخلاوي حتى لا يتوزع بالهم، ولا يتشوش خاطرهم، ففرضوا عليهم من إحصاء الأوراد ما أوجب اتخاذ السُبَح المعروفة.. وكذلك ظهرت السبح لتعديد، وتوريد، تلك الأوراد.. ثم تداعى الأمر إلى المبالغات في العبادة، من أعداد كبيرة للأوراد، ومن قيام الليل كله، ومن صيام التطوع الدائم.. وتعددت، بَعْد اتخاذ السُبَح، المفارقات للسُنّة، تلك المفارقات التي اقتضاها حكم الوقت، حتى لقد ظهرت النوبة، والطارات والطبول، كآلات تعين على تنظيم الذكر، وعلى حصر المريدين، وشدهم إلى الحضرة، أثناء الذكر.. ويعتقد أن هذه المفارقات للسنة بدعة حسنة اتخذت كوسائل لسياسة السالكين.. وهي إنما أبتدعها المشايخ في عهود التخلف الفكري، والتأخر الديني..
ولقد كان "حكم الوقت" المتمثل في غياب العلم بالسنة، وفي قصور الناس عن شأوها، يوجب تلك المفارقات.. بل أن تلك الزيارات، وهي ما سمى بالبدع الحسنة، مثل السبح والطبول، والطارات، هي التي حفظت على الناس دينهم، وأرشدتهم، وخرجت الرجال الأفذاذ منهم..

القرن العشرين عصر السُنّة


ثم إن أمر الطرق الصوفية قد تمادى في المفارقة حتى آل إلى صور شديدة الانحراف عن سلف الصوفية.. فبعد أن لحق التصوف من التبديل والتغيير ما لحقه، تحولت الطرق الصوفية إلى صور من الطائفية، فظهرت، في هذه المرحلة، طبقة المشايخ التي تطمع في دنيا المريدين ولا تملك لهم إرشادا.. ثم جاء القرن العشرين، بكل تحدياته المادية في وجه الأديان جميعا.. وأصبح، إلى ذلك، مجتمعه مجتمعا كوكبيا، لا تحل مشاكله الاّ على النطاق الكوكبي.. ثم إن هذا القرن هو عصر العلم.. وهو لا يرضى الدين الاّ في المرحلة العلمية منه.. وهنا تبرز الضرورة إلى إحياء السنة، حيث يشفع الفكر العقيدة، وحيث يكون الدين علميا يتوجه إلى إقناع أقوى العقول بجدوى ممارسته.. من ههنا جاءت دعوة الأخوان الجمهوريين إلى "طريق محمد"، كمنهج علمي به يقوى الدين على مواجهة التحدي المادي الذي جاء به هذا القرن العشرين..

انغلاق الطرق وانفتاح الطريق النبوي


هذا!!! وإنه لمما يزيد في ضرورة ترشيح "طريق محمد" ان كل الطرق الصوفية قد انغلقت اليوم ولم يعد هناك من طريق موصل إلى الله، وموسل اليه، الاّ "طريق محمد"..
والتزام طريق محمد، في ضبط، وفي تسديد، يقضى بمحاولة وضع القدم على القدم..
وأي إبطاء في الأخذ بهذه الدعوة إنما هو تأخير لعقارب الساعة، وتقديم للمفضول على الفاضل: "أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟؟".. ثم ان كل زيادة على السنّة، على نحو ما فصّل هذا الكتاب، إنما هي دسيسة في نفس السالك تفوح منها رائحة الدعوى بقوة الهمة، ونفاذها، مما يتناقض مع جوهر العبادة، وهو استشعار الضعف، والتماس العون من الله، إياك نعبد، وإياك نستعين". والزيادة على السنّة، في وقت الأخذ بالسنّة، بغير زيادة، هو سوء أدب مع الجناب النبوي الكريم، إذ كأن المتطرق معلن بلسان حاله أن السنّة ناقصة وهو إنما يكمّلها بهذه الزيادات من الأوراد والأذكار التي هي أساس طريقته..
إن اتباع أية طريقة سوى طريقة محمد إنما هو تنكب عن طريقة محمد، من غير أدنى ريب، فإن البشرية قد تهيأت، في جملة أفرادها، لتفهم، وتعي، وتطبق، من السنّة، أكثر مما تهيأت له في أي وقت مضى.. فالأوان هو أوان السنّة حيث تقوى العقول على تمثل الشمائل النبوية، وعلى الترسم الفكري لنهج السنّة، وعلى فهم علمية "طريق محمد"

