إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

بنك فيصل الإسلامي!؟

المشاركة في بنك فيصل


ان من أهم الصيغ التي يتعامل بها البنك صيغة المشاركة، فقد جاء في كتيب "كيف تتعامل مع بنك فيصل الإسلامي السوداني" صفحة 2: (تسمى صيغة المشاركة التي يتبعها بنك فيصل الإسلامي السوداني عادة في الفقه الإسلامي (شركة العنان في الأموال) وفيها يساهم الجانبان (البنك والشريك) في رأس المال والادارة ويقسم الربح بينهما بنسبة يتفقان عليها بالتراضي مقدما أما الخسائر اذا حدثت لا قدر الله فتقسم بين الجانبين حسب نسبة كل منهما في رأس المال الا اذا كانت الخسارة بسبب التعدي أو التقصير.. في الأرباح مقدار مساهمة كل منهما في العملية الاستثمارية سواء رأس المال أو في ادارة المشروع وتصلح هذه الصيغة بصفة خاصة لتمويل العمليات الانتاجية في المجالات المختلفة من زراعة وصناعة الخ...) انتهى ويوضح هذه المسألة، اكثر السيد نائب مدير عام بنك فيصل في محاضرته التي أشرنا اليها مرارا وهو يقول في صفحة 6 عن المشاركة:
(أ- أن المال والعمل شركة بين الطرفين (البنك والعميل)
ب- نصيب كل من الشريكين جزء شائع من الربح وليس نسبة الى رأس المال) الى أن يقول:
(شرعيا يجوز التفاضل في الربح (أى اعطاء الشريك نسبة من الربح أكبر من نسبة مساهمته في رأس المال ولذلك يعطي البنك العميل جزءا أكبر من الربح عادة اما قسمة الخسارة اذا حدثت فيجب أن تكون حسب نسبة المساهمة في رأس المال دون تعديل وفقا للشريعة).
في تمويل الصناعة (رأس المال العامل) نبدأ بتقييم أصول الشريك ماليا ونحدد حجم التمويل التشغيل الذي سنقدمه وتقسم الأرباح والخسائر كما جاء أعلاه) انتهى
وتفسير هذه المسألة مثلا صاحب مصنع يموله البنك ويقوم هو بالإدارة فالبنك مساهمته هى ما يدفعه وصاحب المصنع مساهمته هى ما يدفعه وصاحب المصنع مساهمته هى قيمة آليات مصنعه وتوابعه، ثم يقوم بالإدارة.. فصاحب المصنع الشريك يأخذ نسبة من الربح بنسبة مساهمته، والبنك يأخذ حصته من الربح بنسبة مساهمته أيضا ثم يأخذ مدير المصنع نسبة ثالثة من الربح مقابل ادارته وقد يسميها البنك حافزا أحيانا ولكنها على كل حال هى أجرة العمل وبناء على ذلك قال السيد نائب المدير: (شرعيا يجوز التفاضل في الربح (أى اعطاء الشريك نسبة من الربح أكبر من نسبة مساهمته في رأس المال ولذلك يعطي البنك العميل جزءا أكبر من الربح عادة اما قسمة الخسارة اذا حدثت فيجب أن تكون حسب نسبة المساهمة في رأس المال دون تعديل وفقا للشريعة) كما ورد أعلاه (يضع البنك في الإعتبار عند تحديد نصيب كل من الجانبين في الأرباح مقدار مساهمة كل منهما في العملية الإستثمارية سواء في رأس المال أو في إدارة المشروع) ومعلوم اعتبار نصيب الشريك في رأس المال عند تحديد نصيب كل من الجانبين في الأرباح ولكن ما معنى اعتبار مساهمة الشريك في الإدارة عند تحديد نصيبه في الربح؟ معنى هذا ان عمل الشريك في الادارة يؤجر بجزء من الربح (يعطى البنك العميل جزءا اكبر من الربح عادة) ولكن اجرة عمل الشريك بالربح زيادة على ما فيها من غرر محظور فإنها وان صاغها البنك كحسنة للشريك تعنى ان الشريك يخسر نسبة رأسماله من الخسارة.. وكانت الشريعة والعدل ان يؤجر عمل الشريك بأجر معلوم، ويدور الربح، كما تدور الخسارة، حسب مساهمة كل من الطرفين المالية..
