إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search
ندوات الخواطر

المهدية - اكتوبر - ديسمبر ١٩٧١

الخواطر - الندوة السادسة - ٩ ديسمبر١٩٧١

بسم الله الرحمن الرحيم..
تنتظم هذه الجلسة، ندوة الاسبوع، الخميس التاسع من ديسمبر عام ٧١ الساعة السابعة بمدينة المهدية.. الندوة مواصلة لعدد من الندوات التي عُقدت في مسألة الخواطر.. وآخر ندوة كانت الخميس الماضي، تأدى بينا النقاش الى الحديث عن الكبت في مرحلة ارادة الحياة.. يعني الحي مجرد من بدأ حياته بدأ نوع من التعارض بين رغبته وبين واقعه.. الحي في اي مستوى من الحياة عنده طاقة وعنده رغبة وعنده شهوة، اصطدمت بالواقع، انكسرت.. كأنه مندفع لينفذ ما في رغبته، واقعه عارضه، فتكسرت رغبته راجعة ليهو.. دي تمثل الكبت البدائي الاولاني البسيط.. والعوامل فيه الخوف.. اصطدام الرغبة بالواقع.. والحياة مشت بالصورة دي والحيوان اترقى بالخوف.. والخوف من فعل العناصر الطبيعية في البيئة البيعيش فيها.. ولولا الخوف ما كانت برزت الخصائص البيها اترقى الحيوان، والمرحلة دي من بداية الحياة من حيوان الخلية الواحدة الي ان جاءت الحيوانات العليا.. المرحلة دي سميت ارادة الحياة، ودي مقدمة طبيعية للتسامي اللي تُوّج في الماضي بظهور البشر.. ظهور البشر جاء بقيمة جديدة سميت ارادة الحرية، اللي هي زيادة عن ارادة الحياة.. دخل الذكاء البشري اللي بيعتبر القيم.. الحيوان مسترسل في تحصيل شهوته، واعتبار الزمن - اعتبار المستقبل - ضعيف عنده.. عندما جاء الانسان ودخلت القيم في وجوده أصبح قد يترك رغبته الحاضرة، لذته الحاضرة، طمعا في لذة آجلة في المستقبل.. وجاء في صورة بسيطة ما يُعرف بالحياة الاخرى، ثم اتطور بيه الزمن لغاية ما اصبحت الاديان مركزة عليه بصورة ومفصلة ليه تفصيل كبير.. في مرحلة ارادة الحرية، كونه الانسان يكبت رغبته الحاضرة ابتغاء اللذة الاجلة، او حتى خوفا من غضب المجتمع وتطبيق قانون المجتمع عليه، او خوفا من غضب الالهة، بصورة من الصور وقع الكبت الارادي.. ودي ما دخلت بيها القوانين في تنظيم المجتمع.. مسألة الحرام والحلال.. وقيل في ندوة الخميس الماضي انه ندوتنا المقبلة، اللي هي هذه الندوة، تخصص لمنطقة الكبت الارادي.. بعد ان مرينا بالكبت اللا إرادي، مرحلة ارادة الحياة، نتحدث الان عن الكبت الارادي في مرحلة ارادة الحرية.. الندوة الان مفتوحة للمداولة.
(.....) سمعتوا سؤال الشيخ "عبد الرحيم الهِدي"، قال الكبت تقصدوا بيه شنو؟
(.....) تتكلموا عنه شنو تقصدوا بيه؟ “عماد” يقول الكبت هو السيطرة والمنع او الكبح.. و”عبد اللطيف” يقول الكظم او الإخفاء او الكتم.. ودي معانيها زي بعض.. “عماد” و”عبد اللطيف”.. وهي تمشي الى ان الانسان في نفسه حاجة، لكن لعوامل خارجة عنه، يكتم ما في نفسه.. يعني عايز يشرب الخمرة، دي رغبته، بعدين عارف انه شرب الخمرة حرام، يكبت رغبته في صدره من خوف الله.. او عارف انه الحرام ده في شرب الخمرة عليه حد، عليه جلد، يكبت رغبته في صدره وما ينفذها، خوف الجلد.. في اعتبارات خارجية تخلي الانسان ينقسم على نفسه.. رغبته الداخلية ما يديها فرصة لتتنفس.. فده سمي الكبت.. ده سمي الكبت.. كأنه بعقله الواعي بيدرك المسائل حسب وقعها على المجتمع في مستوى قانونه او مستوى عرفه.. او ما يعتبروه الناس عيب.. بعقله الواعي يدرك وقع عمله على امر الله ونهيه، فبعوامل من الخارج يسيطر على نفسه، ويترك رغبته حبيسة في صدره.. حبس الرغبة الما بيوافق عليها الله ولا المجتمع في عرفه او دينه اوقانونه.. حبس هذه الرغبة هو ما سمي بالكبت.
