إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..
تعقيب على مقال د. غازي العتباني مستشار السلام في حكومة الانقاذ
الحكومة هي المسؤول الوحيد عن فشل محادثات السلام !!
د. عمر القراي
٢١ يوليو ٢٠٠٣
ما هي الشريعة؟!
يقول د. غازي (ان قول الله سبحانه لرسوله " ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها" انما جاء تأسيساً لمنهج وهدى متكامل يسوق الخلق الى عبادته التي هي مبرر خلقه لهم) الى ان يقول (الشريعة لم تقدم بصورة جلية على انها الضامن الأوثق لحقوق المسلمين وغير المسلمين رغم الثابت في التاريخ انها رفعت الظلم عن القبطي في مصر والمجوسي في فارس والمسيحي في الشام واليهودي في الاندلس وعدلت بينهم في الحقوق العامة على شرط العهود التي وقعت معهم)!![2]
أول ما تجدر الإشارة اليه، هو ان كلمة "شريعة " تعني في اللغة المدخل أو البداية.. فقد جاء (شرع شرعاً أو شروعاً في الماء: دخل فيه... وشرع الامر بدأه... والشرعة الطريق الى الماء والشريعة جمع شرائع أي موارد الشاربة)[3] وهي ايضاً تعني القدر الضروري ومن ذلك قولهم ("شرعك ما بلغك المحل" اي حسبك من الزاد ما بلغك مقصدك وهو مثل يضرب في الاكتفاء باليسير)[4].. اما من حيث المصطلح، فالشريعة هي المدخل على الدين وليست هي الدين، فهي الاوامر والنواهي، التي يدخل بها من التزمها على مكث، الى داخل الدين حيث الحقائق والمعارف الكبرى، التي تتجاوز ظروف الزمان والمكان، التي تتقيد بها الشرائع، باعتبارها المداخل التي تدرج المبتدئين، في مختلف مستويات المجتمعات..
لهذا فان هناك فرق شاسع بين "الهدى المتكامل "، وبين الشريعة.. فالشريعة لا تمثل الا طرفاً من هذا الهدى فصّل على حسب طاقة وحاجة المجتمع في القرن السابع الميلادي.. قوله تعالى "وكذلك جعلناك على شريعة من الأمر" يعني ان الشريعة طرف من الأمر، والأمر الالهي في الاصل هو التوحيد، قال تعالى في ذلك "وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ". ومن التوحيد تنزلت الشرائع، على حسب مستويات الامم، فكان لكل أمة شريعتها "لكل منكم جعلنا شرعة ومنهاجاً"، مع ان الدين هو التوحيد، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "خير ما جئت به انا والنبيون من قبلي لا إله الا الله".. والتوحيد هو الإسلام، الذي طبقه الانبياء حين قصر عنه اتباعهم، فتنزلت لهم الشرائع على قدر طاقتهم، قال تعالى في ذلك "إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والاحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء"..
فاذا وضح ذلك، فينبغي الا ننسب كمالات الإسلام للشريعة، ويجب ان نعرف حكمتها، وكفاءتها، حين طبقت في الماضي، كما نعرف لها محدوديتها، ومرحليتها، فلا نلوم الإسلام على قصورها عن قامة العصر.. ومن الامثلة الواضحة، على مفارقة الشريعة للواقع، ما ساقه لنا د. غازي نفسه حين قال (كمثال على الاسهام المتميز للإسلام يبدو للناس بعيداً منه هو الجماليات انظر الى النهضة في العمارة والفنون انطلاقاً من موقف من تصاوير الاحياء أثمر ابداع المسلمين فنون الارابيسك والمنمنمات)[5]!! فهو يحدثنا عن انه بسبب موقف الإسلام من التصاوير، اتجه الفنانون المسلمون الى فن الارابسك والمنمنمات فأبدعوا فيه.. ولكننا لن نقفز معه فوق جوهر القضية، دون ان نناقشه.. فلقد حرمت الشريعة، رسم الاحياء، بأحاديث محددة، وردت في باب الصور في صحيح البخاري، منها ان صلى الله عليه وسلم قال "من صور صورة يعذب ويقال له يوم القيامة أنفخ فيها الروح وما هو بنافخ فيها ابداً" ومنها "ان السيدة عائشة كان لها نمرقة بها صور فلم يدخل النبي صلى الله عليه وسلم حجرتها حتى مزقتها"!! ونحن إذا اتبعنا هذه النصوص، اليوم، لمنعنا معاهد الفنون التشكيلية، ومعامل التصوير، ولصادرنا الكتب، والمصنفات العلمية، واوقفنا دراسة الطب والعلوم، ولاختلت المعاملات والبطاقات والجوازات، ومنعنا التلفزيون وحطمنا التماثيل والاثار كما فعلت طالبان، أو كما فعل وزير الثقافة والاعلام السوداني السابق، الذي كان يعد من كوادر الجبهة، داخل حزب الأمة، حين حطم الآثار بالمتحف القومي!!
