إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

بنك فيصل الإسلامي!؟

استغلال الودائع الجارية


ومن المعاملات التي تقوم على أكل أموال الناس بغير حق، في بنك فيصل الإسلامي السوداني، استغلاله لودائع الحساب الجاري في عملياته الإستثمارية.. فرغم أن الودائع الجارية لم توضع بغرض المساهمة في مشاريع إستثمارية، وهى حساب يمكن ان يطلبه صاحبه متى شاء، الا أن بنك فيصل، يعتمد عليها في معظم عملياته، التجارية والاستثمارية.. ولقد أستنكر أحد الحاضرين في المحاضرة التي ألقاها نائب مدير بنك فيصل الإسلامي السوداني، هذا الإتجاه بقوله (يهمنا أن يعمل البنك الإسلامي ولكن ليس على حساب أشخاص آخرين مثل أصحاب الودائع الجارية).
فردّ عليه المحاضر الإسلامي (هى بسبب ضعف التراكم الرأسمالي في بلدنا وهى ظاهرة عامة لدى كل البنوك في السودان وليست قاصرة على بنك فيصل وحده.. ولهذا فليس لنا خيار في هذا) انتهى.. وانه لحق أن الحساب الجاري يستغل في كل البنوك الأخرى، كما قال السيد نائب مدير بنك فيصل الإسلامي السوداني ولكن هذه البنوك ليست إسلامية، فلماذا يحتج السيد نائب مدير بنك فيصل الإسلامي بما تفعله البنوك الربوية؟!
إننا نعلم أن بنك فيصل الإسلامي السوداني لا يعطي أرباحا على ودائع الحساب الجاري، لأن هذه الودائع لا تدخل في صيغ المشاركة التي يتعامل بها، ولكنه يستغل هذه الأموال ويحقق بها أرباحا طائلة دون فائدة تعود على أصحابها فبأى حق يبيح البنك لنفسه إستعمال أموال غيره؟!

رأى مجلة البنوك الإسلامية


أما مجلة "البنوك الإسلامية" التي يصدرها الإتحاد الدولي للبنوك الإسلامية فإنها، خلافا لبنك فيصل الإسلامي السوداني ترى ضرورة إعطاء أرباح لأصحاب الودائع الجارية بسبب استغلال ودائعهم.. جاء في العدد التاسع من هذه المجلة فبراير 1980م ص 13 (ومن هنا تأتي الحكمة في القول بأن، المشارك الأساسي في النشاط الاقتصادي والذي تموله قروض البنك هو صاحب الوديعة الجارية، ومن المنطق أنه عند تقسيم أرباح البنك من نشاطه أن يوزع الربح على الودائع الجارية باعتبار أنها مشاركة في تحقيق هذا الربح) انتهى.
ولانود أن نقف عند ظاهرة التعارض بين بنك فيصل الإسلامي السوداني وبين مجلة "البنوك الإسلامية"، الذي يعد بنك فيصل السوداني واحدا من أقطابه، رغم مافي هذه الظاهرة من دلالة على التخبط الذي يقوم عليه هذا العمل.. ولكننا نود أن نسأل مجلة "البنوك الإسلامية" التي تطالب بالربح لصاحب الوديعة، اذا حدثت الخسارة فهل يشارك صاحب الوديعة الجارية فيها؟؟
فإن قيل أنه يشارك في الربح والخسارة، فهذا شأن صاحب وديعة الأستثمار وليس صاحب الوديعة الجارية الذي لم يضع أمواله لهذا الغرض، وان، قيل أنه يشارك في الربح ولا يشارك في الخسارة فهذا هو الربا الذي تحاول البنوك الإسلامية الاحتراز منه، وهو يكتنفها من كل جانب.