طريق محمد والمجتمع الكوكبي


إن الطرق الصوفية أصغر من أن تنهض بتحديات العصر، فان الكوكب قد توحّد جغرافيا، أو كاد!! ذلك بفضل الله، ثم بفضل تطور وسائل الاتصال والمواصلات.. وهذه الوحدة الجغرافية لا بدّ أن تشفعها الوحدة الفكرية.. فبغيرها لا يحل السلام في الأرض، ولا يحل الرخاء..
وليس أمام الإنسانية من سبيل إلى وحدتها، وسلامها، ورخائها، الاّ "طريق محمد".. "طريق محمد" هو الطريق، لأنه "طريق المحبة الخصبة الخلاّقة".. والدين "بطريق محمد": "منهاج سلوك به تساس الحياة لترقى الدرجات نحو الحياة الكاملة، حياة الفكر والشعور، فالدعوة "بطريق محمد" إنما تتجه إلى المجتمع الكوكبي بأسره لتقدم السنة كمنهج فردى، لتحقيق الحرية الفردية المطلقة، وكمنهج اجتماعي، لتحقيق العدالة الاجتماعية الشاملة..
والطرق الصوفية دون هذا المستوى ببعيد، فإنك لا يمكن أن تدعو بشرية اليوم، المتفتحة الذكية، الطموحة، لإتباع طريقة صوفية ما!! ولا يمكن أن تقدم طريقة صوفية ما حلا لمشكلات الحياة المعاصرة!! ولذلك قلنا إن تحديات العصر أكبر من الطرق، وأكبر من مشايخ الطرق، وليس لها الاّ محمد صلى الله عليه وسلم..

تجديد الدعوة إلى طريق محمد


الحديث: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منا فهو رد" يقضى بأن الحكمة من وراء ما يسمى "بالبدع الحسنة"، والتي كانت فيما مضى مرضية، بل ومطلوبة، لم تعد قائمة... وليس هناك عذر لدى مشايخ الطرق لأن يظلوا قائمين بين الناس ومحمد، وليس لمريديهم عذر في أن يظلوا يأخذون من هؤلاء المشايخ دينهم.. فإن مستوى شيخ الطريقة، بالغا ما بلغ، إنما هو مبلغ تحقيقه ليقلد النبي الكريم..
والناس، كل الناس، منذ اليوم، مدعوون ليكون إمامهم، وشيخهم، وقدوة تقليدهم محمداً.. هم مدعوون ليأخذوا منه كفاحا، بلا واسطة.. ذلك بأن طاقاتهم لتتسع لتحقيق الكمالات الفردية عن طريق تقليده، والتأسي به..
ونحن بهذه الدعوة لا نبغى مشايخ الطرق الاّ الخير.. فإنهم، وهم ورثة سلف الصوفية، الذين حفظوا على الناس دينهم زمانا، يجب الاّ يكونوا عقبة أمام إحياء السنّة، وعودة الإسلام.. بل إنهم لهم مدعوون ليلحقوا بركب "الغرباء" الذين قال عنهم النبي الكريم: "الذين يحيون سنتي بعد اندثارها"..

التوعية بطريق محمد
للقضاء على الطائفية


إن آفة الآفات عندنا لهى الطائفية، لأنها، إنما تستغل، في هذا الشعب، حبه للدين، وتعلقه بكمالات الدين.. هم يفعلون ذلك في سبيل الدنيا.. والسبيل الوحيد للقضاء المبرم على الطائفية إنما بالتوعية "بطريق محمد"، إذ: "بتقليد محمد تتوحد الأمة" التي فرقتها الطائفية، وضلّلت سعيها، واستغلت دينها لدنياها.. إن اجتماع الأمة على تقليد رجل واحد، هو مكان تجلتها وتعظيمها، لهو سبيل وحدتها الحقيقية.. وتلك هي الوحدة الفكرية التي ظللنا، نحن الجمهوريين، ندعو إليها منذ ثلاثين عاما، لا نألو...

