إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

بنك فيصل الإسلامي!؟

التأمين التعاوني


لابد أن نتعرف على هذا التأمين التعاوني، وقد أكثرت الهيئة من الحديث عنه، وأجازت التأمين المحرم في غيابه في حالات الحاجة المعينة بفقد، كما تقول.. جاء في استفسار البنك رقم (3) السؤال عن جواز انشاء شركة للتأمين التعاوني.. فجاءت فتوى الهيئة:
(التأمين التعاوني جائز شرعا باتفاق جميع الفقهاء بل هو أمر مرغب فيه لانه من قبيل التعاون على البر وعلى هذا يجوز أن ينشيء البنك شركة تأمين تعاوني تزاول ما يحقق المصلحة من أنشطة التأمين المختلفة على أن يكون المعنى التعاوني ظاهرا فيه ظهورا واضحا وذلك بالنص صراحة عقد التأمين على ان المبلغ الذي يدفعه المشترك يكون تبرعا منه للشركة يعان منه من يحتاج للمعونة من المشتركين حسب النظام المتفق عليه بشرط الا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية) صفحة 21 وأفتت الهيئة البنك بجواز: (أن يتضمن جدول الشروط العامة التي يشترطها البنك عند مشاركته في أى مشروع شرطا يوجب التأمين ضد الأخطار التي يقررها البنك لدى المؤسسة المقترحة).. كما وافقت الهيئة على (إضافة شرط المشاركة في الفائض الذي يجعل لحمل الوثائق الحق في المشاركة في الأرباح).. أما إضافة شرط الاستثمار: (الذي يعطي المؤسسة الحق في استثمار فائض الأرباح بالكيفية التي تراها مناسبة وفقا للأوجه المشروعة للاستثمار في الشريعة الإسلامية فلا مانع منه شرعا).. هذا هو التأمين التعاوني، كما حوته فتوى الهيئة.. ولنا اليه عودة أخرى.. ولما تأخر قيام شركة التأمين التعاوني بسبب بعض المشاكل، عاود البنك استفساره عن جواز التأمين التجاري له موقتا، والى أقصر وقت، الى حين التغلب على مشاكل قيام المؤسسة المقترحة.. وكان رد الهيئة: (وخلاصة الجواب أن الهيئة ترى أنه لا يجوز لها شرعا الرجوع عن فتواها السابقة لأنها لم تجد في الاستفسار مما يبرر هذا الرجوع ولهذا فإن الهيئة تحث المسئولين في البنك أن يتوكلوا على الله ويسارعوا الى تنفيذ ما عزموا عليه فإن فيه خيرا كثيرا ان شاء الله) صفحة 37 وجميل من الهيئة أن تذكر مسئولي البنك الإسلامي بالتوكل على الله!! ولكن هل يمكن أن تعني بالتوكل الاستغناء عن التأمين، اعتمادا على الله، بدل التأمين حماية من قدر الله؟؟ أم أنها تعني بالتوكل اقامة شركة التأمين كما يفيد سياقها؟؟ لنا عودة الى موضوع التوكل، والأيمان وعلاقته بالتأمين..

هل يصبح قيام التأمين التعاوني
مبررا لجواز التأمين التجاري


كانت الهيئة الشرعية، في كل فتاويها السابقة، محاولة أن توهمنا بأن قيام شركة التأمين التعاوني سيحرر البنك ومعاملاته من التأمين التجاري الحرام، والذي كانت الهيئة تتظاهر بمنع البنك منه منعا جازما، ومتكررا.. ولكن للمفاجأة فإن الامور سارت على عكس ذلك وسنرى!! جاء في استفسار البنك (13) حول اعادة التأمين صفحتى 27 – 28 (ولقد واجهتنا مسألة اعادة التأمين هذه عند التفكير في انشاء شركة التأمين التعاوني اذ كما ذكرنا فإن عدم اجراء ترتيبات اعادة تأمين قد يترتب عليه تقويض المشروع اذ أن الاعتماد على اقساط التأمين ورأس مال الشركة قد يترتب عليه في حالة حدوث خسائر ضخمة انهيار الشركة وبقاء صناعة التأمين الى الأبد عند اليهود)!! وبالطبع فإن الهيئة قد منعت التأمين التجاري واعادة التأمين تكون لدى شركات التأمين التجاري، فهل ستظل الهيئة على موقفها!! أم أنها ستجيز التأمين التجاري، هذه المرة، خوفا من انهيار الشركة، ومن اليهود أيضا؟! ومما مضى علمنا أن الهيئة منعت البنك من التأمين التجاري انتظارا الشركة التأمين التعاوني، وحثته على الإسراع بها، متوكلا على الله!! فهل سينقلب الامر ويصبح قيام هذه الشركة مبررا لجواز التأمين التجاري بعد كل هذا المشوار؟؟ جاء في الإجابة عن الاستفسار (13): ("إعادة التأمين" فإنه يخضع أيضا للضوابط المتقدمة لأن عقد اعادة التأمين التجاري لا فرق بينه من حيث حقيقته وبين عقد التأمين التجاري فهو عقد تأمين تجاري، يكون المؤمن له فيه شركات التأمين بدلا من الافراد والضوابط التي ذكرناها تقضي بمنع اعادة التأمين، إلا اذا دعت اليه الحاجة المتعينة فهل هناك حاجة الى اعاة التأمين، أى هل تكون شركات التأمين في مشقة وحرج اذا لم تتعامل مع شركات التأمين؟؟
الاجابة عن هذا السؤال تقع مسئوليتها على إدارة البنك وخبراء التأمين فيه وقد ورد في الاستفسار ما يدل دلالة واضحة على وجود الحاجة الخاصة الى اعاة التأمين. جاء في أول الاستفسار "لا قيام لشركات التأمين ولا ازدهارا لصناعة التأمين الا بترتيبات اعاة التأمين" وجاء في وسطه: "هل يجوز للضرورة (1) عمل ترتيبات اعادة تأمين مع شركات اعادة التأمين التجارية حتى تقوم شركات اعادة تأمين تعمل وفق أحكام الشريعة السمحاء" وتكرر مثل هذا في أكثر من موضع في الاستفسار. اذا كان هذا هو رأى خبراء البنك وادارته فإن الهيئة ترى جواز اعادة التأمين لوجود الحاجة المتعينة مع ابداء الملحوظات والتحفظات التالية:-
1) ترى الهيئة أن يقلل مايدفع لشركة اعادة التأمين الى أدنى حد ممكن – القدر الذي يزيل الحاجة - بقاعدة الحاجة تقدر بقدرها – وتقدير الحاجة متروك للخبراء في البنك فاذا رأوا أنّ 55% التي جاءت في الاستفسار (بند 1) هى الحد الادنى فلا اعتراض للهيئة عليه، كما انّه لا اعتراض على النسبة التي ستضمنها شركة اعادة التأمين من الخسارة التي تتعرض لها شركة التامين التعاوني.
2) توافق الهيئة على ما جاء في الاستفسار (بند 2 و 3) من انّ شركة التأمين التعاوني لن تتقاضى عمولة أرباح، ولا اية عمولة اخرى من شركة اعادة التأمين.
3) توافق الهيئة على ما جاء في الاستفسار (بند 4) من ان شركة التأمين التعاوني لن تحتفظ بأى احتياطيات عن الاخطار السارية، لأنه حفظها يترتب عليه دفع فائدة ربوية لشركة اعادة التأمين.
4) توافق الهيئة على ما جاء في الاستفسار (بند 5) من عدم تدخل شركة التأمين التعاوني في طريقة استثمار شركة اعادة التأمين لأقساط اعادة التأمين المدفوعة لها.. وعدم المطالبة بنصيب في عائد استثماراتها وعدم المسئولية عن الخسارة التي تتعرّض لها.
5) ترى الهيئة ان يكون الاتفاق مع شركة اعادة التأمين لأقصر مدة ممكنة وان يرجع البنك الى الهيئة اذا اريد تجديد الاتفاق..
6) تحث الهيئة البنك ان يعمل منذ الآن على انشاء شركة اعادة تأمين تعاوني تغنيه عن التعامل مع شركة اعادة التأمين التجاري) انتهى صفحات 29 – 31.. انّ اتفاقية اعادة التأمين كما يحدثنا عنها البنك في الاستفسار: (1- ستقوم الاتفاقية على اساس المشاركة بيننا وبين شركة اعادة التأمين بمعنى انّ شركة اعادة التأمين في مقابل تنازلنا عن 55% من جملة اقساط التأمين المتحصلة ستضمن لنا 90% من الخسارة التي نتعرّض لها وستقلّل تدريجيا نسبة ما ندفعه لشركة اعادة التأمين. وتقل بالتالى النسبة التي يتحملونها من الخسارة).