هيئة الرقابة الشرعية


جاء عن هذه الهيئة، في وثائق بنك فيصل الإسلامي.. (عين مجلس إدارة البنوك هيئة للرقابة الشرعية من خمسة من أفاضل العلماء لتكون رقيبة ومساعدة لأعماله وقد أصدرت الهيئة (18) فتوى مستقلة و (13) فتوى آخرى مضمنة لوقائع الاجتماعات) تقرير مجلس الإدارة للاجتماع السنوي الأول أبريل 1980 صفحة (10).. وجاء أيضا:
(ويسر الهيئة أن تقرر أن البنك متمشي في معاملاته مع أحكام الشريعة الإسلامية وتشكر الهيئة المسئولين في البنك لتعاونهم معها في انجاز مهامها وتحمد الهيئة الله الذي هداهم الا الإسهام في هذا العمل الإسلامي العظيم
بروفسير الصديق محمد الأمين الضرير
رئيس هيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي السوداني).. المصدر السابق صفحة (20) وورد أيضا أن مجلس الإدارة (يوصي بإعادة انتخابهم ويطلب من الاجتماع التأسيسي تفويض مجلس الإدارة لتحديد مكافآتهم وليثيب الله الهيئة الموقرة على ما أدت وتؤدي من عمل صالح)..
التقرير التأسيسي 30 أكتوبر 1978، وجاء عن عمل الهيئة (تباشر هيئة الرقابة عملها وفقا للائحة تقترحها ويصدر بمقتضاها قرار من الجمعية العمومية للمساهمين ولرئيس الهيئة أو نائبه حق حضور اجتماعات الجمعية العمومية للمساهمين وللهيئة كذلك طلب ادارج أى موضوع في جدول اجتماع أى جمعية عمومية ومناقشته في الإجتماع والإشتراك بخصوصه في المداولات بدون أن يكون لها صوت عند اصدار القرارات).. النظام الأساسي للبنك.
هذه هى هيئة الرقابة الشرعية التي جوزت لبنك فيصل كل مفارقاته، فهى معيّنة من قبل البنك، وتتلقى المكآفات على فتاويها، فهل يظن أحد أنها يمكن أن تخالف إدارة البنك التي عينتها وأعطتها المكآفات؟ وهل هى تنصح الإدارة وان فوت عليها النصح فرصا مادية؟؟ أم تبحث لها عن الحيل والمبررات؟! أما كان الأجدر لبنك فيصل أن يرجع الى جهة محايدة، تفتي له، دون أن تكون تابعة له، حتى تجيء فتواها خالصة من الغرض والمنفعة؟ ثم كيف يرضى هؤلاء الفقهاء أن تكون الهيئة وهى الممثل لصوت الشريعة في البنك ليس (لها صوت عند اصدار القرارات) في المواضيع التي يثيرها رئيسها أو نائبه وهى بطبيعتها مواضيع شرعية؟! ألا يعني هذا أن حق القرار في البنك لمن يملك المال، لا لمن يعرف حكم الدين، مما يجرد الفقهاء من هيبة الدين، وسلطانه، ويلحقهم بغيرهم من موظفي البنك، الخاضعين لقراراته، وسياساته، التي يحددها اصحاب رؤوس الأموال؟؟
إن أعضاء هيئة الرقابة الشرعية قد جوّزوا كل مفارقات بنك فيصل لأنهم موظفون لدى البنك، ومنتفعون من فتاويهم، ومن ثم فإن فتاويهم تفقد الحياد..

