إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

بنك فيصل الإسلامي!؟

التأمين التجاري


انّ عقد التأمين عقد باطل شرعا (لأنه معلّق على خطر تارة يقع، وتارة لا يقع فهو قمار..) ويكفي ان نورد في هذه الامر الواضح البطلان رأى رئيس هيئة الرقابة الشرعية الوارد في كتابه (الغرر وأثره في العقود الإسلامية) فقد ذكر السيد صديق الضرير في كتابه (انّ عقد التأمين من عقود الغرر، لأنه عقد مستور العاقبة، فإن كلا من العاقدين لا يستطيع ان يعرف وقت العقد، مقدار مايعطي، او يأخذ، فالمؤمن له لايستطيع ذلك، لأنه قد يدفع قسطا واحد من الاقساط ثم يقع الحادث فيستحق ما التزم المؤمن به، وقد لا يقع الحادث مطلقا فيدفع جميع الاقساط ولا يأخذ شيئا ماديا، وكذلك المؤمن لا يستطيع ان يحدد ما يعطي وقت العقد بالنسبة لكل عقد بمفرده، وان كان يستطيع ذلك، الى حد كبير، بالنسبة لمجموع المستأمنين، عن طرق الاستعاتة بقواعد الإحصاء، ومرد الغرر في التأمين الى أنّ دفع احد العوضين معلّق على أمر لمجهول، او مجهول وقت حدوثه) انتهى ص 640 هذا ما قاله رئيس الهيئة قبل انشاء بنك فيصل وشركاته..

البنك والتأمين التجاري


تقدم البنك في الاستفسار 12 صفحة 23 بالسؤال التالي (هل يجوز للبنك الإسلامي حماية لأمواله وممتلكاته واستثماراته واموال وممتلكات المتعاملين معه والمودعين لديه ان يقوم بالتأمين عليها ضد المخاطر المذكورة لدى شركة التأمين التجارية نظرا لعدم وجود شركات تأمين تعاونية في الوقت الحاضر والى حين قيام تلك الشركات التعاونية)؟
وجاء في إجابة الهيئة عن الاستفسار 12 في الصفحات24 -25 – 26 انّ موضوع التأمين التجاري (لا يزال ينتظر دراسة مجمع البحوث وإصدار توصية بشأنه) ولكن الهيئة لم تملك ان تنتظر الدراسة فأفتت: (وترى الهيئة انّ التأمين التجاري غير جائز شرعا وهذا هو رأى اكثر الفقهاء الذين بحثوا في الموضوع).. وورد في الفتوى (وجملة أسباب المنع هى الغرر والربا والقمار فمن الفقهاء من يرى انّ جميع هذه المحظورات موجودة في التأمين التجاري) ولو وقفت الهيئة عند هذا الحد لكنّا على شريعة بينة ولكن الهيئة ترى انّ المانع جواز التأمين هو (الغرر) ولذلك فالتأمين التجاري في رأى الهيئة يجوز اذا كانت هناك حاجة له معينة.. والحاجة عند الهيئة (هى ان يصل الناس الى حالة بحيث لو لم يباشروا ذلك العقد يكونون في جهد ومشقة لفوات مصلحة من المصالح المعتبرة شرعا) وتشترط الهيئة في الحاجة شرطين: ان تكون حاجة عامّة أو خاصة، وان تكون متعينة.. وتعني بمتعينة: (ان تنسد جميع الطرق المشروعة للوصول الى الغرض سوى ذلك العقد الذي فيه الغرر) (فاذا توفّر هذان الشرطان جازت مباشرة العقد الذي فيه غرر) على (ان تقدر الحاجة بقدرها) بمعنى (ان تقتصر على القدر الذي يزيل الحاجة فقط).. وهكذا بدأت الفتوى بالمنع وانتهت بالجواز!! وامّا بالنسبة لاستفسار البنك فقد انتهت فتوى الهيئة الى قولهم: (وتطبيقا لهذه الضوابط فإن الهيئة ترى انه لا يجوز للبنك ان يقوم بالتأمين على امواله لدى شركات التأمين التجارية لأن الحاجة الى التأمين لدى تلك الشركات غير متعينة لأن البنك يمكنه ان يؤمن على امواله لدى شركة التأمين التعاوني التي اقترح في استفساره رقم (3) ووافقت الهيئة عليه واصبحت في حكم الشركة القائمة) ورغم انّ الهيئة افتت بمنع البنك من التأمين التجاري إلا انه لا بد ان نلاحظ انّ الهيئة اسقطت من التأمين التجاري علّة القرار الواضحة وعلّة الربا المتمثلة في ان يأخذ الشخص اكثر ممّا دفع بدون مقابل وحين انتهت الى علّة (الغرر) لم تقف عند الحد الشرعي المنضبط لإباحة المحظور وهو الضرورة، وانّما استبدلت لفظ (الضرورة) بلفظ (الحاجة) جاء في كتاب (الغرر) للسيد رئيس الهيئة (وأود ان اسجل هنا ان اكثر الفقهاء التزاما لاستعمال كلمة "الحاجة" الشيرازي من فقهاء الشافعية، كما انّ فقهاء المالكية اكثر الفقهاء استعمالا للكلمة "الضرورة" فلماذا إذن ترك رئيس الهيئة وهيئته تعبير السادة المالكية مع انّه اقرب الى الشريعة في التحديد والوضوح؟ الحق انّ الهيئة حين أباحت المحظور لغير الضرورة بل للحاجة انّما سلبت الشريعة حاكميتها، وحولت الحكم الشرعي المنضبط الى مسألة اعتبارية، وذلك لأن الضرورة محددة بخوف الهلاك، امّا الحاجة فأمر اعتبارى، عبّرت عنه الهيئة بأن يكون (جهد ومشقة لفوات مصلحة من المصالح المعتبرة شرعا).. وعلى ذلك يمكن لمثل فقهاء الهيئة ان يفتي بجواز التأمين لأن عدمه قد يفوّت على بعض الاثرياء مصلحة معتبرة شرعا، وهى الربح..
كما أنّ حاجات الاغنياء لا تقف عند حد، بل انّ الهيئة جعلت تقدير الحاجة كما سنرى متروكا لخبراء البنك.. وهكذا اصبح الحكم الشرعي منوطا بتقدير خبراء البنك وليس بأسس شرعية محدودة.. فلماذا فعلت الهيئة كل ذلك وهى قد افتت البنك بالمنع؟! سنرى!!

