إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

بنك فيصل الإسلامي!؟

الفصل الثاني

بنك فيصل الإسلامي السوداني
في ميزان الاقتصاد



بعد ان أوضحنا في الفصل السابق مفارقات بنك فيصل (الإسلامي) السوداني للشريعة، واثبتنا انقطاع صلته بالدين، سنحاول في هذا الفصل تقويمه اقتصاديا، مستهدفين، من خلال هذا التقويم، الوصول الى مدى صحة مازعم له اصحابه من انه البديل الحقيقي لنظام البنوك الغربية الحالي، الموؤوف بالكثير من المعايب الاقتصادية والاجتماعية!! كما سنتعرض بشئ من التفصيل الى آثاره الاقتصادية على البلاد!!

هل تختلف البنوك الإسلامية عن البنوك الغربية؟!


1) اشتراط الضمان المالي


في النظام الربوي للبنوك التجارية تشترط هذه البنوك على عملائها تقديم ضمانات عينية، كالعقارات وغيرها، بجانب سعر الفائدة، لتمويل المشاريع التي يتقدمون بها، ويؤخذ الضمان لتغطية المخاطر التي يتعرض لها البنك في حالة فشل المشروع، وعدم مقدرة العميل على السداد.. وربما يلجأ البنك للتقليل من حجم هذه المخاطر، باجراء دراسات وافية للمشروعات المقدمة إليه، قبل قبوله تمويلها.. لكنه لا يعتمد على هذه الدراسات وحدها، اذ ليس لديه مجال للخسارة طالما قدم له العميل ما يضمن له استرداد نقوده، وفوائدها.
وكما هو الحال في البنوك الربوية، فإن البنوك الإسلامية تشترط على عملائها، في كل صور التمويل التي ذكرناها، تقديم ضمانات مقابل التمويل.. وفي هذا الصدد يحدثنا الاستاذ عبد الرحيم حمدي في محاضرته السابق ذكرها عن اشتراط الضمان المالي، فيقول في صفحة (7) (من الناحية الشرعية لا يمكن اخذ ضمان على الشريك كشريك، ولذا نأخذ ضمان واحدا فقط، هو ضمان جزئي مقابل حسن إدارة الشريك للمشروع "أى عدم التعدي والتقصير" باعتبار الشريك في هذه الحالة "الإدارة" بمثابة طرف ثالث مكلف بالإدارة فقط) انتهى.
ولماذا إذن تأخذ البنوك الربوية الضمان؟ أليست لمقابلة إساءة العميل لاستخدام الاموال الممنوحة له؟ وقد حاول الدكتور النجار – صاحب نظرية البنوك الإسلامية – استبعاد احتياج البنوك الإسلامية لأخذ الضمان من الناحية النظرية فقط، فأورد في كتابه "المدخل الى النظرية الاقتصادية في المنهج الإسلامي" ردا على مايمكن ان يثار حول مخاطر الاستثمار. ما نصه:
(الخسارة افتراض نظري، لأن عدم اعتماد البنك الإسلامي على سعر الفائدة، في تغطية مصاريفه الإدارية والأرباح، مدعاة وحافز له لتجنيد الامكانيات الفنية لحسن استخدام مالديه من أموال، كما ان هذه الدراسة التي يقوم بها البنك للمشروعات قبل الاستثمار فيها تجعل افتراض الخسارة ضئيلا، ان لم يكن معدوما..) انتهى.
ان الافتراض الذي يجعل مجرد إلغاء سعر الفائدة، دافعا للبنك لاستعمال امواله بكفاءة، تعادل ضمانات سعر الفائدة في النظام الربوي، افتراض غير منطقي وغير عملي.. كما ان افتراض ضآلة الخسارة او عدمها، لمجرد ان البنك يقوم بالدراسات للمشاريع قبل الدخول فيها افتراض غير مقنع، حيث ان العرف القائم اليوم عند البنوك ومؤسسات الاستثمار هو القيام بدراسة فنية، واقتصادية تفصيلية، لأى مشروع قبل الاقدام على تمويله، ورغم ذلك العرف المرعي، فإن كثيرا من المشروعات قد منيت بخائر فادحة.. حيث اننا نعيش في عصر يعج بالمشاكل الاقتصادية المعقدة، مثل التضخم المالي العالمي والارتفاع المستمر في الاسعار، بحيث ان الدراسات مهما كانت من الحذق والدقة لا تسوق الى الجزم باستبعاد الخسارة، بل ان ادوات الرياضيات والاحصاء، نفسها في متغيرات الاقتصاد، لا تعطينا الا تنبؤات احتمالية.. لذلك فإن مجرد تأكيد اصحاب فكرة البنوك الإسلامية على ضرورة اجراء دراسات جدوى اقتصادية للمشروعات قبل الدخول في تمويلها، لا يعطى البنوك الإسلامية مزية اقتصادية، او تجارية، على البنوك ومؤسسات التمويل الاخرى.. هذا هو السبب الذي ألجأ هذه البنوك، عند التطبيق في الواقع، الى العودة لنظام الضمان الذي تمارسه البنوك الربوية.. هذا مع ان هذه البنوك الربوية تملك رصيدا ضخما من التجربة والممارسة في مجال الائتمان، ومع انها تحظى بمستوى رفيع من التنظيم والإدارة، فإنها، مع كل ذلك، لاتعتمد على دراسة المشاريع فقط،، بل تطالب عملائها بايداع ضمان لديها ضد المخاطر.. وهذا مما حدا ببنك فيصل الإسلامي السوداني لأن يورد في كتيب صدر له بعنوان "كيف تتعامل مع بنك فيصل الإسلامي" الآتى: (يحرص البنك على ان تكون الضمانات المطلوبة من الشريك في حدود الحد الأدنى الكافي لتغطية المخاطر التي يتعرض لها رأسماله للتعدي و "خرق العقد او الاتفاق" او التقصير من جانب العميل)..