دي خلاص يا شيخ "الهدي"؟
(.....) الاخوان الجوّه بسمعوا المتكلمين بره؟ الفتوا نظرنا إذا كان الصوت ما مسموع.. نسمع زيادة سمعتوا “عبد اللطيف” وما قال.
(.....) اللي جاء من “أحمد” هو بطبيعته وجهتنا عندما نتحدث عن فض الكبت.. هل هناك اسلوب معيّن يمكن ان يفض بيه الكبت، وللا يمكن بجرة قلم انه الانسان يخرج عن الاوضاع والعرف والقوانين والاخلاق ثم يكون مستقيم في سيرته ومرتاح في ضميره؟
نحن في الوقت الحاضر في القاعدة، في المسح.. منطقة الكبت واسبابه، بعدين بيجيء فضه.. كيف الانسان يتخلص من العقد النفسية.. هل هي بمجرد اننا نحن نلغي عن أنفسنا تبعات وقيود واعراف المجتمع وعاداته، وللا في منهاج معين يمكن ان يكون بيه حل العقد النفسية دي.. ده راح يجيء يا “أحمد” الدور ليه.
(.....) عمل بمقتضى العلم بيه تنفك وتنحل العقد النفسية اللي هي سبب عللنا وامراضنا وعجزنا وجهلنا.. و"احمد" هناك سؤاله قال انه الناس ديل اتخلصوا من الاعتبارات البتسوق ليهم الكبت، لكن برضو هم في حيرة، فقلنا انه موضوع “أحمد” ده راح يجيء في نهاية النقاش ده.. لانه نقاش الخواطر أصله متجه للتسليك، اننا نحن معقدين داخليا.. عقد موروثة وعقد مكتسبة في حياة الواحد مننا.. كيف ممارسة الشفاء من هذا الكبت وهذا الانقسام الداخلي؟ "ليس للانسان ما تمنى" معناه انه الانسان ما بيستطيع ان يحصل الكمالات بالتمني، وإنما الجهد والعمل.. موضوع “أحمد” اخرناه لبعدين ليظهر الجهد والعمل اللي بيه تكون العافيه والصحة النفسية الداخلية دي.. وفي الحقيقة انه الشباب زي ما قال عنه "احمد"، في الجهات المختلفة، القى عن عاتقه التزامات المجتمع واعراف المجتمع، وعايز يتحرر، فسقط في الحيرة.. سقط في الرفض.. سقط في الحيرة، وسقط في الاضطراب.. يمكن العنصر العام والشامل اليشوفه الانسان في المجتمعات كلها هي الحيرة، القلق.. ده موضوعنا أصله متجهين نحن لده، ولذلك أحسن في اللحظة الحاضرة نخلينا في مسح القاعدة حتى تكون واضحة عندنا.. الكبت الارادي بداياته.. علاقته بالكبت غير الارادي.. زي ما بدأ “علي” يتجه بيها لانه الكبت بدأ قبل ظهور العقل.. الكبت بدأ قبل ظهور العقل بالمعنى النحن بنعرفه، والعقل في الحقيقة بادئ مع الحياة.. الحي في اي مستوى من حياته عنده عقل بالقدر البيه هو حي.. لكن عقل التمييز البيدخل فيه اعتبار المستقبل هو ما نحن نسميه مرحلة الكبت الارادي.. العلاقة بين ده وداك، وفي المنطقة دي أحسن نتكلم زيادة بعدين بنجيء لمسألة فض الكبت ومحاولة الصحة النفسية الداخلية بحل العقد النفسية.
