إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..
أشرنا في الحلقة الأولى إلى قصيدة (العذراء) التي استلهمها الاخ عوض من إهداء كتاب الرسالة الثانية من الإسلام.. وقلنا إن قصائد عوض صاغت معاني الفكرة بلغة الفن، وتلك المعاني في جملتها إنما تدعو إلى بعث السنة النبوية لتربية الأفراد ثم لتنظيم المجتمع.. والإنشاد العرفاني بهذا المستوى برز كتطور على المديح التقليدي.. فالإنشاد يقع في مستوى السنة أو قل الرسالة الثانية بينما المديح يدور حول مستوى الشريعة أو قل الرسالة الأولى..
القصائد التي نقدمها للأخ عوض في هذه الحلقات كلها في مستوى السنة..
أما المديح الذي في مستوى الرسالة فيشمل قصائد القوم التي تدور في حلقات الطرق الصوفية كقول حاج الماحي: أسد الله البضرع ينهر في المجمع كم عوقا في اسرع من شوفتو اتفرزع!! أو قوله في وصف الغزوات: الصقر أب غراغير فوق العلوج نفير!! ومادح آخر في نفس الاتجاه: أزال للطيور قرما للبايتة ما صرما!!
وكما استل الأخ عوض قصيدته العذراء من إهداء الرسالة الثانية كذلك اهتدى بإهداء كتاب (القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري) وسجل معانيه في كثير من قصائده..
والإهداء هذا نصه:
(إلى الذي ظلت البشرية تنتظره وتترقب ظهوره!! إلى الإنسان..
ثم إلى الرجال والنسوان: هل تحلمون به!؟
إنه فيكم يظهره القرآن)
نحن الآن في مرحلة البشرية وأمامنا مرحلة الإنسانية التي قوامها ظهور الإنسان كتطور على البشر وهي مرحلة فرديات ويعمها السلام.. وفي هذا المعنى يقول عوض الكريم:
عز بالعلم عن رضا عبده فهو قد مكر
عز إنسان ذاته عز وصفا عن البشر
وحول عبارة (إنسان ذاته) قال الأستاذ محمود عنها أنها جديدة في مبناها ومعناها ولأول مرة تقال ولم ترد في أشعار الصوفية الكبار!! ثم سأل الحاضرين:
هل في واحد فيكم سمع كلام بالمستوى دا!!؟؟
ثم أردف: مافي!!
والإنسان خلق في أحسن تقويم في الملكوت وهو عالم أرواح.. ثم رد إلى أسفل سافلين وهي أدنى مرحلة تجسيد في عالم المادة، فكأنما الروح انطمست فغابت في الجسد الحيواني المادي كما تغيب الشمس وينتظر لهذه الروح أن تظهر مستصحبة المادة في مستوى جديد هو الإنسان، وذلك عبر مسيرة التطور الطويلة.. فالكمال إذن، ليس في الروح وحدها كما أنه ليس في المادة وحدها وإنما هو في التزاوج بينهما..
وعلى هذا يمكننا أن نقول ما في الوجود إلا الإنسان في طور من أطواره وفي هذا المعني ورد قوله تعالى (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا) وهل هنا تعني قد..
لقد صاغ الأخ عوض هذه المعاني بإشارات عرفانية هنا وهناك في قصائده نقدم منها هذه الأبيات:
تجلى الله في أمِّ الليالي على الأكوان من غيب المثال
وأشرق وجهه في كل فجٍّ فأشرق كل وجه بالجمال
تنزل بالسلام على البرايا فبدل حالهم أمنا بحال
وانشأ منهمُ خلقا جديداً وتوّج كل خلق بالكمال
وأنشأ عرشه في كل قلب وانشأ جنةً في كل بال
وأمضى السبع خضراً زاهراتٍ ومدَّ الظل في الألف التوالي
هو الإنسان وارث كل فضل وسيِّد كل وقت أو مجال
وليلة قدره فيها تجلى على قدر تجليه الكمالي
وزوَّج هذه الدنيا بأخرى ومدهما بأسباب الوصال
كمال الدين ليس له بلوغ فعند المنتهى شد الرحال
هو الإنسان بدأ ثم ختما تعالى ذو الجمال وذو الجلال