السنّة واحدة


السنّة واحدة.. هي سنّة الله.. ولقد ورد في القرآن ذكرها في مواضع كثيرة.. "استكبارا في الأرض، ومكر السيء، ولا يحيق المكر السيء الاّ بأهله.. فهل ينظرون الاّ سنة الأولين؟؟ فلن تجد لسنة الله تبديلا، ولن تجد لسنّة الله تحويلا.." وقال تعالى: "ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له، سنّة الله في الذين خلّوا من قبل.. وكان أمر الله قدرا مقدورا.." وقال تعالى: "لئن لم ينته المنافقون، والذين في قلوبهم مرض، والمرجفون في المدينة، لنغرّينك بهم، ثم لا يجاورونك فيها الاّ قليلا* ملعونين!! أين ما ثقفوا اخذوا، وقتّلوا تقتيلا* سنّة الله في الذين خلوا من قبل.. ولن تجد لسنّة الله تبديلا.." فالسنّة هنا هي النهج، وهي السمت، وهي الهيئة، وهي الصفة التي يكون عليها الأمر.. وسنة الله الحكمة.. والحكمة هي وضع الأمور في نصابها.. قال تعالى في حق لقمان الحكيم: "ولقد آتينا لقمان الحكمة: غن أشكر لله.. ومن يشكر، فإنما يشكر لنفسه، ومن كفر فإن الله غنى حميد.." فالحكمة هي الشكر لله.. والشكر لله هو استعمال النعمة فيما خلقت له.. فالحكمة هي نهاية العلم ونهاية الرحمة.. هذه هي سنة الله.. وسنة النبي إنما هي مبلغ تخلقه بسنة الله.. فليس للنبي سنة الاّ من ثمّ وهو قد قال: "تخلقوا بأخلاق الله.. إن ربى على سراط مستقيم.." وهذا يسوقنا إلى استطراد بسيط يحتاجه كثير من الناس عندما يتحدثون عن "سنة الخلفاء الراشدين" الواردة في الحديث.. ويجب أن يكون واضحا إن سنّة الخلفاء إنما هي مبلغ تخلّق كل منهم بسنة النبي.. فليس للخلفاء "سنة" الا من ثمّ.. ولقد كانت سنة النبي العلم، والعمل بمقتضى العلم.. كان لا يأتي أمرا ولا يدع أمرا الاّ نتيجة للفكر.. كان ينمى الفكر ويحارب العادة.. ويبدأ الفكر عنده من بساطة بسيطة هي تقديم الفاضل على المفضول – تقديم الميامن على المياسر.. وهذا أمر معلوم عندنا جميعا.. ويمكن القول بأن السنّة هي "الفكر".. وفي الحق أن "الفكر" هو غرض الدين الأصيل وراء كل التكاليف.. حتى إنه ليصح أن يقال إن غرض العبادة إنما هو تحرير الفكر وترويضه وتحييده حتى يقوى على التخلص من أثر الرغبة عليه.. قال تعالى في ذلك: "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نّزّل إليهم.. ولعلهم يتفكرون!!".. وواضح أن الغرض من إرسال الرسول ومن إنزال الذكر عليه ومن تشريع الشرائع من بعد كل ذلك إنما هو أن يتفكر الناس..
قلنا إن سنّة النبي هي مبلغ تخلقه بسنّة الله ولقد اتخذت محاولات هذا التخلّق صورا من العادة.. ولذلك فقد قلنا إن سنة النبي هي عمله في خاصة نفسه تمييزا لها من الشريعة التي هي عمل الأمة في عمومها..
نحن نريد أن نبعث هذه السنّة لتكون عمل الأمة المقبلة بعد أن عجزت عن مستواها الأمة الماضية – الأمة التي تبشر بالقرآن إنما هي أمة الكوكب جميعه – هي أمة المسلمين المقبلة تمييزا لها عن أمة المؤمنين الماضية.. هي أمة الأخوان تمييزا لها عن أمة الأصحاب.. ولقد كان النبي المسلم الوحيد في أمة المؤمنين الماضية، فهو كأنه قد جاءها من المستقبل... من الأمة المسلمة المقبلة.. ولقد اشتاق، وهو بين أصحابه، إلى إخوانه.. إلى الأمة المسلمة المقبلة، فقال: "واشوقاه لإخواني الذين لما يأتوا بعد!! قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: بل أنتم أصحابي.. واشوقاه لإخواني الذين لما يأتوا بعد!! قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: بل أنتم أصحابي.. واشوقاه لإخواني الذين لمّا يأتوا بعد!! قالوا من إخوانك يا رسول الله؟ قال: قوم يجيئون في آخر الزمان، للعامل منهم أجر سبعين منكم!! قالوا: منا، أم منهم؟ قال: بل منكم!! قالوا: لماذا؟ قال: لأنكم تجدون على الخير أعوانا، ولا يجدون على الخير أعوانا." وروح هذا الحديث إنما هي في التفريق بين الأخوان والأصحاب..
ولقد بيّنا في عديد كتبنا الفرق بين إيمان المؤمن من أمة المؤمنين الماضية، وإسلام المسلم من أمة المسلمين المقبلة.. فليراجع في موضعه.. لقد كان النبي، كما أسلفنا القول، المسلم الوحيد في أمة المؤمنين الماضية، وإسلامه يحكيه القرآن الكريم: "قل إن صلاتي، ونسكي، ومحياي، ومماتي، لله رب العالمين * لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا أول المسلمين..".. فهو طليعة أمة المسلمين المقبلة.. هو أول المسلمين.. لأن عبادته، وحياته، ومماته لله رب العالمين، هو راض بالله، لا اعتراض عنده عليه.. وما بلغ ذاك أحد من المؤمنين.. فالإسلام هو الاستسلام الراضي بالإرادة الإلهية في السر والعلن، في المتقلب والمثوى.. ولذلك كانت دعوتنا إلى إحياء السنة، لا إلى بعث الشريعة.. لأن بإحياء السنة يكون مجيء أمة المسلمين المقبلة التي كان النبي الكريم طليعتها.. سنة النبي هي التي بإتباعها يكون استخراج أخوان النبي من البشرية الحاضرة..
ونحن لا ندعو إلى بعث الشريعة، لأنها إنما كانت شريعة الأصحاب، لا سنة النبي.. كانت شريعة أمة المؤمنين، والأمة المقبلة، هي أمة المسلمين، لا أمة المؤمنين.. ولذلك فليس لها من سنة الاّ سنة المسلم الأول، النبي، عليه أفضل الصلاة، وأتم، وأكمل التسليم..

