إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

من محن الوطن .. أشياخ التكفير .. أساتذة جامعات؟!

د. عمر القراى


شيوخ الأزهر أئمة عبد الحي


ولقد اعتمد الشيخ عبد الحي، في تكفيره للجمهوريين، بالاضافة الى سوء الفهم، وسوء التخريج، وخلل النقل من الكتب، وبتر النصوص، ثم حكم محكمة الردّة، ومحكمة المهلاوي، ومحكمة المكاشفي، التي كشفت المحكمة العليا خلل أجراءاتهم، وابطلت احكامهم، الى فتوى رابطة العالم الإسلامي والأزهر.. فقد قال ( فصدرت فتوى المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في 5 ربيع أول 1395هـ بردته وانه يجب على المسلمين ان يعاملوه معاملة المرتدين وصدرت كذلك فتوى مجمع البحوث بالأزهر الشريف بتاريخ 5/6/1972 بأن كلام محمود كفر صراح لا يصح السكوت عليه) (فتاوي العقيدة والمذاهب ص 32)..
ونحن لا نحتفل بفتاوي هذه المؤسسات، لأنها مؤسسات سلطانية، درجت على ممالاة الحكام، وإخراج الفتاوى التي ترضيهم على حساب الحق.. فهل يعتبرهم الشيخ عبد الحي، أساتذته، وأئمته، والمرجع الذي يؤيد دعاويه؟! لقد درج الازهر على تملق الحكام، فلقد كان مثلاً، يحتفل سنوياً بعيد ميلاد الملك فاروق!! ومما جاء في وصف أحدى مشاركاتهم في تلك المناسبة ( فنهض الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر فألقى خطبة جمعت فأوعت في مناقب حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق) وكان مما قاله شيخ الأزهر في تلك الخطبة عن فاروق (انه مثال من مثل الخير العليا وصورة كاملة من صور الفضيلة المحببة للنفوس)!!(مجلة الأزهر - مايو 1939).. وكتبت مجلة الأزهر، أيضاً، بقلم رئيس تحريرها أحمد حسن الزيات، قبل شهرين فقط من الإطاحة بفاروق (وبهدى صاحب الرسالة محمد صلوات الله عليه لسان الوحي ومنهاج الشرع ومعجزة البلاغة وبعطف صاحب الجلالة الفاروق ناصر الاسلام ومؤيد العروبة وحامي الأزهر، أعز الله نصره وجمل بالعلوم والآداب عصره)!!(مجلة الأزهر - مايو 1952).. ولما قامت ثورة يوليو 1952 واطاحت بنظام فاروق، كتب أحمد حسن الزيات نفسه، في مجلة الأزهر نفسها، عن فاروق (وكان آية من آيات أبليس في الجرأة على دين الله، انه كان كما حدثني أحد بطانته المقربين اليه انه اذا اضطرته رسوم الملك أن يشهد صلاة الجمعة خرج اليها من المضجع الحرام وصلاها من غير غسل ولا وضوء، واداها من غير فاتحة ولا تشهد. وكان يقول أخوف ما أخافه ان يغلبني الضحك وانا اتابع الإمام في هذه الحركات العجيبة. وبلغ من جرأته على الحرمات انه كان يغتصب الزوجة ويقتل الزوج ويسرق الدولة)!!(مجلة الأزهر - يوليو 1960)..
ولم يكتف علماء الأزهر، بتملق الحكام، وانما اشتهروا بتكفير المفكرين فقد كفروا د. طه حسين، و كفروا أيضاً الشيخ علي عبد الرازق، وهو من خريجي الأزهر، وطالبوه بارجاع شهادة "العالمية" التي منحوها له، فأرسلها لهم وقد كتب معها "الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني"!! كما كفروا الشيخ محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار.. واتهم الشيخ التفتنازي وبعض علماء الأزهر عمر لطفي المحامي بالالحاد لدعوته لإقامة الجمعيات التعاونية!! واتهم جماعة منهم على رأسهم الشيخ عليش الشيخ جمال الدين الأفغاني بالإلحاد لأفكاره العلمية، كما كفروا قاسم أمين، بسبب دعوته المناصرة للمرأة!! واتهموا محمد عبده بالزندقة لأنه أفتى بان لبس "البرنيطة" حلال!! (أحمد أمين: زعماء الإصلاح ص111).. ولقد ندم الشيخ محمد عبده، على السنوات التي قضاها يدرس في الأزهر، فقد نقد مرة اسلوب التعليم في الازهر، فقال له أحدهم (ألم تتعلم انت في الأزهر؟ وقد بلغت ما بلغت من طرق العلم وصرت فيه العلم الفرد؟ فاجاب الامام: ان كان لي حظ من العلم الصحيح الذي تذكر فانني لم أحصله الا بعد ان مكثت عشر سنين أكنس من دماغي ما علق فيه من "وساخة" الأزهر، وهو الى الآن لم يبلغ ما أريده له من النظافة!)!! (محمد عمارة: الأمام محمد عبده ص 55-56) بهذه العبارات القوية، شهد الامام محمد عبده على الأزهر، وهو من خريجيه، بالتخلف، والفساد، الذي يبلغ حد الوسخ..
ولم يكن مستغرباً، ضمن هذا التاريخ الحافل، ان يكفر الأزهر الجمهوريين، ولكن الغريب، ان يعطي نفسه الحق بالتدخل في شئون السودانيين، فيوجه المسئولين الرسميين في الوزارات، لا ليناقشوا الفكر الجمهوري وانما ليحرضوا السلطة لإيقافه!! ولو كان علماء الأزهر، قد أقاموا الدين في مصر، فخلت من كافة المفارقات، وطبق حكامها الاسلام، لبرئ انشغالهم بالسودان من النفاق..