إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

ثورة رفاعة ١٩٤٦: التاريخ بين المثقفين المصريين والمثقفين السودانيين

خالد الحاج عبد المحمود


رفاعة - ديسمبر ٢٠٠٢

أن مواقف الاستاذ محمود محمد طه ، وافكاره حول مشكلة الشرق الاوسط دخلت التاريخ بحكم الزمن الذي مضي عليها ، وهو تاريخ معاصر ، حي وموثق ، فلو كان د. خالد المبارك رجلاً موضوعياً ، يطلب الحق ، كان يمكن له ان يعرض ارآء الاستاذ محمود حول مشكلة الشرق الاوسط ، من مصادرها ، ثم هو يناقشها كما يشاء بدل الاشارة المقتضبة ، والمغرضة ، بأن دعوة الاستاذ محمود للاعتراف بأسرائيل هي مما يرضي الغرب ويكافئ عليه !! فهل فعلاً رأي الاستاذ محمود مما يرضي عته الغرب ويكافئ عليه ؟! أم هو مجرد افتراء كبقية افتراءات خالد المبارك ؟! علي كل ، فالاستاذ محمود ، في ارائه ، لا يعنيه من يرضي أو يغضب ، وأنما يعنيه فقط الحق ولا شئ غير الحق .
أن قضية الاعتراف بأسرائيل أو عدمه، قضية علاقات دولية العبرة فيها بالنسبة للغرب مواقف الدول ، لا الافراد أو التنظيمات .. والجمهوريون لا يتوهمون ، أن لهم وزناً ، في هذا المجال ، يمكن ان يأبه به الغرب .. والغرب في هذا الصدد لا يبني مواقفه علي الحق والرأي السليم ، وأنما علي المصلحة ، والمصلحة فقط .. وهو يتعامل مع الدول حسب وزنها عنده ، وهو لا يقم للعرب مجتمعين وزناً .
ثم هل أسرائيل الان في حاجة لمن يعترف بها ؟! أن المشكلة اليوم ليست هي الاعتراف بأسرائيل ، وأنما المشكلة هي الاعتراف بدولة فلسطين ، وهذا أمر من البديهيات .. ومن من العرب اليوم، بعد كل الدماء التي أريقت ، والثروات التي اهدرت، لا يعترف بدولة اسرائيل ؟! أن الدول العربية جميعها ، لاتعترف بأسرائيل وحسب ، وأنما علي استعداد لتطبيع علاقتها معها وقد قدمت بالفعل مشروعاً بهذا الصدد رفضته اسرائيل .. ولقد كان الاستاذ محمود يريد للعرب ان لا يصلوا لهذه المذلة والمهانة ، وان لا يفقدوا مافقدوه من ارواح ابنائهم ، بأن يساوموا بالاعتراف بأسرائيل ، في وقت كان فيه للاعتراف قيمة في المساومة ، وأنذرهم عاقبة الابطاء ، مما يفوت الفرصة ، ويفقد الاعتراف قيمته في المساومة ، فيضطروا للاعتراف بأسرائيل دون ان يقبضوا الثمن ، وهذا بكل أسف ، هو ماحدث بالفعل .
أن رأي الاستاذ محمود حول مشكلة الشرق الاوسط رأي واضح ، ومصادره عديدة ومتوفرة ، سواءً في كتابي "مشكلة الشرق الاوسط" و "التحدي الذي يواجه العرب" ، اللذين صدرا في عام 1967م ، أو بقية المصادر الاخري .. وهو رأي قد تم تسليم كل الزعماء العرب صورة منه ، في مؤتمرهم الذي انعقد بالخرطوم في 29/8/1967م ..والرأي يقوم علي ان حل المشكلة يتم في مرحلتين "مرحلة عاجلة ومرحلة أجلة : فاما حل المرحلة العاجلة فهو حل سياسي ، ومرحلي ، في نفس الامر ، وهو حل يقتضيه حل المرحلة الاجلة.. وهذا هو وحده الحل المستديم السليم .. وبالحل المرحلي ، العاجل ، يستطيع العرب ان يرجعوا الي نقطة الاعتدال بين الكتلتين : الكتلة الشرقية ، والكتلة الغربية . وهي النقطة التي فيها يقومون مقام الكتلة الثالثة .. " صفحة 179 من كتاب (مشكلة الشرق الاوسط)..
"ان على العرب ان يعلنوا للعالم على الفور أنهم، ايثارا منهم لعافية الدول، وتضحبة منهم في سبيل السلام العالمي، وابقاء منهم على المنظمة العالمية العظيمة، ورعاية منهم لصالحهم هم انفسهم، يقبلون التفاوض مع دولة اسرائيل، تحت اشراف الأمم المتحدة (ومجلس الأمن بشكل خاص) وعلى أن يكون التفاوض علي اسس قراري الامم المتحدة المتخذين في التاسع والعشرين من نوفمبر 1947م (قرار التقسيم) وفي الحادي عشر من ديسمبر 1948م
(قرار اعادة اللاجئين) وهما القراران اللذان التزمت بهما دولة اسرائيل لدي دخولها هيئة الامم.." صفحة 181 المرجع السابق .. فاين العرب الان من قرار التقسيم ، أن الوضع قد تجاوزه بكثير جداً لمصلحة اسرائيل والعرب موافقون علي هذا التجاوز !! وقد جاء عن الحل المقترح للمرحلة العاجلة من كتاب (التحدي الذي يواجه العرب) قوله

"1- يجب عدم اللجوء الي السلاح ، ذلك لان العرب لا يحاربون دولة اسرائيل وحدها ، وانما يحاربون من وراءها دول أمريكا وبريطانيا وفرنسا والمانيا الغربية – وهم قد التزموا بالمحافظة علي حدود دولة اسرائيل حسب مايعطيه التقسيم الذي اقرته الجمعية العامة في التاسع والعشرين من نوفمبر 1947م – التزم بذلك منذ 1950م كل من أمريكا وبريطانيا وفرنسا .