فاذا كانت ظروف الحياة، قد اجبرت دعاة تطبيق الشريعة، على مخالفة هذه النصوص الشرعية الظاهرة، دون عذر، فان المعرفة بالدين تخرجهم من هذا الحرج. لأنها تؤكد ان تجاوز النص، قد تم بسبب ديني هو معرفة الحكمة وراء النص، وكيف ان هذه الحكمة، قد استنفدت فلم يعد النص صالحاً.. فقد كانت حكمة تحريم التصاوير على قوم حديثي عهد بالإسلام، قد درجوا على عبادة الاوثان، هي قطع الصلة بينهم، وبين ذلك الماضي.. فربما ذكرت الصور والتماثيل بعضهم بالأصنام، فشعروا بحنين الى عبادتها، فسد الشارع الحكيم هذه الذريعة بمنع التصاوير كافة، خاصة وأنها لم تكن شديدة الاهمية في مجتمعهم.. فاذا أصبح الرسم والنحت والتصوير، وغيرها من ضروب الفنون الجميلة من زينة حياتنا، التي بها تلطف مشاعرنا، وتتحقق عديد المنافع، ثم ان رؤيتنا لتمثال أو صورة، لا تثير في نفوسنا الحنين لعبادتها، لأننا لم نعتد تلك العادة، فان قوله تعالى "قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده"، هو الذي يجب ان يحكم حياتنا اليوم، وليس حديث التصاوير، المرحلي، الذي عرفنا حكمته، ورأينا كيف ان مجتمعنا، قد تجاوزها!! ونحن حين نفعل ذلك، لم نخرج من الإسلام وانما دخلنا فيه أكثر، وان خرجنا على الشريعة!! والانتقال من نص في القرآن أو الحديث، خدم غرضه حتى استنفده، الى نص آخر أقرب الى روح الدين وغرضه، وأقدر على حل مشاكل الواقع المعاصر، هو ما سماه الاستاذ محمود محمد طه تطوير التشريع الإسلامي..
الشريعة لا تساوي بين المواطنين!!
ان اطروحة د. غازي صلاح الدين، انما تقوم على خطأ جوهري، حين تزعم ان الشريعة حققت المساواة بين المسلمين وغير المسلمين.. فلو كانت كذلك لما احتج عليها الأخوة الجنوبيون، ولما قبل د. غازي ورهطه التنازل عنها في الجنوب.. ولما كان د. غازي يخلط خلطاً موبقاً بين الإسلام والشريعة، فانه يسوق الآيات التي نسختها الشريعة، ليستدل بها على سماحة الإسلام!! ومن ذلك مثلاً احتجاجه بقوله تعالى "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، فلو كانت الشريعة تقوم على مثل هذه الآية، لما كان هناك جهاد أصلاً ولما خرجت جيوش المسلمين من جزيرة العرب، تغزو فارس والشام والاندلس لنحتاج للحديث عن حسن أو سوء معاملة المسلمين لأهل هذه البلاد بعد فتحها!!