ب) التعامل بسعر الفائدة


الربح مقابل الدفع المؤجل:


يمثل سعر الفائدة عصب الحركة النقدية للبنوك الربوية.. اما البنوك الإسلامية فإنها تدعي بأنها تحرم كل صور التعامل بالربا، وهى تقدم قروضا بدون فائدة، وذلك باستعمال صيغا للتعامل تتيح لها تحقيق أرباح من اعمالها.. ومن هذه الصيغ، قبول البنك تقاضي قيمة زائدة، ومحددة على سعر السلعة، مقابل الدفع المؤجل.. وقد ذهب البنك في تجويز ذلك بأن سعر الفائدة المعروف هو تعامل نقدي محض، حيث يتقاضى الدائن من المدين مبلغا زائدا على رأس ماله الذي أقرضه مقابل الدفع المؤجل، بينما يكون الوسيط في تعامل البنك هنا هو السلعة.. غير أن الأمر الواضح، والفاضح، هو أن العامل المشترك، والجوهري في كلتا الحالتين انما هو استغلال حاجة المحتاج، تلك الحاجة التي ألجأته، وهو لا يملك كامل قيمة السلعة اليوم، لأن يدفع قيمتها زائدة مقابل تأجيل الدفع لمدة يتفق عليها الطرفإن، ثم انه، في كلتا الحالتين، ضمان للربح، وضمان للفائدة، قد قرر سلفا.. وهذه ومثيلاتها من صنيع التعامل التي تقوم على نفس مباديء سعر الفائدة مما حدا بالدكتور محمد عبد المنعم الجمال وكيل وزارة المالية المصري السابق، واستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر، واحد المساهمين في بنك فيصل الإسلامي المصري الى القول (ان البنك يتقاضى مبالغ ثابته ومحددة مسبقا عن عمليات المشاركة). قال هذا في مواجهة الأمير محمد الفيصل رئيس مجلس الإدارة في اجتماع لبنك فيصل الإسلامي المصري، باعتباره من الممارسات التي تتنافى مع قواعد المعاملات الإسلامية.. الاهرام الإقتصادي العد 689 – 29 مارس 1982.