2- كل لجوء الي السلاح في حل قضية فلسطين ، علي المدي الذي يريده الزعماء العرب الان ، ويمنون به شعوبهم عمل قليل الجدوي ، ثم هو عمل يجعل العرب مضطرين الي السير في ركاب الاتحاد السوفيتي ، ويفتح ابواب بلادهم علي مصرعيها للشيوعية ، ويباعد بينهم وبين دينهم ، إن لم يقطع صلتهم به ، وذاك أمر ، في حد ذاته ، يهدد العرب بأخطر مما تهددهم به دولة أسرائيل .

3- من أجل احراز حل المرحلة العاجلة يجب التفاوض مع اسرائيل ، وسيكون هدف التفاوض : -
أ . انسحاب اليهود من الارض العربية التي احتلوها في حرب 15 مايو 1948م وحرب 29 أكتوبر1956وحرب 5 يونيو 1967م .
ب. إرجاع اللاجئين العرب الذين أخرجوا من ديارهم عام 1948م وعام 1967 وتعويضهم عن جميع ممتلكاتهم التي فقدوها .. وتوطينهم في الاراضي التي حددها لهم تقسيم 1947م – تنفيذ مبدأ التقسيم .
ج . ضمان الدول الكبري ، بما فيها الاتحاد السوفيتي –وهذا يعني ضمان مجلس الامن والجمعية العامة – لحدود الدولة العربية الجديدة ولتأكيد هذا الضمان توقف، علي الفور، الهجرة اليهودية الي اسرائيل.
د. تأخذ هيئة الامم علي اسرائيل تعهداً بان لاتحاول أي توسع في ارض أي من الدول العربية المجاورة لها ، فاذا جرت منها محاولة ، فان مسئولية ايقافها تقع علي كاهل هيئة الامم .
هـ . انهاء حالة الحرب التي ظلت قائمة بين العرب واسرائيل .
و . أعطاء اسرائيل حق المرور البرئ في الممرات المائية ، خليج العقبة وقناة السويس" صفحة 34- 35


هذا بعض ماجاء عن راي الاستاذ محمود في مشكلة الشرق الاوسط- فهل هذا ما يرضي عنه الغرب ، كما زعم د. خالد المبارك ؟!
أن ماحققته اسرائيل ، نتيجة لتهاون العرب وغفلتهم ، وعدم مبادرتهم بالاخذ بهذا الرأي ، قد تجاوز المقترحات المطلوبة بكثير، ودون مقابل، ومايطمع فيه العرب اليوم، هو دون ماأراده لهم الاستاذ محمود بكثير جداً، وقد ادركتهم نذارة الاستاذ لهم في عاقبة الابطاء، فهم اليوم وبعد أن فوتوا الفرصة التاريخية، يتفاوضون، ويعترفون ثم لا يكادون يبلغون وراء ذلك طائلاً .. ونحن نقول مرة أخري ، لدكتور خالد المبارك ماجاء في خاتمة كتاب (مشكلة الشرق الاوسط ..) "أن وقت التدليس، وتمويه الحقائق ، وتمليق الشعور، ودغدغة العواطف النواضب، قد ولى الي غير رجعة، وأن علي الناس أن يرتفعوا الي منازل الرجولة المسئولة ، التي تقوي علي مواجهة المسئولية في عزيمة الأحرار" .. وهذا قول، د. خالد المبارك ، في اشد الحاجة اليه .
هلي يجهل د. خالد المبارك كل هذا الذي ذكرناه به ؟! لا اعتقد !! إذن ما القضية ؟! إن القضية ، هي قضية نفوس ، وقضية حس وليست قضية فكر .
إن حديث د. خالد المبارك ، لاقيمة له ، ولاوزن ، لانه متهافت وغير موضوعي ، ومغرض .. ونحن انما سقناه في أطار حديثنا عن المثقفين ، في تعاملهم مع تاريخ البلاد وتراثها .. وقد يقول قائل .. إن نموذج خالد المبارك نموذج خاص، لا يمثل عامة المثقفين .. ونحن نقر بذلك ، ونوافق عليه ، ولكنه نموذج وجد من الجرأة مابه نشر باطله ولم يكن ليفعل لولا أنه يشعر بأن المثقفين منصرفين عن الذود عن تاريخ بلادهم وتراثها
ثم ، مرة أخري "لاتحسبن أن الكيد لهذه الامة مأمون العواقب – كلا - فلتشهدن يوماً تجف لبهتة سؤاله أسلات الالسن – يوماً يرجف كل قلب ويرعد كل فريصة"
هذا ، وعلي الله قصد السبيل ، ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين .

خالد الحاج عبدالمحمود
رفاعة