ومنذ ان اقرّت الهيئة مبدأ اعادة التأمين التجاري، وهو مبدأ محظور حتى عندها هى، ولذلك لم تجزه الا للحاجة المتعينة، كما تقول، فإن بقية التحفظات التي تريد ان توهمنا الهيئة بها للتبرير هى تحفظات شكلية، لم تغير في واقع الامر شيئا، فالتحفظ رقم (1) كما اثبتناه، هو اقرار للاتفاقية في الاستفسار رقم (1)، ولم يزد على الامر شيئا، الا انّه جعل (تقدير الحاجة متروك للخبراء في البنك).. والتحفظ رقم (2) و (4) هى موافقات لاقتراحات البنك والتحفظ رقم (5) و (6) هى اقتراحات على البنك، والنتيجة العملية كما هى هى اباحة التأمين التجاري المحظور... اما التحفظ رقم (3) فقد جاء عنه في الاستفسار رقم (26)، في صفحة 39 قول البنك: (وافق معيدو التأمين وبصورة مؤقتة على السماح لنا بالاحتفاظ باحتياطات الاخطار غير المنتهية دون ان نتحمل اى سعر فائدة على هذه الاحتياطات ولأننا نستثمر هذه الاحتياطات وتدر علينا أرباحا فإن معيدي التأمين ربما يطلبون نصيبا من هذه الأرباح بالطبع ناقصا المصروفات والضرائب او تراجعهم عن خصنا بهذا الامتياز المهم) وهذه سوءة اخرى!! فهم يتعاملون ايضا مع الشركات الربوية باستثمار، وبعد حق الشركة الإسلامية في (استثمار فائض الأرباح) الذي أفتت به الهيئة، هل هو تأمين تعاوني كما يدّعون؟! جاء في استفسار البنك عن اعادة التأمين كما أوردناه، قول البنك (هل يجوز للضرورة عمل ترتيبات اعادة تأمين) ولكن الهيئة الشرعية، بدلا من ان تدرس الظروف الواقعية لهذه (الضرورة)، التي تبيح المحظور، وهو اعادة التأمين التجاري، وتقدّرها من الواقع وجودا، او عدما، فإنها اخذتها من اقوال (خبراء البنك وادارته)، وبعد ان عدّلت لفظ (الضرورة) التي ذكرها البنك للفظ (الحاجة)!! والهيئة بعد ان اجازت التأمين المحظور اخذت تحدثنا بالوقوف على القدر الذي يزيل الحاجة – كأنها تريد ان تذكرنا بحالة المضطر الذي يخشى الموت جوعا، وانّه يجوز له ان يأكل من الحرام، بقدر مايزيل حاجته، لا يزيد!! ولكن بالطبع هذا يذكرنا ايضا بأن المحظور لا يجوز الا عند هذه الضرورة، وبقدر رفع الضرر.. ان الورع، والدين يقضي بألا نحلّل محظورا بالقياس من عندنا الا بهذه الضرورة المحددة، ولكن رغم كل ذلك، اصبح قيام شركة التأمين الإسلامية مبرّرا لجواز التأمين التجاري!! ارأيتم مدى التواء الهيئة المزعومة؟!

شركة التأمين الإسلامية


بناء على فتوى هيئة الرقابة الشرعية قامت شركة التأمين التعاوني التابعة للبنك ولم تكتف الشركة باسم التعاون بل تمسحت باسم الإسلام فسميت (شركة التأمين الإسلامية) وقد انشئت في عام 1979 برأسمال قدره مليون جنيه سوداني، وحظيت بالعديد من الإعفاءآت، كشركة تابعة لبنك فيصل!! وهكذا تبرّر عمليا التأمين التجاري تحت مظلة (شركة التأمين الإسلامية) وذلك عن طريق اعادة التأمين.. جاء في كتيب الشركة (شركة التأمين الإسلامية) في صفحة 8: (بناء على فتوى هيئة الرقابة الشرعية بجواز التعامل مع معيدي التأمين سدا للحاجة وخوفا من دمار الشركة فإن الشركة قد عقدت اتفاقات لاعادة التأمين مع معيدي تأمين من الدرجة الاولى وممّن لهم الخبرة والكفاءة في هذا المجال).. ولاعبرة بعد هذا كما قلنا بتحفظات وضوابط هيئة الرقابة كما مرّ.. وهكذا لم يقف الامر عند جواز التأمين التجاري بل اشتدت الدعاية له (معيدي تأمين من الدرجة الاولى...) وشركة بقاؤها متوقف على اعادة التأمين المحظور هل يمكن ان تكون شركة إسلامية؟! أو (تقدم الشركة الخدمات التأمينية في كافّة مجالات التأمين وبخاصة التأمين البحري والجوي والحريق والهندسي والعربات ماعدا التأمين على الحياة)!! ترى لماذا افتعلت هذه الشركة هذا الورع البارد في أمر التأمين على الحياة؟؟ ألأن الأعمار بيد الله؟! وان التعويض عن الحياة يعتبر عدم رضا بقضاء الله وقدره، فإن كان ذلك كذلك فإن كل مصيبة هى من قضاء الله وقدره، يستوي في ذلك وفاة الشخص والحريق الذي يصيب مصنعه، والحادث الذي يحطم سيارته، أو يغرق بضاعته.. ام انّ شركة التأمين وهيئتها الشرعية، يرون ان الموت من الله، والمصائب الاخرى من غيره تعالى؟؟ قال تعالى: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْ‌ضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ، إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَ‌أَهَا.. إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرٌ!!).. فالموت والمصائب كلها من عن الله، كما يحدثنا القرآن.. (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِ‌ككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُ‌وجٍ مُّشَيَّدَةٍ.. وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَـٰذِهِ مِنْ عِندِ اللَّـهِ، وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَـٰذِهِ مِنْ عِندِكَ، قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّـهِ، فَمَالِ هَـٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا).. انّ التحرّج الكاذب من التأمين على الحياة باعتبار انّ الموت من فعل الله ومباشرة التأمين على الحريق وحوادث العربات، مثلا باعتبار من فعل البشر، لهو صنيع يدل على ضعف التوحيد، وعلى التورّط في الشرك.. وشركات التأمين الرأسمالية الغربية كانت اكثر صدقا – رغم خطأ تصورها – من شركة التأمين الإسلامية، حيث كانت تذكر من ضمن الاشياء التي تؤمن عليها، التأمين ضد فعل الإلهInsurance against the act of God وذلك لأن التأمين والايمان بالإله، والرضا بقضائه، لا يجتمعان..
ولذلك كان مبدأ التأمين محظورا، في الإسلام، لسيئاته، ومفارقاته المتعددة.. جاء في كتابنا "خلف الله الرشيد وقامة رئيس القضاء" صفحة 22/23: (وانّما تتأتى سيئة التأمين، في المقام الاول، من مبدأ التأمين نفسه.. فالتأمين سواء أكان التأمين على الحياة او على الممتلكات، انّما هو، في الحقيقة، سوء ظن بالله تعالى حين يلتمس الفرد التأمين على النفس ضد قدره عند غيره ممّا يقدح في الايمان، والرضا بالله، وبإرادته.. فالمؤمّن على نفسه، او ممتلكاته، يلتمس العوض عمّا ينزل به من المصائب، والخسارات، لا فيما يجده عند الله من اجر على صبره، وانّما فيما يعود عليه من عوض مادى مضمون يرجوه، قبل وقوع المصيبة، او الخسارة، دون رحمة الله، او جزائه، والله تعالى يقول: (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَ‌اتِ ۗ وَبَشِّرِ‌ الصَّابِرِ‌ينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَ‌اجِعُونَ * أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّ‌بِّهِمْ وَرَ‌حْمَةٌ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).. كما يقول تعالى عن الاجر على الصبر: (مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ، وَمَا عِندَ اللَّـهِ بَاقٍ، وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُ‌وا أَجْرَ‌هُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ويقول: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ،‌ وَيَأْمُرُ‌كُم بِالْفَحْشَاءِ، وَاللَّـهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَ‌ةً مِّنْهُ، وَفَضْلًا، وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ).. فالتأمين بهذا انما ينتج عنه اسوأ الآثار على تربية الافراد لأنه انّما يجعل القيمة المادية وحدها اساسا للتعامل يبحث الفرد منهم عن العوض المادي لأى خسارة مادية ألمّت به مغفلا أية قيمة خُلقية يمكن ان يستخلصها لنفسه من هذه الخسارة المادية.. وما ينبغي ان يفهم من هذا انّنا نقلّل من اهمية القيمة المادية، ذلك بأن القيمة المادية مقدّرة في الإسلام شريطة ان تكون وسيلة الى القيمة الروحية بمقتضى حديث نبينا الكريم: (الدنيا مطية الآخرة) انتهى.. ومن كل هذا يتضح ان التأمين حتى لو كان سالما من مفارقات البنك الإسلامي، اذ يمارس التأمين لدى شركات التأمين التجاري، تحت مظلّة شركة التأمين الإسلامية، فإن التأمين من حيث المبدأ، يجافي الشريعة وليس له في الإسلام موضع.. والغريب انّ هذا كان يوما رأى الامير محمد الفيصل نفسه، راعي بنوك فيصل الإسلامية ومؤسسها، فهو يقول انه ليس في الإسلام تأمين، ذلك لأن الفقراء، والمساكين، والعاجزين، والمصابين، يؤمنهم بيت مال المسلمين.. جاء في كتاب الأمير "البنوك والتأمين في الإسلام": (يتكفل بيت المال في النظام الإسلامي بمديد العون الى كل من أصابه ضرر ليصون كرامته من التكفف) وقال الأمير عن التأمين (والحق أن ذلك النظر لا محل له في الإسلام فالإسلام دين ودولة يكفل الأمن والأمان بل يحقق السعادة للبشرية جمعاء) ومن كل ما مضى يتضح أن بنك فيصل، بزعم محاربة الربا، تسمى باسم الإسلام، ولما خاض غمار الحياة الرأسمالية المعقدة أحاطت به المفارقات من كل جهة، ومن كل جانب.. ان البنوك الربوية التي تعمل في النظام الرأسمالي هى بنوك معروفة لم تتلبس أسم الإسلام، ولم توهم الناس ان شريعتهم قائمة فتقعد بهم عن البحث الصحيح، ولكن بنك فيصل الإسلامي قائم باسم الشريعة، وباسم الإسلام، ولكنه اختار لتمويله، ولجلب الودائع، أضيق العقود الشرعية، واحرجها عقد المضاربة، الذي هو، أصالة عقد غرر، وجهالة، يجب (..) فيه على ماورد فيه، ولكن البنك أبى الا أن يقتحم به الحياة الرأسمالية المعقدة.. وهكذا لما قام البنك لمحاربة الربا داخل النظام الرأسمالي الربوي أحاطت به المفارقات من كل جانب، فاضطر، كما قال الأمير مؤسسه، للتعامل بالربا حتى لا يتقوقع، وينتهى!! ثم أنه وجد نفسه محتاجا للتأمين مع أنه ليس في الإسلام مكان للتأمين، فأخترع لذلك تأمينا سماه التأمين الإسلامي، فلم يغن هذا فاستباح اعادة التأمين لدى شركات التأمين التجاري المحظور شرعا.. ثم اخذ يحتال على التأمين في التجارة الخارجية التي لايمكنه ان يتوقف عنها بتحميل الشريك وزر التأمين.. وهو لم يكتف بالغرر في المضاربة التي تقحّمها، وانما ادخل الجهالة، والغرر، في مشاركاته نفسها!! فهل هذا البنك قام ليقيم الشريعة، كما يزعم، أم انه قام ليطوع الشريعة للنظام الرأسمالي العضوض، وللربح؟! والغريب انه اختار، لتبرير هذا الزعم، هيئة شرعية بمكافآت مالية اخذت تلتمس له المخرج، والتبريرات، واخذت تتنقل من مذهب الى مذهب تسقطا للرخص، فهى مثلا تنتقل من مذهب المالكية، والسودانيون مالكية الى مذهب آخر لتجد تبرير لقيام شراكات باطلة شرعيا في نظر المالكية.. هكذا ترتاد فتات موائد الفقهاء تلتمس الحيل، والتبريرات.. وما اوردناه من كتابهم (الفتاوى) انما هى نماذج.. ورغم كل ذلك جاء في تقرير مجلس إدارة البنك للاجتماع السنوي المؤرخ 26/3/82 في تقرير الهيئة الشرعية منه قولهم: (يسر الهيئة أن تقرر أن البنك متمشي، في كل معاملاته، مع احكام الشريعة الإسلامية) هذا ما شهدت به الهيئة امام الله، وامام الناس، علما بان البنك تسمى إسلاميا لانه: (ملتزم في ذلك بحدود الاحكام القطعية في الشريعة الإسلامية والتي تشرف على تطبيقها والالتزام بها هيئة كبار العلماء الاجلاء وتسمى هيئة الرقابة الشرعية).. ومعلوم ان احكام الشريعة القطعية تقوم على الكتاب، والسنة، لا على اعمال الرأى، وتخريج الفقه، الذي انحرف، في اخريات ايامه، عن الشريعة، وعن الدين.. بقى ان نعرف ان هيئة الرقابة الشرعية التي جوزت للبنك كل هذه المفارقات كانت في صورتها الاولى تتكون من:
1- البروفيسر الصديق محمد الأمين الضرير رئيسا
2- فضيلة الشيخ عوض الله صالح عضوا
3- الدكتور حسن عبد الله الامين عضوا
4- الدكتور خليفة بابكر الحسن عضوا
5- الدكتور يوسف حامد العالم عضوا
ثم خلا دكتور حسن ودكتور خليفة وعين مكانهما
1- فضيلة الشيخ صديق احمد عبد الحى
2- السيد حسن محمد اسماعيل البيلى
وفي هذا الكفاية: (وعلى الله قصد السبيل، ومنها جائر، ولو شاء الله لهداكم اجمعين)..