إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

المدنية الغربية الآلية الحاضرة وصلت للطريق المسدود

د. أحمد مصطفى دالي


١٦ مايو ٢٠٢٤

لقد جاء في ديباجة الدستور التي كتبها الأستاذ محمود في أكتوبر 1984 مايلي: (الحضارة الغربية الحاضرة بشقيها - الاشتراكي والرأسمالي - إنما هي حضارة مادية، قيمة الإنسان فيها مهدرة، وقيمة الحطام مرتفعة‏.‏‏. هي حضارة، وليست مدنية‏.‏‏. هي حضارة التكنولوجيا الهائلة، والآلات الرهيبة، ولكن الإنسان فيها ليس سيد الآلة‏.‏‏. لقد نمّت التكنولوجيا الثروة بصورة خيالية، ولكن، لغياب القيمة، لم يكن هناك عدل في توزيع الثروة، وإنما انحصـرت في أيدي القلة، وأصبح الفقر نصيب الكثرة، فذُهل الغني، بالغنى، عن إنسانيته، كما شُغل الفقير، بالفقر، عن إنسانيته، فانهزم الإنسان، في هذه الحضارة المادية، الآلية الهائلة، المذهلة‏.‏‏. لقد وصلت هذه الحضارة الغربية إلى نهاية تطورها، ووقف طلائعها في نهاية الطريق المقفول - طريق المادية الخالية من الروحية‏.‏‏. ولابد للبشرية التي سارت في هذا الطريق العلماني حتى بلغت نهايته من أن تعود لتدخل من جديد، في الطريق العلمي‏‏).
لقد وصلت الحضارة الى نهاية تطورها، ووقفت في نهاية الطريق المسدود، وانهار الشق الاشتراكي من الحضارة الغربية بانهيار الإتحاد السوفيتي، بعد ان فشلت تجربته التي امتدت لما يقارب السبعين عاما (1917 – 1987). وتقسم الإتحاد السوفيتي إلى دول تبنت كلها تقريبا طريق التطور الرأسمالي. ولقد تنبأ الأستاذ محمود بنهاية النظام الاشتراكي السوفيتي والصيني في كتابه الرسالة الثانية من الإسلام الصادر في 1967 حيث قال: (روسيا، وهي تواجه الفشل اليوم في تحقيق الاشتراكية، بله الشيوعية، وتنكص على أعقابها، إلى إجراءات هي أدخل في الرأسمالية منها في الاشتراكية، تتوخى بها إيجاد حوافز للإنتاج جـديدة، تعطي أكبر الدليل على أن المدنية الغربية الحاضرة بلغت نهاية تطورها المادي الصرف، ووقفت عند نهاية الطريق المسدود وسيصبح لزاما عليها أن ترجع إلى مفترق الطرق، حيث تبدأ بسلوك طريق آخر، كانت شرة الثورة قد أذهلتها عن سلوكه منذ نصف قرن مضى. ولن تجد الصين فرصة التجربة الطويلة التي وجدتها روسيا، ذلك لأن الزمن قد أزف، وأن المفارقة الكبيرة بين طاقة المجتمع البشري الحديث، وقصور المدنية الغربية أصبحت تتضح كل يـوم، وقد أخذت الصين تشعر بهذا التناقض الرهيب، ولكنها لم تهتد إلى متنفس له إلا في هذه الحالة العصبية، التي أسمتها سخرية، بالثورة الثقافية يقوم بها، في الشوارع والأماكن العامة، المراهقون ضد أساتذة الجامعات والعلماء، وهي تستهـدف، فيما تستهدف، تأليه ماو تسي تونـغ، وجعل كتاباته مصادر الثقافـة الوحيـدة، ومناهل الحكمة التي ينتـهي عندها رأي كل ذي رأي).
انهار الإتحاد السوفيتي وفشلت تجربته في تحقيق الاشتراكية ولم تجد الصين الشيوعية فرصة التجربة الطويلة التي وجدتها روسيا، تماما كما ورد في النص أعلاه، وتحولت لدولة رأسمالية، وأصبحت اليوم أكبر شريك تجاري لأكبر نظام رأسمالي على وجه الأرض فقد بلغ حجم التجارة بينها وأمريكا في عام 2023 (664 مليار دولار أمريكي) حين بلغت التجارة بينها وروسيا في نفس العام 2023 (240 مليار دولار أمريكي).