والسيد نائب المدير يرى أن الخسارة حسب المساهمة في رأس المال، وان الربح ليس محددا بنسبة المساهمة في رأس المال، ولذلك يرى ان التفاصيل في الربح جائز شرعا، كما هو منصص اعلاه، بل اكثر من ذلك!! فإن السيد نائب المدير، ورئيس تحرير جريدة الميثاق السابق، يقول في محاضرته، في صفحة سبعة: (في بعض الشركات لم نضع حافزا للادارة، ولكن اكتفينا بمفاضلة الشريك في الربح، وهذه المشكلة هى مشكلة نظرية أساسا، ولا تعوق العمل، لأن اساس الاتفاق هو تراضي الطرفين) انتهى.. فالسيد نائب المدير يهمه العمل، أما أسس الاتفاق الشرعية فيبدو أنها لا تهمه، فلذلك يقول (لأن اساس الاتفاق هو تراضي الطرفين).. فهل أساس الاتفاق الشرعي هو تراضي ام هو الأسس الشرعية يدعمها التراضي؟ والا، فإن التراضي في البنوك الربوية، والعمليات الربوية، ثابت، وقائم!! وما رأى السيد نائب المدير في من يخبره بأن هذه المشكلة التي يراها نظرية، هى مشكلة مخالفة للشريعة، بدخول الغرر المحرم فيها؟ او من يخبره بأن الشريعة لا تجيز التفاضل في الربح، في شركة الأموال كما زعم، وقد عبر عن ذلك السادة المالكية، والشافعية اذ أدركوا أن التفاوت في الربح في شركة الأموال لا يجوز، بل يجب ان يدور الربح، كما تدور الخسارة، حسب المساهمة المالية، جاء في "حاشية ابن عابدين" (قال مالك والشافعي الربح على قدر المال لأن في هذه الشركة – شركة العنان- تبع (للمال)) ومشاركة بنك فيصل هى: (شركة العنان في الاموال) كما وردت اعلاه.. فهل الشريعة هى ما قاله السيد نائب المدير، ام ما قاله هذان المذهبان؟! جاء في كتاب "الفقه على المذاهب الاربعة"، الجزء الثالث، صفحة 84 عن رأى الشافعية في شركة الاموال، ما يأتى: (ولا يشترط التساوي في رأس المال ولا في العمل على المعتمد، فيصح ان يكون رأسمال صاحبه ويكون عمله الذي يقابل زيادة نصيبه من المال تبرعا منه لا يستحق عليه شيئا.. نعم، يشترط ان يقسم الربح والخسارة على قدر المالين سواء تساوى الشريكان في العمل او تفاوتا) اما ان حصل التفاوت في الربح فإن هذه الشركة باطلة كما عبًر عنها الشافعية وعبر عنها المالكية ايضا اذ جاء رأيهم في نفس المصدر في صفحتى 82،83 هكذا: (امّا الربح والخسارة فإنه يشترط فيه ان يكون بحسب نسبة المال ولا يصح لأحدهما ان يأخذ اكثر من نسبة رأسماله الذي دفعه ومثل الربح العمل وعلى كل منهما ان يعمل بنسبة رأسماله فإن اشترطا التفاوت في الربح او العمل بطلت الشركة) انتهى.. هذا وقد مرّ بنا الرأى المنضبط بالشريعة بأنّ المضاربة لا تجوز فيما تمكن فيه الإجارة المنضبطة وذلك تفاديا للغرر المحرّم حين لا تكون ضرورة وقد كان الغرر في المضاربة لأنها تمثل عملا مجهولا بأجر مجهول هو الربح ومرّ بنا رأى الجمهور ان عقد المضاربة عقد غرر لهذا الصفة، والقاعدة الشرعية التي يرعاها هنا رأى المالكية والشافعية في شركة الاموال – وهى غير المضاربة كما هو واضح – القاعدة هى ألا يؤجر(العمل) بأجر مجهول، وهو