(.....) الى انه بعد ما بدأت الحياة بالمعنى المألوف اللي هو فيه عمل ارادي.. المادة غير العضوية ما فيها عمل ارادي، المادة غير العضوية هي ما نسميها نحن المادة الصماء الميتة.. ما فيها عمل ارادي لكن اول ما بدأ الحياة بدأت.. الحي الاولاني عنده محاولة تلقائية، محاولة كانما مودعة في بنيته، ان يفر من الالم ويسعي للذة.. يحتفظ بحياته.. الكبت البهمنا نحن بدأ من هنا.. الكبت في المادة غير العضوية ماهو موجود.. الا موجود بالامكان، لكن في المادة العضوية الكبت برز لانه العوامل الخارجية بدأت تخيف الحي، لانها بدأت الحياة والموت، الحاجة المهمة انه في المادة العضوية بدأت الحياة والموت.. برزت الثنائية من النوع ده.. من الحياة والموت برز العقل الواعي والعقل الباطن، برز الكبت.. التعارض بين الاثنين.. اها ده البهمنا نحن.. فيما قبل المادة العضوية الكبت ما هو عملي نقاشه.
(.....) بعد ما تقدم الحيوان.. هو الحيوان نفسه متطور، بعدين "علي" قال هو بيعتقد انه الكبت سببه العجز.. انت إذا شفت النقطة دي اذن ما يصعب عليك ان ترى انه الطفل بيكبت بعجزه.. والكبت سببه العجز، الحيوان الاولاني العنده رغبة لينفذها اصطدم بالواقع المرير فانكسرت رغبته، وماتت في صدره.. كبت.. وده الكبت غير الارادي.. اها ده عند الطفل في.. وانت لمن تبدأ بالكبت في مرحلة القانون انت بديت من نقطة متقدمة خالص. نمشي لقدام برضو.
(.....) الواحد بيشوف انه ممكن سؤال فرعي يوجه لبدايات الفرد والجماعة.. هل الفرد كان مضحى بيه في سبيل الجماعة؟ هسع طبعا الماركسية قائمة على فكر زي ده.. عند ماركس أنه الفرد ما مهم، مهمة الجماعة.. و”إبراهيم” بيرى انه المسالة دي في البداية كانت فيها شبه زي ده.. فالواحد ممكن السؤال الفرعي يلقاه بالصورة دي.. ايه قيمة الكبت؟ ليه كان الكبت؟ وايه قيمته للفرد والجماعة؟ وهل كان لمصلحة الجماعة على حساب الفرد؟ هل الكبت الارادي كان لمصلحة الجماعة ومضحى فيه بالفرد؟ ده سؤال فرعي.. ايه فائدة الكبت؟ وهل كان لمصلحة الجماعة ومضحى فيه بالفرد ومهدرة فيه مصلحة الفرد؟ ندي السؤال ده اعتبار شوية وبعدين ننطلق برضو في اتجاهنا.. الاتجاه ماشي.. ساير سير جميل جدا في توسيع قاعدة البحث في مسألة الكبت، فندي اعتبار للسؤال الفرعي ده.
(.....) مهمة جدا.. هي انه الاعراف والعادات الاولانية البدائية البسيطة الكانت هي منشأ القوانين.. كانت قوانين دستورية، بمعنى انها وفقت بين الفرد والجماعة.
