إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

بنك فيصل الإسلامي!؟

ربا القرض الحسن


رغم تحايل البنك بأبدال البيع بفائدة، محل القرض بفائدة حتى يتجنّب الربا، الفاضح، كما رأينا في ممارسته للمرابحة، الا انّه يمارس ايضا ربا القروض، وهو ربا لا يمكن تغطيته على احد.. ولكن البنك إمعانا منه في التضليل سمّى هذا القرض: (القرض الحسن)، تمييزا له عن القروض الربوية.. جاء في محاضرة السيد نائب المدير التي اشرنا اليها آنفا قوله: (وبعض الجهات شبه الحكومية التي نتعامل معها تتعامل بمبالغ كبيرة ولا نستطيع نتقاضى عليه ربحا ونستفيد فقط جزئيا من سداد تلك الجهات لهذا القرض بعملة صعبة)!! وكل المفارقة تجئ من قول السيد نائب المدير: (ونستفيد فقط جزئيا من سداد تلك الجهات لهذا القرض بعملة صعبة)، ذلك لأن هذه الفائدة، الجزئية، مهما كانت قليلة، فهى ربا، والا فما رأى البنك الإسلامي في قوله تعالى: (فلكم رؤوس اموالكم، لا تظلمون، ولا تظلمون..)، وقول النبي الكريم: (كلّ قرض جر نفعا فهو ربا)؟؟ ام انّه أباح هذا القدر من الربا لضاآلته؟؟ فليسمع اذن قول النبي الكريم: (الربا سبعون بابا ايسره ان ينكح الرجل أمه!!) ثم أليس في اشتراط السداد بعملة صعبة مايكفي من المفارقة الدينية، والنبي الكريم قد قال: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، ومن زاد او استزاد، فقد ربى.. الآخذ والمعطى فيه سواء!!)..

البنك الإسلامي يقوم على ضمان الربح


إنّ عقد المضاربة الذي يتذرّع به البنك لجلب الودائع يقوم على المشاركة في الربح بين رب المال والمضارب، هذا اذا حصل ربح، ولكن الخسارة، اذا كانت بدون تعب، فإنها ترجع كلّها على رب المال وحده، حسب العقد الشرعي.. وبما انّ هذا الوضع يعرض أصحاب الودائع للربح وللخسارة أيضا، فإن البنك قد احتال ليبتعد بالعقد عن طبيعته الشرعية هذه التي تنفّر المودعين عن البنك مادامت ودائعهم معرّضة للخسارة، ولذلك يحدثنا الامير محمد الفيصل عن ضمان الربح في البنك فيقول: (موقف البنك من القروض بفوائد، انّ الأسس التي يتعامل بها البنك الا يتعامل بالفوائد كما هى معروفة في العرف البنكي الآن وانما يتعامل بالربح الحلال وليس هناك ضمان لنسبة معينة سواء ربح ام خسر.. والضمان هو تنويع المشروعات ووضع قاعدة واسعة لتفادي الخسارة وضمان الربح ان شاء الله) "الإهرام الإقتصادي" العدد 493 اول مارس 1976.. وكتب الدكتور احمد النجار مدير الدائرة الإقتصادية، وعضو إدارة بنك فيصل الإسلامي السوداني، في كتابه "المدخل الى النظرية الاقتصادية في المنهج الإسلامي" صفحة 180: (ونكرر هنا انّ احتمال عدم الربح يعتبر في اكثر الظروف احتمالا ضعيفا) وقد يكون الواقع اقرب الى مجرّد عدم الربح عند دكتور النجار احتمال نظري فما هو موقف الخسارة يا ترى وهى بالطبع أسوأ من عدم الربح؟
انّ انشغال مفكر البنوك الإسلامية بمنافسة النظام المصرفي الغربى، واجتذاب نشاطه وحركته قد جعلهم يغفلون عن المبادئ الإسلامية، بالحرص على توكيد عدم فرصة الخسارة، مع انّ نجاح العمل في الإسلام ليس في استبعاد فرصة الخسارة، وانّما في مقدار ما يحققه العمل من نفع للناس، ثم توسيع فرصة الربح على فرصة الخسارة.. ومهما يكن من أمر الخلل في الفهم، فإن سوء النية لدى اصحاب البنوك الإسلامية اكبر من سوء الفهم، لأنهم بعملون انّهم لن يستطيعوا تجنّب الخسارة بما ذكروا من تنويع المشروعات، والدراسات لأن هذا امر متوفّر في كل عمل إقتصادي، وفي كل نظام مصرفي، وانّما هم يتجنبون الخسارة، بضمانات تحوي قدرا من المفارقة الدينية، ومن هذه الضمانات:-