وحين يقول د. غازي عن معاملة الشريعة لغير المسلمين (وعدلت بينهم في الحقوق العامة على شرط العهود التي وقعت معهم)!![6] لا يذكر ان العهود قد نسخت مع المشركين، واحكم بذلك الجهاد، فقد جاء نسخ العهود في سورة براءة في قوله تعالى "براءة من الله ورسوله الى الذين عاهدتم من المشركين * فسيحوا في الارض اربعة اشهر واعلموا انكم غير معجزي الله وان الله مخزي الكافرين * واذان من الله ورسوله الى الناس يوم الحج الاكبر أن الله برئ من المشركين ورسوله فان تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فأعلموا انكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم ".. جاء في تفسير الآيات (هذه السورة الكريمة هي من أواخر ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم كما قال البخاري حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن أبي اسحق قال سمعت البراء يقول آخر آية نزلت "يستفتونك في الكلالة" وآخر سورة نزلت براءة... وقال علي بن ابي طلحة عن ابن عباس "براءة من الله ورسوله" الآية قال حد الله للذين عاهدوا رسوله أربعة أشهر يسيحون في الأرض حيث شاءوا وأجل أجل من ليس له عهد انسلاخ الاشهر الحرم من يوم النحر الى سلخ المحرم فذلك خمسون ليلة فأمر الله نبيه إذا انسلخ المحرم ان يضع السيف في من لم يكن بينه وبينه عهد يقتلهم حتى يدخلوا في الإسلام وأمر بمن كان له عهد إذا انسلخ أربعة أشهر من يوم النحر الى عشر خلون من ربيع الآخر أن يضع فيهم السيف أيضاً حتى يدخلوا في الإسلام... قوله "وآذان من الله ورسوله الى الناس يوم الحج الاكبر" الآية يقول تعالى وإعلام "من الله ورسوله" وتقدم وانذار الى الناس "يوم الحج الاكبر" هو يوم النحر الذي هو أفضل أيام المناسك وأظهرها وأكبرها جميعاً "إن الله برئ من المشركين ورسوله" أي رسوله برئ منهم أيضاً. ثم دعاهم الى التوبة فقال "فإن تبتم" أي مما أنتم فيه من الشرك والضلال "فهو خير لكم وان توليتم" أي استمررتم على ما أنتم عليه "فأعلموا انكم غير معجزي الله" بل هو قادر عليكم وأنتم في قبضته وتحت قهره ومشيئته "وبشر الذين كفروا بعذاب أليم" أي في الدنيا بالخزي والنكال في الآخرة بالمقامع والأغلال.
وقال أحمد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن مغيرة عن الشعبي عن محرز بن ابي هريرة عن ابيه قال كنت مع علي بن ابي طالب حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم الى اهل مكة ببراءة فقال: ما كنتم تنادون؟ قال كنا ننادي أنه لا يدخل الجنة الا نفس مؤمنة، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله عهد فان أجله أو مدته الى أربعة أشهر فإذا مضت الأربعة أشهر فان الله ورسوله برئ من المشركين، ولا يحج هذا البيت بعد عامنا هذا مشرك... فارسل ابا بكر وعلياً رضي الله عنهما فطافا بالناس في ذي المجاز وبأمكنتهم التي كانوا يتبايعون بها وبالمواسم كلها فآذنوا أصحاب العهد بأن يؤمنوا أربعة أشهر فهي الأشهر المتواليات عشرون من ذي الحجة الى عشر يخلون من ربيع الآخر ثم لا عهد لهم وآذن الناس كلهم بالقتال الا ان يؤمنوا.)[7].. فالعهود وما فيها من حسن معاملة، قد نسخت ببراءة واحكم القتل.. وكان هذا آخر ما نزل من القرآن، فهل يدعو د. غازي لبعث القرآن المنسوخ، أم انه لا يدري ما يقول؟! أما عن قتال المشركين واهل الكتاب، بسبب عدم قبولهم الإسلام، فانه يمثل في عرفنا الحاضر مصادرة حق مواطن، في الحياة، بسبب الاختلاف في العقيدة، وهو ما يجعل قوانين الشريعة غير مؤهلة للحكم اليوم حتى في ديار المسلمين!!
