لقد أثبتت هذه الأحداث أن الشعب السوداني شعب أصيل، شجاع، كريم .. يجود بالنفس في سبيل العزة، والشرف ولا ينقصه غير القائد الذي يفجر كوامن أصالته، ويحرك حسه الوطني .. فاذا وجد قائدا، في مستواه، فان المعجزات تجري على يديه، والبطولات تسعى اليه خاطبة وده.. حقا كما قال الأستاذ محمود في تحقيق معه في جريدة الأخبار، فيما بعد، ((الشعب السوداني شعب عملاق يتصدره أقزام))

معالم على طريق تطور الفكرة الجمهورية - الكتاب الاول

menu search
الدين والتنمية الاجتماعية
جامعة امدرمان الإسلامية

٦ اكتوبر ١٩٧٤

الجزء الثاني

الأستاذ محمود: بسـم الله الرحمن الرحيم.. نبدأ حديثنا في هذه الليلة المباركة، من هذا المعقل المبارك، لنتحدث عن "الدين والتنمية الإجتماعية".. وأبادر فأشكر الإبن عوض الكريم، رئيس هذه الجلسة، على ترحابه بي، وبزملائي، في هذه الزيارة إلى الجامعة الإسلامية.. وحديثنا في موضوع في غاية الأهمية، موضوع الدين، وموضوع المجتمع.. وأهمية الموضوع بتنشأ من أنه موضوع يتناول الأصول، والفروع، في مسارة البشرية الطويلة نحو هدفها المقدور لها..
التنمية، في الوقت الحاضر، هي المظهر العلمي للتخطيط، والتطبيق، في تنفيذ كل المناشط البشرية التي تقدم الفرد البشري، وتقدم المجتمع البشري.. ونحن، في الوقت الحاضر، نعيش في عصر العلم.. أكبر سمة لعصرنا الحاضر هو أنه عصر العلم.. والعلم، بما قفز في السنوات الأخيرة، أصبح يواجه الدين، من حيث هو دين، بصورة من التحدي شديدة.. بعض الناس يعتقد أنه التحدي الذي يواجه به العلم الدين، أو المفارقة بين المفاهيم الدينية والمفاهيم العلمية، أنها جفوة مفتعلة.. ولكن الأمر في هذه المفارقة التي هي مظهر للتحدي الذي يواجه به العلم الدين ليست أمراً وهميا، وانما هي أمر يقتضى الكثير من التفكير، والكثير من الدقة في الفهم، والدقة في العبارة، حتى تصبح المسألة، مسألة متساوقة، ومتداخلة، ومتسقة.. فكر الرجل الديني، وفكر الرجل العملي، ليتسق، و يتخلص من التناقض، يجب أن يأخذ حظ كبير من الجدية، ومن الفهم، ومن الدقة في العبارة، ومن ترك التعميمات التي يمكن أن تسوقنا إلى طريق مقفول..
التنمية معناها الزيادة.. التنمية الإجتماعية معناها زيادة المجتمع البشري، أو العنصر البشري أو، يمكنك أن تقول، بتعبير معمم، زيادة الثروة البشرية، زيادتها في الكم، و تحسينها في الكيف.. التنمية الإجتماعية معناها تطبيق العلم، بكل صوره، في تيسير حياة الإنسان على هذا الكوكب، وإبراز القوى الكبيرة المودعة في بنيته.. تحسين المجتمع، وتحسين الفرد، دا الغرض من التنمية الإجتماعية.. يمكن بالتنمية الإجتماعية أن نعبر عن كل مناشط العلوم في عمل تحسين حياة الإنسان على هذا الكوكب.. علم الإجتماع هو البتشير ليهو عبارتنا "بتطبيق العلم".. فعلم الإجتماع مسيطر على العلوم الأخرى كلها..
يمكن للإنسان أن يقول علم الإجتماع يعني بالإنسان في هذا الكوكب، في معيشته الحاضرة.. الإنسان!! من أين جاء؟؟ وإلى أين هو سائر؟؟ ما ماضيه؟ وما حاضره؟ وما مستقبله؟؟ العلم، علم الإجتماع، بالصورة دي، بيستوعب كل العلوم.. وأساساً بيرتكز ويهتم، بعلم الإقتصاد، لأنه الإنسان حيوان إقتصادي.. الإنسان عنده حاسة جمع القوت، وتدبير القوت، وتوفيره، لأنه عاش، في الزمن الطويل، عبر النكد والكدر والجوع والضنا، فأصبح في خوف شديد من مستقبله دائماً.. وأكبر الخوف البننطوي نحن جميعاً عليهو هو الخوف من مصدر الرزق بكره، من مصدر الرزق في المستقبل. و كل الحيوانات بطيبعة الحال حيوانات إقتصادية، تختلف في مدى إهتمامها بالإقتصاد ومدى مقدرتها على تدبير الاقتصاد.. أعلى مثل لي الحيوان الإقتصادي يمكن يكون النملة والنحلة.. الإنسان في بابه هو حيوان إقتصادي، لكن الإنسان لا يسير بطريق النملة والنحلة، وإنما هو يسير بطريق داخل فيهو فكره، داخلة فيه القوى الكبيرة المودعة فيهو، التي تجعل القوت وسيلته لحياة فيها حرية، فيها كرامة، فيها عقل وعلم، وفيها متعة كثيرة، ومتساوقة بإستمرار، ومتسعة بإستمرار.. حين تكون النملة والنحلة حشرات إقتصاديات تدبر القوت لتأكل لتعيش بدوافع من غريزة الإحتفاظ بالحياة، الإنسان يدبر القوت ليعيش ليحقق بمعيشته معاني لا تخطر على بال جميع مستويات الأحياء على الكوكب، وإنما هي قيم إنسانية.. التنمية الإجتماعية تقوم على تنمية المجتمع في أفراده، وتقوم على تحسين نوع الأفراد.. وعظم الظهر في مسألة التنمية الإجتماعية هي التنمية الإقتصادية.. والتنمية الإقتصادية تخطيط، و تنفيذ.. تخطيط وفق علم، وتنفيذ وفق هذا العلم، ليصبح الإنسان عايش في وفرة.. وفي الوقت الحاضر، بطبيعة الحال، نحن عندنا النظم الإشتراكية، والنظم الرأسمالية.. يمكن الإنسان أن يقول إنو التخطيط ظاهرة من ظواهر النظم الإشتراكية.. النظم الرأسمالية ماخدة بسبيلها من التخطيط، لكن كأنما اتسربت إليها من النظام الإشتراكي..