تأمين البنك على العربات والواردات


يذكر البنك في الاستفسار 16 انّ القانون السوداني يلزم بالتأمين على العربات، وكذلك التأمين على الواردات بإعتبارها ثروة قومية وفضلا عن الجزاءآت القانونية على المخالفة، فإن العامل في مجال الاستيراد، والتصدير سيواجه بأحجام البنوك، والشركات، وبيوت التمويل، عن التعامل معه اذا لم يلتزم بالتأمين وذلك خوف الخسائر في غيبة التأمين..
ويقول البنك انّ قانونه يستثنيه من القوانين المنظمة للتأمين، الا انّه اكتشف انّ الاستثناء لم يشمل التأمين الإجباري على العربات.. وقد امّن البنك على عرباته تأمينا تجاريا، وقد اقرّته الهيئة (على ما فعل لوجود الحاجة المتعينة).. ولكن البنك يقول انّه اذا اقنع السلطات بأن الاستثناء يشمل اعفاء البنك من التأمين الاجباري على الواردات، فإن المأزق الذي يواجه البنك هو انّ المتعاملين مع البنك في مجال التجارة الخارجية ملزمون بالتأمين (وهنا تثور الصعوبة العملية التي تجعل البنك امام خيارين لا ثالث لهما:
أ – امّا ان يقبل الدخول في عمليات مشاركة وتمويل للواردات مع عملاء عليهم التزام قانوني بالتأمين مع ترك التأمين للعملاء يقومون به على مسئوليتهم المنفردة وفي هذا الاجراء ما فيه من مآخذ اذ أن التأمين ينصب على عملية يمولها البنك أو يشترك فيها ولا يستساغ شرعا القول بتحميل العميل بكل وزر التأمين مع تبرئة ذمة البنك المشارك من كل محظور شرعي. بل ان مثل هذا القول ان صح نظرا فإنه لا يصح عملا لأن فيه اغراء للعملاء ضعاف النفوس على محاولة الحصول على تعويضات من شركات التأمين بأى اسلوب لأن ما ينالونه عن هذا الطريق السهل الذي يجنبهم مخطار المضاربة سيكون بلا شك أوفر مما سينالونه اذا اقتسموا أرباح الصفقة الحلال مع البنك..)
(ب - والخيار الثاني أن يتوقف البنك عن التعامل في مجال التجارة الخارجية بالكلية وفي هذا تعطيل لأهم مجال من مجالات الاستثمار المتاحة للبنك وبالتالي شل لانطلاقته مما ينعكس على ثقة الجمهور في سلامة النظرية الاقتصادية الإسلامية لا قدر الله) انتهى صفحتى 32 – 33 أرأيتم هذه الصياغة الورعة؟! ففي الخيار الأول يخشى البنك في أن يتسبب في ثراء ضعاف النفوس من شركات التأمين!! وفي الخيار الثاني يخاف البنك على سلامة النظرية الاقتصادية الإسلامية المرتبطة بالتجارة الخارجية!! ويطلب البنك من الهيئة أن تفتيه عن جواز التأمين التجاري في حقه موقتا والى أقصر وقت!! فماذا قالت الهيئة عن هذين الخيارين؟؟ جاء في الاجابة عن الاستفسار (16):
(وترى الهيئة ان:
(أ) البنك أمامه خيار ثالث، هو انشاء شركة التأمين التعاوني التي تفتح له ولعملائه الطريق المشروع على الواردات وغيرها..
(ب) الخيار الاول لا وزر فيه على عميل البنك ما دام ملزما قانونا بالتأمين ولايجد شركة تأمين تعاوني يؤمن فيها..
أما الخيار الثاني فلا يذهب اليه أحد..) صفحة 35 والخيار الثاني هو توقف البنك عن العمل في التجارة الخارجية.. وهكذا تسلم أموال البنك، ومعاملاته الخارجية، على حساب تأمين الشريك وتظهر سلامة الاقتصاد الإسلامي على حساب ضعاف النفوس، ولكن كيف يصح هذا عملا؟؟ يقول البنك ان مثل هذا (ان صح نظرا فإنه لا يصح عملا)!!