أ/ الضمان الإحتياطي


وهو نسبة تصل الى 10% تؤخذ من صافي الأرباح بعد خصم الزكاة واستحقاقات ودائع الاستثمار ثم تخصص هذه المبالغ لتدعم أرباح المشاركات في الاعوام القادمة – راجع ميزانية بنك فيصل الإسلامي السوداني لعام 1980م. وبالطبع فإن الخسارة تسدد بهذا المال المعد لهذا الغرض وهو مايحقق الضمان المطلوب.. والمفارقة الدينية في هذا الامر تجيء من أن البنك ملتزم ب 10% لدعم الأرباح، وهو يهدف بذلك الى تطمين المشترك بهذه النسبة سعيا لضمان الربح..

ب/ ضمان التأمين


وذلك بأن يشترط البنك الإسلامي، على عملائه، التأمين لدى شركة التأمين الإسلامية التابعة للبنك. هذا بغض النظر عن المفارقة الدينية، التي ينطوي عليها التأمين والتي سنتعرض لها في مقامها من هذا الكتاب..

ج/ الضمان المباشر


جاء عن الضمان المباشر في كتيب بنك فيصل الإسلامي (قد تكون هذه الضمانات في شكل رهن عقاري أو كمبيالات أو بوضع البضائع في حيز البنك أو ضمان شخصي بالإضافة للتأمين الشامل للعلمية لدى شركة التأمين الإسلامية) إنتهى.
ومعلوم أن الضمان إنما يقوم في حالة القرض، وليس في حالة المشاركة... وذلك لأن الشريك ضمانه نصيبه في المشاركة.. وان وقعت الخسارة فهو يتحمل نصيبه منها ولا يفترض العمل في الإسلام الربح فقط حتى يأخذ ضمانا نظير الخسارة.. وحتى في حالة الدين فإن الشريعة الإسلامية تحفظت على الرهان.. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ..) فجعل ضمان الدين كتابته الى أن يقول: (وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ‌ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِ‌هَانٌ مَّقْبُوضَةٌ) ثم اتخذ الرهان في حال تعذّر الكتابة، وحتى في هذه الحالة، فإن الأولى إئتمان بعضنا دون حاجة الى رهان.. ولذلك قال جل من قائل: (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّـهَ رَ‌بَّهُ..) بل أن أبا سعيد الخدري قال هذه نسخت ما قبلها..
وحتى يخرج البنك الإسلامي نفسه من مفارقة المطالبة لشريكه بضمان، ذهب يؤكد انّ الضمان لا يؤخذ الا على التعدّي او التقصير فقال: (يحرص البنك على ان تكون الضمانات المطلوبة من الشريك في حدود الحد الادنى الكافي لتغطية المخاطر التي قد يتعرّض لها رأس المال نتيجة التعدّي وخرق العقد او الاتفاق او التقصير من جانب الشريك او العميل) انتهى..
فإن كان الامر كذلك فلماذا لا يترك الشريك حتى يخرق العقد او يقصّر تقصيرا بينا يتسبب في الخسارة، ثم يحاسب قانونا بعد قيام الأدلة عليه بدلا من سوء الظن المسبق الذي يمتد ضرره لحجز عقاره مثلا؟!
إنّ خطورة هذه الضمانات المختلفة انّها تقوم في وقت واحد وفي كل عملية يدخلها البنك مما يجعل احتمال الخسارة، احتمالا نظريا، كما قرر، مفكروا البنك، وانّ السبب في ذلك، ليس تنويع المشروعات والدراسات كما قالوا، وانّما هو الممارسات المفارقة للشريعة الإسلامية، في الضمان المباشر، وفي الإحتياطي القانوني، وفي التأمين الذي سنرى مدى مفارقاته في فصل لاحق.