اهو في كلام “خالد” هسع انه مصلحة الاوضاع البدائية في القوانين البتحد من حريات الافراد لمصلحة الجماعة، فيما يخص الجماعة المصلحة واضحة.. واضحة الى الحد الاتوهموا ناس، مفكرين كبار زي ماركس، افتكروا انه أصله الفرد لو ادوه حريته بيخرّب، وانه الجماعة ما بتتلاءم إذا كان الافراد ما كُبتوا.. واذن مشى بيها طوالي كأنه تمديد منطقي الى يومنا ده ان يقوم المجتمع بتاعهم على التنظيم اليرعى مصلحة الجماعة ومصلحة الافراد مرعية داخل الجماعة.. كأنه الفرد إذا وجد حقه في الجماعة من غذاؤه وكساؤه وسكنه وعلاجه وتعليمه.. اهي دي حريته.. هو عايز شنو تاني؟ كأنه كده.. وده اتوهمه من النقطة البدائية، لكن “خالد” قال انه حتى في الوقت اللي طوّع الفرد وكبت كبت عنيف جدا، لمصلحة الجماعة، كانت مصلحته مرعية في انه الكبت قوّى ارادته وأبرز فيه الذكاء المميز للخطأ والصواب، واوجد فيه التخيل.. فكأنه من الاول مرعية مصلحة الفرد كما مرعية مصلحة الجماعة، وكل قانون يوفق بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة ما يجعل الفرد وسيلة وانما يجعله غاية، يوكّده، ده قانون دستوري.. النقطة دي نديها فرصتين ثلاثة من الاخوان.
(.....) الكلام اللي سمعناه عن فائدة الكبت وعدم اهدار حرية الفرد فيه كضحية للجماعة وانما هي في الوقت الحفظت للجماعة.. الكبت في الوقت الحفظ للجماعة حق، افاد الفرد حفظ ليه حق.. ويمشي “علي” الى الحد اليقول انه الفرد دائما كان غاية.. حتى عندما يصل الكبت الارهاب.. التخويف، العقوبة، لغاية ما تصل العقوبة ان تجتث حياته.. هو برضو غاية، يعني إذا الفرد قتلوه في قانون الجماعة، من اجل الجماعة في ظاهر الامر، هو في الحقيقة لمصلحته أيضا، لانه قال التعاليم من نشأتها قامت على اعتبار انه في حياة اخرى.. الانسان البدائي عرف انه في حياة اخرى.. زي ما هو معروف الحياة الاخرى ما جاءت مع الاديان بالمعنى المعروف عندنا.. جابتها الاحلام بدري.. الانسان البدائي عرف بأحلامه.. احلام يقظته واحلام نومه.. الحاجة المهمه احلام نومه.. شاف انه اباؤه البيموتوا هنا بيشتغلوا هناك وبيعيشوا هناك.. حتى جاءت المجتمعات البتدفن مع الحي أدواته هنا، لانه بحتاج ليها هناك.. إذا كان الواحد والده مزارع وبيزرع في ارضه وهو بيكون معاه، بعدين والده يموت يشوفه في رؤيا بيزرع برضو.. فعرفوا انه ما انتهى، هو برضو مستمر في حياة جديدة وبيستعمل ادواته الكانت هنا، فجاءت المجتمعات المتخلفة البتدفن مع الحي أدواته، ودي عرفت بدري قبل ما تُعرف الاديان.. كأنه نشأت فكرة الحياة الأخرى، بعدين الاديان جاءت وكّدتها.. انه الانسان البيمرق من الحياة دي مقتول في حد، مثلا البيقتل انسان هنا لمن يقتلوه يدخل في حياته الجديدة مطهر.. البيقام عليه الحد فيقتل او يقام عليه القصاص فيقتل، هو برضو لمصلحته لاعتبار انه الحياة الاخرى طرف من الحياة الدنيا، وانه الانسان إذا كان اتطهر هنا بيمش لي الله نظيف وما بيعذبه الله "ان الله لا يعذب مرتين".. وكأنه اقامة الحد عليه طرف من عذاب الله بالنار هناك، ومرق من دي مطهّر ليدخل في ديك، وبالاعتبار ده هو ايضا غاية في ذاته، ماهو وسيلة.. دي اتكلم عنها "علي".
المسح ده يكفينا لنمشي لقدام.. افتكر حقو يكون في سؤال فرعي برضو.. الوهم الاتورط فيه ماركس، في اعتبار انه الانسان الفرد ما مهم، المهم الجماعة.. هذا الوهم هل لماركس فيه ما يبرره؟ او بمعنى أكثر وضوح، هل نحن المسلمين، في ظل منه في تفكيرنا وتشريعنا؟ الوهم الاتورط فيه ماركس فقرر انه الجماعة هي المهمة، الفرد ما مهم.. هذا الوهم، هل في ظل منه على تفكيرنا نحن المسلمين وتشريعنا الديني؟ السؤال الفرعي ده نديه اعتبار شوية.
(.....) انه صورة اهمية الجماعة موكدة فوق اهمية الفرد حتى عندنا نحن في التشريع الاسلامي.. وجاءت مسألة مثلا الردة.. التارك لدينه المفارق للجماعة يُقتل.. دي بتوكّد المعنى اللي بيهو برضو الجماعة موكدين فوق الفرد.. لكن مع ذلك زي ما هي في الصور البدائية، المقصود انه الفرد تُجرى ليه مصلحته رغم انفه، على اعتبار انه قاصر ما بيعرف مصلحته.. ومن هنا جاءت الصورة القال عنها “عبد اللطيف” في الوصاية، نحن شريعتنا قايمة على الوصاية، والوصاية معناها انه الافراد قُصّر.. قاصرين عن ان يبلغوا مقام عزهم ليكون عندهم اعتبار فردي، وببروز فردياتهم بيوضعوا موضعهم البيخلي الجماعة وسيلة ليهم.
فنحن في ظل في فكرنا وفي تشريعنا مما اتوهمه ماركس، لكن اتجاهنا المسنود دائما بانه المسؤولية امام الله مسؤولية فردية هو البوكد لينا انه نقرب بين المسؤولية عند الله والمسؤولية في القانون.. نقرب بيناتهن، ودي المرحلة البتُقطع في تطوير الشريعة من فروع الدين الى اصوله، واصول الدين كلها مركزة على الفرد.. ((كل نفس بما كسبت رهينة)).. ((يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها)).. ((ولا تزر وازرة وزر أخرى)).. ((لقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم اول مرة)).. والمرحلة دي أصلها المجتمع البشري، المجتمع البشري المتطور والموعى بالدين والكتب السماوية، ما وصلها بالمرة الا في التفكير الحاضر.. التفكير اليقول انه اصول الدين لازم تُبعث، قيمته كبيرة جدا في النقطة دي.. اللي هي انه المجتمع البشري كان بيتقاضى ثمن باهظ من الفرد البشري ليعيش في المجتمع.. حتى لكأن المجتمع كله قايم على حساب حرية الفرد.. بعدين كلما المجتمع مشى لقدام كلما اخذ من الفرد مساهمة اقل، من حرية الفرد مساهمة اقل، ليعيش في المجتمع، كلما سمحت قوانينه وكلما اتسع عرفه ورأيه العام.. وبقت الفرد بيعيش في نوع من السماحة متطورة لغاية ما جينا نحن في شريعة الاسلام السلفية.. في شريعة الاسلام السلفية كانت صورة الجماعة موكدة، لكن الفرد الرشيد جُعل وصي.. فيه حكم الفرد، فيه حكم الدكتاتور، لكن الدكتاتور الرشيد اللي هُذّب تهذيب يخليه ما يكون بيحب الاستعلاء على الناس، والامر والنهي والسيطرة، ونُهي حتى في تربيته مع رفاعة شأنه، جاءه النهي.. ((فذكر انما انت مذكر لست عليهم بمسيطر)).. ((وما على الرسول الا البلاغ)).. ((إنك لا تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء)).. ((وما انت عليهم بوكيل)).. ((انما انت نذير والله على كل شيء وكيل)).. التربية جات بصورة شديدة لتوكد قيمة الفردية، لكن مع ذلك فردية قاصرة، والقاصر ما بيستحق المسؤولية، ما بستطيعها، ما بيتحملها.. ما دام حُجبت عنه مسؤوليته حُجب عنه كماله، حُجبت عنه حريته لكنها بسبيل من ترشيده.