السنّة هي الفكر


هذا، وهذا العصر هو عصر "العلم" هو عصر الكشوف "العلمية"، والاختراعات "العلمية"، والتخطيط "العلمي"، والحذق "العلمي"، والنظرة "العلمية".. ولقد تحقق في مضمار "العالم المادي" العديد، الفائق من الإنجازات.. ولقد جاء دور "العلم الروحي" ليلقّح "العلم المادي" فيتم التزاوج بين شطري الكيان الواحد – بين المادة والروح – أو قل بين الدنيا والآخرة، فإن "الدنيا مطية الآخرة" كما قال المعصوم..
وأمة المسلمين المقبلة إنما تدخل المرحلة العلمية من الدين، بعد أن تجاوزت البشرية المرحلة العقيدية من الدين..
ولقد قلنا إن السنّة هي "الفكر"، وأنها إنما تتجه إلى إيقاظ الفكر وتحريره وترويضه وتحييده.. ولذلك كانت دعوتنا إلى طريق محمد، وإلى السنّة، في عصر "الفكر" و"العلم"...
والطرق الصوفية تقصّر، قصورا بيّنا عن الوفاء بحاجة البشرية، وعن النهوض إلى مستوى طاقتها.. فإن ممارسات الطرق الصوفية في العبادة، كترديد الأسماء على السبح، إنما كانت بديلا عن الفكر، في غياب الالتزام بالسنّة، التي قلنا إنها الفكر.. كانت ممارسات الطرق الصوفية في العبادة محاولة لسد الفراغ الفكري في نفس السالك..
ولقد آن أوان السنّة، في عصر "الفكر" و"العلم".. ولذلك قلنا إن الطرق الصوفية دون تحديات العصر الزاخر بالحيوية، المحتشد بالحركة، المتفتح، المفكّر، المتعشق للفكر...
ولذلك دعونا مشايخ الطرق للاستجابة إلى الدعوة إلى السنة التي تدعو الناس، عامة، وندعوهم هم، خاصة، إليها.. وفي استجابتهم إلى هذه الدعوة استجابة منهم لأصل الدين ولروح العصر..
لقد انغلقت الطرق الصوفية، لأن الأوان أوان السنّة، فلم يبق الاّ الطريق الواسل الموّصل إلى الله في أقرب مسافة وأقلّ جهد..
النبي أولى بالإتباع من مشايخ الطرق "قل إن كنتم تحبون الله، فأتبعوني يحببكم الله" وعلى الله قصد السبيل