ولقد سبق ان كتبت مؤخراً في التعقيب على د. عبد الله علي ابراهيم:
(أول ما تجدر الاشارة اليه في أمر الشريعة، هو انها لا تساوي بين المواطنين في الحقوق والواجبات لأنها تقوم على العقيدة التي تفضل المسلم على غيره!! قال تعالى في ذلك "ان العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ".. ولقد اتجه التطبيق العملي لهذا المفهوم الى قتال المشركين حتى يسلموا، وقتال أهل الكتاب- اليهود والنصارى- حتى يسلموا أو يعطوا الجزية!! قال تعالى "فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فان تابوا واقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ان الله غفور رحيم".. ولقد حددت هذه الآية، وهي من آخر ما نزل في شأن التعامل مع المشركين، زمان قتالهم بانقضاء الاشهر الحرم، وحددت مكان قتالهم بانه حيث وجدوا، وحددت سبب قتالهم بانه كفرهم وعدم اقامتهم شعائر الإسلام، وحددت وقف القتال معهم، بدخولهم في الإسلام واقامتهم الشعائر!! واعتماداً على هذه الآية جاء حديث النبي صلى الله عليه وسلم "أمرت ان أقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا إله الا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فان فعلوا عصموا مني دماءهم واموالهم وأمرهم الى الله"..
أما أهل الكتاب فقد قال تعالى عنهم "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون"!! ونزولاً عند هذا التوجيه أرسل النبي صلى الله عليه وسلم رسائله المشهودة لملوك الفرس والروم "أسلموا تسلموا يكن لكم ما لنا وعليكم ما علينا، فان ابيتم فأدوا الجزية والا فاستعدوا للقتال"!! هذه هي خيارات الشريعة لليهود والنصارى: اما الإسلام، أو الجزية، أو القتال. أما بالنسبة للمشركين فهما خياران لا ثالث لهما: الإسلام أو القتال!!
والجزية ليست ضريبة دفاع، يدفعها أهل الذمّة، من يهود ونصارى، للمسلمين الذين غزوا بلادهم وبسطوا سلطانهم عليها، لأنهم يقومون بحمايتهم فحسب، لكنها الى جانب ذلك اقرار بالخضوع، واظهار للطاعة، واشعار بالمهانة والذل، هدفه ان يسوق الذمي الى الإسلام.. جاء في تفسير قوله تعالى "عن يد وهم صاغرون" "أي عن قهر وغلبة.. وصاغرون أي ذليلون حقيرون مهانون ولذلك لا يجوز اعزاز أهل الذمّة ولا رفعهم على المسلمين بل هم أذلاء صغرة أشقياء كما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه الى أضيقه"[8]
ومعلوم ان غير المسلم لا يصح له ان يكون رئيساً للدولة المسلمة، ولا ان يتولى قيادة الجيش لأن الجيش جيش جهاد!! وليس له الحق في تولي القضاء الذي يقوم على قوانين الشريعة الإسلامية!! ومن الناحية الاجتماعية لا يجوز له ان يتزوج المرأة المسلمة، ولما كان دفعه للجزية الغرض منه اشعاره بالصغار، فانه لنفس الغرض لا يتولى المناصب الرفيعة ولا يؤتمن على اسرار المسلمين.. فقد روي ان ابو موسى الاشعري اتخذ كاتباً نصرانياً، فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الا اتخذت حنيفياً؟ قال: يا امير المؤمنين لي كتابته وله دينه!! قال عمر: لا ادنيهم اذ ابعدهم الله!! ثم قرأ قوله تعالى "يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فانه منهم ان الله لا يهدي القوم الظالمين"!![9]
فهل يمكن لمثقف أمين ان يقول بان غير المسلم لا يتضرر بتطبيق قوانين الشريعة الإسلامية؟!