مسألة الفرد بيبرز لمقام عزه لمن يكون كامل.. انت ما ممكن تقول للناقص انت حر، تقول ليه الحرية موجودة مدخرة ليك لكن اهي لمن تستأهلها.. زي مال اليتيم.. اليتيم ما بيدوه ماله وهو قاصر وهو طفل.. بيجعلوا عليه وصي لينمي ليه ماله ويحفظه، فاذا بلغه الرشد وأنس منه رشد يديه ماله.. الحرية هي ميراثنا نحن كلنا.. الحرية المطلقة هي ميراث البشر، لكنها مدخرة ليهم عند الله وعند الاوصياء المرسولين من الله ليرشدوا البشر، لمّا يبلغوا رشدهم يأخذوا مالهم.. وفي المعنى ده هو الحرية.
فنحن ماشين.. مجتمعنا البشري ماشي من البدايات السحيقة الي ان وصل مرحلة الشريعة المرحلية العندنا اليوم، وهو مستقبل عهد رجولته ليكون مسؤول، وتجيء تبرز فردياته بتطوير الشريعة من الفروع الى الاصول.. المعنى اللي نحن دائما الجمهوريين بندعوا ليه.. مسألة الكبت ماشة في الصور دي برضو.. مرحلة الشريعة المرحلية ما فيها فرصة لفض الكبت.. فيها فرصة لتخفيف الكبت، لكن فض الكبت دائما في قيمه ونهاياته يدخل في مرحلة الشرائع الفردية.. مرحلة الشريعة الجماعية زي ما قال عنها حسن قبيل وزي ما مشى ليها شيخ “أحمد” الفادني، هي مرحلة كبت لكن ملطف ومخفف قدر الامكان.. كون الشريعة الجماعية منفتحة على الشرائع الفردية هي الفرصة لأن يكون الانسان البشري الكامل يبرز، البيتخلص من الكبت تماما.. والكبت في الحقيقة، برضو اظن “أدروب” مشى في الاتجاه ده.. الكبت قيمته كبيرة، في الاول سحب الانسان في الخارج.. المادة الصماء غير العضوية برزت فيها الحياة في المادة العضوية، بشدّ العوامل الخارجية وصهرها للحي لغاية ما برز الحي.. فالحي في الاول عاش في الخارج من شدة الخوف.. ولولا انه نحن مشدودين للخارج ما كانت برزت فينا الحواس دي.. الحواس برزت محاولة للداخل ده ان ينظر من الخطر في شنو حوله.. زي ما الواحد ممكن يشبّه، لو انت راقد في سريرك نايم ومتغطي ببطانيتك، وبعدين شعرت بصوت مزعج بتحاول بسرعة تكشف البطانية عنك لتشوف.. الحي الاولاني كان مغلّف في بطانية، وحاول بسرعة ان يكشف يشوف شنو من الخطر، برزت الحواس.
الحواس نوافذ من الداخل لينظر العالم الخارجي فيه شنو مما يهدد حياته.. وكأنه العوامل الخارجية سحبتنا لبره، ولذلك نحن بنعيش في الخارج، هسع لغاية الان نحن نعيش في المجتمع منافقين.. انا موش بعمل باقتناعي، بعمل باقتناعك انت فيما تراه فيّ.. رأيك فيّ شنو.. كان انا عملت كدي اقول الناس بقولوا كده.. كان عايز اعمل حاجة انا مقتنع بصحتها.. اقول الناس بقولوا كده.. الناس ما بوافقوا.. الناس بيروا.. كأنه انا بعيش في ذهن الناس.
وبعدين المرحلة الثانية هي انه نحن نعيش في داخلنا، بعد ما اكتسبنا التجربة في الخارج نعيش في الداخل، ودي في الحقيقة الصدق المطلوب هسع.. كله ده المطلوب مننا هسع.. ان نعيش في الداخل باقتناعنا الداخلي، بعد ما انسحبنا للخارج عايزين ندخل لجوّه.. ونحن هسع خصوصا في المدنية الحاضرة، الجلبة الكبيرة البرة مخليانا مشغولين بالخارج.. ولعله الصلاة عنصرها هو ده.. ولعله الثلث الاخير قيمته هي دي.. انه في الثلث الاخير الصخب الخارجي البيشغلنا وبشدنا بره بيخفت، عشان نلقى فرصة لننظر جوه.