المسئولية الدينية لهيئة الرقابة الشرعية


ان بنك فيصل بهذا، قد عين هيئة شرعية للفتوى، وهو يعطيها مكافأة مالية مقابل هذه الفتوى، وقد جاء في الحديث الشريف: (من شفع لأحد بشفاعة، فأهدى له هدية، فقبلها فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا!!!) سنن أبى داؤود.. وورد أن أحد عمال النبي الكريم على الزكاة وقد حضر بمال فقال هذا لكم، وهذا أهدى لي.. فقال النبي الكريم: (فهلا جلست في بيت أبيك، وبين أمك، حتى تأتيك هديتك، إن كنت صادقا؟) ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب في الناس وحمد الله وأثنى عليه ثم قال (أما بعد فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله فيأتي فيقول هذا مالكم وهذا هدية أهديت لي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته، والله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة فلأعرفن أحدا منكم لقي الله يحمل بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر).. ثم رفع يديه حتى رؤى بياض ابطيه وقال (ألا هل بلغت؟؟).. كما ورد (ان الامام عمر كان قد استعمل أبا هريرة في عمل فقدم بمال فقال له عمر: من أين لك هذا؟ فقال: تلاحقت الهدايا.. فقال له عمر: أى عدو الله! هلا فعت في بيتك فتنتظر أيهدى أم لا؟؟ فأخذ منه ذلك وجعله في بيت المال). وذكر البخاري أن عمر بن عبد العزيز قال: (كانت الهدية عن عهد رسول الله هدية واليوم رشوة).. وحتى في مستويات الفقه فإن لهم رأيا في أخذ مقابل الفتوى.. ويرون أن المفتي اذا أخذ الهدية ليرخص في الفتوى بوجه الباطل فهو رجل فاجر، يبدل أحكام الله، ويأخذ بآيات الله ثمنا قليلا، وان كان بوجه صحيح فهو مكروه كراهة شديدة، كما يقولون.. وأن المفتي عندهم اذا أخذ الهدية لإعانة المهدي أصبحت الهدية رشوة.. راجع حاشية ابن عابدين الجزء الرابع. وهيئة الفتوى لم تحدثنا عن فتواها التي أجازت بها لنفسها مكافآت البنك المالية!! وقد ورد: (اقرأوا القرآن ولا تأكلوا به)..
واذا كان ذلك حال الإمام عمر مع الصحابي الجليل أبي هريرة واذا كانت الهدية قد اصبحت رشوة منذ عهد عمر ابن عبد العزيز فكيف بها اليوم؟! وقد شهدنا في العهود المتأخرة فقهاء يأكلون الدنيا بالدين، ويطوعون الشريعة للسلطان، حتى بلغت فتاويهم في بلدنا أن أفتوا باعتبار المقاتلين مع الانجليز كالمحاربين في سبيل الله!! ودونكم آخر النماذج " فتاوى هيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي السوداني" والتي صدرت في كتاب بهذا الاسم، وجاءت في محتويات، وصياغات تموه على الناس، لتظهر أعمال بنك فيصل كأنها خاضعة لرقابة شرعية صارمة، وورعة.. ففي صفحة 45 من هذا الكتاب يتحدث البنك عن تكلفة التحاويل التي يقوم بها البنك، وان التكلفة بالتقريب هى حوالى جنيهين، ويسأل البنك هل يجوز له (ان يرفع اجرة خدماته مع ارتفاع المبلغ المراد تحويله)؟ وتجيء فتوى الهيئة ص47 (اذا انتهى الفنيون الى انّ التكلفة تختلف باختلاف المبلغ فلا حرج على البنك في ان يرفع الأجر مع ارتفاع المبلغ امّا اذا انتهوا الى عدم اختلافها فلا وجه الى زيادة الأجر لأن اى زيادة تكون من اكل المال بالباطل .)
وهكذا تتحدث الهيئة عن اكل اموال الناس بالباطل في الزيادة على الجنيهين، ولكن هذه الهيئة نفسها هى التي جوّزت للبنك أن يأخذ ربح الودائع الجارية كلّه، وبدون أن يعطى المال حقه في الربح، ومع ذلك يأكل ربحها، بل تغلب هذه الودائع على عملياته كما سلف، حتى ان ّ مجلّة "البنوك الإسلامية" رأت من الانصاف اعطاء اصحاب الودائع الجارية حصة من الربح الذي حققته اموالهم! بل اكثر من ذلك!! فإن الهيئة لم تمنع البنك من اكل ربح ودائع الاستثمار نفسها، اذا استثمرت لاقل من 6 شهور، اذ البنك في هذه الحالة، لا يعطى اصحاب الودائع اى حصة من الربح عن هذه المدة.