ومما يترتب على الجهاد اتخاذ الاسرى رقيقاً، ومع ان الإسلام وجد الرق سائداً في الجاهلية الا انه لم يلغه كما ألغى الزنا والربا والميسر وغيرها، وذلك لأنه فرض الجهاد فاضطر الى مجاراة عرف الحرب والاسر.. ولقد اقرت الشريعة الرق كنظام اجتماعي، وتعايش المسلمون الأوائل مع عبيدهم يبيعونهم، ويشترونهم، ويعتقونهم احياناً إذا لزمت أحدهم الكفارة.. ورغم ان الشريعة دعت الى حسن معاملة العبيد من الناحية الاخلاقية الا ان الوضع القانوني للعبد يجعله أقل في القيمة الانسانية من الحر، فمع انه انسان الا انه اعتبر مثل المتاع الذي يملكه سيده.. وقد اسرف الفقهاء في بيان ذلك بمستوى ينفر منه الذوق السليم.. فالسيد إذا قتل العبد لا يقتل، وإذا اصابه دون القتل يقدر المصاب بالقيمة المالية للعبد!! فقد ورد ان العبد "ان كسرت يده أو رجله ثم صح كسره فليس على من اصابه شيء فان اصاب كسره ذلك نقص أو عثل (جبر على غير استواء) كان على من اصابه قدر ما نقص من ثمنه"!![10]
وحين يتخذ الاسرى من الرجال عبيداً، يتخذ الاسيرات من النساء إماء، ويعتبرن مما ملكت يمين اسيادهن.. وقد اجازت الشريعة للمسلمين ان يعاشروا ما ملكت ايمانهم بغير زواج، فأصبح للمسلم الحق في معاشرة عدد غير محدود من النساء.. قال تعالى "والذين هم لفروجهم حافظون * الا على ازواجهم أو ما ملكت ايمانهم فانهم غير ملومين".. ويجوز للمسلم ان يبيع جاريته لغيره، وان يشتري غيرها من الجواري، يعاشرهن ثم يبيعهن مرة أخرى!! وهكذا نشأ سوق للجواري بجانب سوق العبيد، وأصبح نظام الاماء مثل نظام العبيد، نظاماً اجتماعياُ راسخاً مرتبطاً أيضاً بالجهاد!!)[11]..
وليس هذا امر تاريخي فحسب، فقد مارسته قوات الدفاع الشعبي حين اسرت الجنوبيين، فاسترقت الرجال واغتصبت النساء، على اساس انهن مما ملكت ايمانهم، مما اثار منظمات حقوق الانسان، وجعل اعادة الرق في السودان الخبر الاول، في مختلف وكالات الانباء، في منتصف التسعينات..