هي مرحلتين بالصورة دي.. ((أو لم يرَ الذين كفروا ان السموات والارض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شئ حي)).. ده في آيات الآفاق موجودة وفي النفس البشرية برضو موجودة.. وهي الحقيقة، القيمة الحقيقية للآية دي في النفس البشرية.. النفس البشرية كانت صماء في الحيوان وفي الطفل.. صماء بمعنى ما منقسمة على نفسها، ما عندها تخيل لشيء، ما عندها قيم.. بس زي مسترسلة في اللحظة الحاضرة، في شهوتها الحاضرة، بعدين انشدَّت فانفتقت، ((او لم يرَ الذين كفروا ان السموات والارض كانتا رتقا))، يعني العقل والجسد في التعبير بتاع المعنى الداخلي، العقل والجسد كان وحدة في الحيوان، ما عنده تخيل يخليه يضحى بالحاضر في سبيل المستقبل.. فانفتق، "وجعلنا من الماء" هنا في المعنى الداخلي، العلم.. "كل شئ حي"، الخواطر دي النحن بوراها هسع.
المرحلة النحن راح نقيف فيها هسع في ندوتنا دي هي مرحلة اليقظة دي، والانفتاق ده، اللي بيه بنستطيع ان نفض الكبت.. وفض الكبت في الآخر بيجيء بالتعامل مع المجتمع أكثر من التعامل مع البيئة الصماء، لانه هو المؤثر فينا، واللي هو تقريبا خلاصة الوجود الخارجي.. المجتمع.. وبعدين المجتمع تعاملنا معاه في مستويات الاخلاق والرأي العام والقانون.. وما بنستطيع ان نفض الكبت الا إذا تساوق القانون والراي العام والاخلاق الى قمم فيها سماحة، ما فيها ارهاب فكري لينا، ولا فيها ارهاب تشريعي.. وده ما يمكن ان يقوم على تطوير الشريعة من صورها الجماعية الي الصور الفردية البتخلي الفرد يبرز كغاية والمجتمع كوسيلة ليه.
انا افتكر انه انفقنا وقت فيه مسح طيب جدا وضروري لينا، وما ارى انه الجلسة المقبلة راح تنهي الموضوع ده برضو، لانها راح تأخذ الفرد العابد المكلف البيعيش في مجتمع فيه من القوانين ما فيها من العنت، وعليه ان يكافح ليطور القوانين من صورها المتعنتة الى صورها السمحة الفيها تقييم لفرديته.. الموضوع ده بيكون موضوع ندوتنا المقبلة.. موضوع ندوتنا المقبلة بيكون القوانين البتضطرنا للكبت، وانواعها، وكيف نطورها هنا في الوقت النحن بنتحرر من الداخل، حريتنا في الداخل تنعكس على مجتمعنا في الخارج ليدينا فرصة من الاسماح وفرصة من الضمانات وفرصة من الطمأنينة.. التفاعل بينا وبينه هو الوسيلة لخروجنا من مرحلة الكبت لمرحلة الكمال.. والانسان الفرد ما هو الانسان القاصر، الانسان العليه وصي، انما هو الانسان البيتحمل مسؤوليته تحت ظل القانون.. الفرد الكامل هو الفرد الحر الذي يقول ويعمل كما يريد ثم يتحمل مسؤوليته وفق قوانين.. يُشترط في القوانين ان تكون دستورية.. لا يمكن للانسان ان يتخلص من العقد النفسية الداخلية إذا كان بيعيش في قوانين ناقصة.. ولا يمكن للانسان ان يستاهل القوانين الكاملة الا إذا كان عنده نضج يخليه يطالب بحريته.. وكأنه نحن بنتفاعل، نؤثر في المجتمع ونتأثر بالمجتمع، في مضمار ما نأثر فيه ونتأثر بيه بيكون ترقينا وحل عقدنا النفسية اللي هو سميناه فض الكبت بعد الكبت.. مرحلة الكبت مرحلة كأننا قدمنا رجل واحدة لمن كبتنا، بعدين نقدم الرجل التانية لمن نفض الكبت ونتحرر من العقد الداخلية، ودي تجيء في مستويات تأثيرنا على الجماعة وتأثرنا بالجماعة.. افتكر ده بتكون نقطة ندوتنا المقبلة إن شاء الله.