البنك ممول وليس تاجرا:


ان البنك، بدلا من أن يقدم قرضا ماليا للعميل الذي يطلب التمويل لشراء سلعة ما، يريد المتاجرة فيها، ثم يفرض عليه فائدة على المال المقترض، كما تفعل البنوك الربوية التقليدية، فإنه يستورد، او يشتري محليا، السلعة، ثم يعرضها على العميل مع نسبة من الربح كان قد حددها سلفا قبل البدء في عملية الشراء، فيصبح العميل، بهذا، مدينا بقيمة البضاعة زائدا الربح المحدد للبنك!! فقد حاول البنك هنا موازاة العمل بالربا المكشوف الذي يقوم على أساس اقراض النقود بفوائد على أصل الدين، بعمل مستتر عن طريق تحويل النقد الى سلعة، ثم فرض فائدة على تكلفة السلعة، أسماها ربحا!! ذلك بأن المدين في هذه الحالة انما أقبل على البنك أساسا بدافع الحاجة الى المال، وباعتبار البنك ممولا وليس تاجرا، والا لما لجأ الى البنك.. ومن ثم فإن دعوى الدكتور النجار بأن نظرية البنوك الإسلامية الجديدة قد نجحت حيث فشلت التجارب السابقة بأن وضعت بديلا لسعر الفائدة، دعوى غير صحيحة.. فالبنك، كغيره من البنوك الربوية الصريحة، انما يستغل الحاجة للمال ليجني من ورائها فائدة يسميها إلتواءا ربحا! أكثر من ذلك!! فإنه يأخذ ضمانا على العميل!!

(ج) البنك وسيط بين صاحب المال والمستثمر


بموجب صيغة المضاربة والتي تعرضنا لها سابقا في الباب الأول، يأخذ البنك من صاحب الوديعة (رب المال) ليقوم بدور (المضارب) وهو الذي يساهم في المشروع (بعمله) ويكون نصيبه من الربح في مقابل مابذله من جهد. وغير أن البنك بدلا من ذلك، يبرم اتفاقا مع طرف ثالث، يكون فيه هذا الأخير (مضاربا) بدلا من البنك، بينما يكون البنك (رب المال) في مكان رب المال الأصلي.. وبهذا يكون البنك قد حول عبء العمل والجهد الفعلي منه الى غيره.. رغم ذلك يقاسم في الأرباح: لكونه مضاربا كما في الصيغة الأولى.. ولكونه (رب المال)، بموجب الصيغة الأخيرة، بينما هو في الحقيقة لا هذا، ولا ذلك، وانما هو مجرد "وسيط".. وهذا هو نفس دور البنوك التي تمارس الربا.. فهي لا تمارس عملا فعلا به تستحق عائدا، وانما تقوم بدور " الوسيط" بين صاحب الوديعة (الدائن) وبين المقترض (المدين)، لذلك يصبح ما ذهب اليه الدكتور النجار من (تقرير مبدأ العمل مصدرا للكسب بدل من اعتبار المال مصدرا وحيدا، للكسب) كأحد الأسس التي تقوم عليها البنوك الإسلامية منتفيا في هذه الحالة، فالبنك "يربح" من معاملات لا هو فيها صاحب مال ولا هو صاحب عمل، كما يصبح قول السيد عبد الحيم حمدي، نائب مدير بنك فيصل الإسلامي السوداني في محاضرته التي ألقاها ببنك السودان في 26 يناير 1981م: (ومن الناحية العملية أن " العمل" هو في الإسلام القيمة الأساسية في النشاط الإقتصادي، وهو الوحيد الذي يستحق العائد الإقتصادي). قولا لا ينطبق هنا على بنك فيصل الإسلامي وفي هذه الحالة بالذات!!