وانه لحق ان المسلمين كغزاة، كانوا أفضل من غيرهم من الغزاة، وارحم بالملل التي يغزونها.. وذلك لأن الإسلام كدين قدم نهجاً من التربية، والخلق برأ المجاهدين الاوائل، من اطماع الغزاة، الذين كانت توجه جيوشهم، رغائب الشهوة والتسلط، ولقد كان غزوهم خير، بما نشر من الدين ومكارم الاخلاق.. ولكن كل ذلك بمقاييس وقتهم، لا بمقاييس وقتنا الحاضر الذي يتحدث عنه د. غازي وهو يستخدم مفاهيما جديدة كالمواطنة وحقوق الانسان.. ومع انه لا أحد يتوقع من حكومة الجبهة، وقادتها أمثال د. غازي، ان يكونوا مثل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في العدل ورعاية حقوق الناس، الا ان عمر نفسه قد عقد معاهدة مع بعض النصارى، تعتبر غاية في الاجحاف وعدم المساواة، إذا ما قيست بالقوانين الحاضرة، أو مبادئ حقوق الانسان فقد جاء (ولهذا اشترط عليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه تلك الشروط المعروفة في إذلالهم وتصغيرهم وتحقيرهم وذلك مما رواة الائمة الحفاظ من رواية عبد الرحمن بن غنم الاشعري قال: كتبت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح نصارى من أهل الشام "بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب لعبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين من نصارى كذا وكذا إننا لما قدمتم علينا سألناكم الامان لأنفسنا وذرارينا واموالنا وأهل ملتنا وشرطنا على انفسنا الا نحدث في مدينتنا ولا فيما حولها ديراً ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب ولا نجدد ما خرب منها ولا نحي منها ما كان خططاً للمسلمين وان لا نمنع كنائسنا ان ينزلها أحد المسلمين ثلاثة أيام نطعمهم ولا نأوي في كنائسنا جاسوساً ولا نكتم غشاً للمسلمين ولا نعلم اولادنا القرآن ولا نظهر شركا ولا ندع اليه احداً ولا نمنع احد من ذوي قرابتنا الدخول في الإسلام ان اراده وان نوقر المسلمين وان نقوم لهم من مجالسنا ان ارادوا الجلوس ولا نتشبه بهم في زي من ملابسهم في قلنسوة ولا عمامة ولا فرق شعر ولا نتكلم بكلامهم ولا نتكنى بكناهم ولا نركب السروج ولا نتقلد السيوف ولا نتخذ شيئاً من السلاح ولا نحمله معنا ولا ننقش خواتيمنا بالعربية ولا نبيع الخمور وان نجز مقاديم رؤوسنا وان نلزم زينا حيث كنا وان نشد الزنانير على اوساطنا والا نظهر الصليب في كنائسنا ولا نظهر حلينا ولا كتبنا في شيء من طرق المسلمين ولا اسواقهم ولا نضرب نواقيسنا في كنائسنا الا ضرباً خفيفاً والا نرفع اصواتنا بالقراءة في كنائسنا في شيء من حضرة المسلمين ولا نرسل شعانين ولا بعوثا ولا نرفع اصواتنا مع موتانا ولا نظهر النيران معهم في شيء من طرق المسلمين ولا اسواقهم ولا نجاورهم بموتانا ولا نتخذ من الرقيق ما جرى عليه سهم من سهام المسلمين وان نرشد المسلمين ولا نطلع عليهم في منازلهم" قال: فلما أتيت عمر بالكتاب زاد فيه "ولا نضرب أحداً من المسلمين شرطنا لكم ذلك على انفسنا وأهل ملتنا وقبلنا عليه الامان فان نحن خالفنا في شيء مما شرطناه لكم ووظفنا انفسنا، فلا ذمة لنا، وقد حل لكم منا ما يحل من اهل المعاندة والشقاق")!![12]
فاذا كان هذا ما فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأهل الكتاب فهل يتصور عاقل ان الشريعة تحوي حقوقاً أكثر ضن بها عمر على أصحابها؟!
إن د. غازي ورفاقه من دعاة تطبيق الشريعة أمام احدى خطتين: اما ان يقولوا ان عمر قد اتى بهذه المعاهدة من نفسه، وفارق بها سماحة الشريعة، وظلم بها غير المسلمين، وإننا سوف لن نطبق مثلها أبداً.. ومثل هذا الزعم لا ينهض الا بإيراد نصوص الشريعة، التي خالفها عمر حين فعل ما فعل!! أو يقولوا انما طبقه عمر هو الشريعة، ولكنه لا يناسب وقتنا، ولعلنا لو نظرنا الى جوهر الإسلام، لوجدنا الدعوة للمعاملة بالحسنى.. وهذا حق، ولكن الدعوة للمساواة والعدل والسلام، وقعت في القرآن المنسوخ، فاذا أردنا تطبيقها لابد من بعثه من جديد، وهذا هو تطوير التشريع، الذي قلنا ان الاستاذ محمود محمد طه فصله في كتبه منذ الستينات!!