الربح المنتظر، امّا رأى الحنابلة والحنفية فإنه فقه تجب مناقشته.. جاء في كتاب الفقه على المذاهب الاربعة الجزء الثالث رأى الحنابلة صفحة 75 اذ يقولون: (او يشترك اثنان او اكثر بماليهما على ان يعمل احدهما فقط بشرط ان يكون للعامل جزء من الربح أكثر من ربح ماله ليكون الجزء نظير عمله) انتهى.. وهذا تأجير للعمل بالمجهول، وهو عين الغرر المحظور.. وجاء في نفس المصدر رأى الحنفية صفحة 77: (ثم انّ اشتراط الربح متفاوتا صحيح) ومن هذا يتضح انّ الحنابلة والحنفية في الرأى المنسوب اليهم هذا يجيزون اجرة عمل الشريك بأجر مجهول بل معدوم، وهو الربح، وهم بذلك يدخلون الغرر المحرم في شركة الاموال وهو، في ذلك، يخالفون القاعدة الشرعية التي تمنع الغرر.. بل هم يخالفون الإمام ابا حنيفة الذي اشتهر بمنع المزارعة لأنها استئجار العامل ببعض ما يخرج من عمله.. جاء في المصدر اعلاه صفحة (3): (انّما منع ابو حنيفة ببعض ما يخرج من عمله) وجاء عنه في حاشية ابن عابدين الجزء الخامس صفحة 239 في شرح المزارعة: (ولا تصح عند الامام) (لأنها استئجار ببعض ما يخرج من عمله فتكون بمعناه وقد نهى عنه صلى الله عليه وسلم) وهكذا يمنع ابوحنيفة استئجار العامل ببعض ما يخرج من عمله استجابة للنهي النبوي.. كما جاء في الحديث: (من استأجر اجيرا فليعلمه اجره) كما روى الامام احمد حديث: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن استئجار الاجير حتى يبين له أجره).. وهل يمكن ان يخالف محققوا الحنابلة هذا الحديث بالرأى الفقهي فيجوّزون الغرر؟؟ وبأى دافع خالف البنك قاعدة الشريعة في الضبط، ونفى الجهالة، وخالف هذه الاحاديث ليخوض في الغرر؟! لو كان بنك فيصل يتحرى الشريعة فعلا كما يزعم لأجر عمل الشريك في الادارة كمدير المصنع مثلا بأجر معلوم وهو بذلك يبرئ معاملاته من حرمة الغرر.. ولكن البنك يريد الربح، بكل سبيل، ولذلك يؤجر عمل الشريك بأجر معدوم وذلك ليحفز الشريك وليتجنّب الخسارة.. واذا كانت القاعدة الشرعية السالمة من الغرر قد أجلاها المالكية والشافعية والسودانيون مالكية، فلما انتقل البنك من القاعدة الشرعية، ومن مذهب المالكية ليدخل السودانيين وعملاءه في مشاركات باطلة؟ هل كان دافعه لذلك الانتقال تحرّي السلامة ام دافعه تسقّط الرخص؟؟ والحيل لتبرير الممارسات التي تمكن من الربح؟؟ يضاف الى ذلك مشكلة معدّل الخصم التي يقولون انّهم لم يجدوا لها بديلا إسلاميا ومع ذلك يمارسونها!! انّ هذا البنك لو كان يريد الشريعة فعلا لا يمكنه ان يقوم على عقد المضاربة، وهو عقد غرر، وجهالة، ويزعم انّ هذا هو الاقتصاد الإسلامي في عصر العلم، والضبط، والتحديد.. واكثر من ذلك!! فإن البنك يخرج بهذا العقد عن ضرورته المحددة التي ورد فيها، كما سلف فيتقحم به الحياة الرأسمالية المسيطرة.. بل اكثر من ذلك!! فإن البنك يدخل الغرر عامدا في شركة الاموال.. ومن كان لا يقيم لأمر الله وزنا فليس له وزن، او حرمة عند الله..