إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

تعقيب على مقال د. غازي العتباني مستشار السلام في حكومة الانقاذ
الحكومة هي المسؤول الوحيد عن فشل محادثات السلام !!

د. عمر القراي


٢١ يوليو ٢٠٠٣

الشريعة تتعارض مع الوحدة الوطنية!!


يقول د. غازي (الموضوع الثاني هو المطالبة بالعاصمة القومية واعتماد الاجماع الوطني قاعدة التشريع. بالنسبة للعاصمة القومية فقد سبق القول فيها وخلاصته ان الحكومة لا تدعو الى قومية العاصمة بل انها تدعو لأن تكون كل مدينة في السودان قومية ولا ترى منطقاً ولا رشداً او عدلاً في ان تكون العاصمة قومية بينما تظل بقية مدن السودان غير قومية. ان اختصاص العاصمة بالدعوة الى القومية لان بها مسيحيين يتضمن معنى انه لا بأس من هضم حقوق المسيحيين في غير العاصمة)[23]
وما قال د. غازي هنا حق، وهو ان السودان كله يجب ان يكون قومياً، ولذلك يجب ان يخلو من اي قوانين تقوم على اساس العرق، أو الدين، وهذا بطبيعة الحال يجب- خلافاً ما يرى د. غازي- ان يشمل حتى الشريعة الإسلامية!! على ان الموقعين على اعلان القاهرة، حرصاً منهم على الاتفاق، وما ينتج عنه من سلام، تنازلوا عن حقوق الاقليات، التي ستهضم في المدن الشمالية الاخرى، لقلة عدد هؤلاء.. ولم يستطيعوا اغفال شأن الاعداد الكبيرة التي تسكن العاصمة، ولذلك أصروا على قومية العاصمة..
والحق ان هضم حق مواطن واحد، يجب الا يقبل مهما كانت المبررات والاعذار.. ولهذا فاني ارى ضرورة عدم تطبيق قوانين الشريعة، في اي بقعة من بقاع الارض، اليوم، دع عنك السودان!! غير ان د. غازي يرى ان سبب عدم استثناء العاصمة، هو انه لا يوجد ما يستوجب ذلك، لان القوانين التي تقوم على الشريعة لن تهضم حقوق غير المسلمين، وهو فهم اوضحنا خطله، بما يغني عن التكرار.. وقول د. غازي (الفارق الاساسي بين الحكومة ومعارضيها في هذه القضية هو ان الحكومة تؤمن بكل صدق ان الإسلام والشريعة لا يتعارضان مع الوحدة الوطنية ولا مع حقوق غير المسلمين)!! وتجدر الاشارة الى ان الإسلام، بالفعل لا يتعارض مع حقوق غير المسلمين، ولكن الشريعة تتعارض وهي بذلك تهدد الوحدة الوطنية، وهي تتعارض ايضاً مع الديمقراطية وحقوق الانسان!!
يقول د. غازي (أما المطالبة بان يكون الاجماع الوطني وحده قاعدة التشريع فانه يثير مشكلات أكثر مما يطرح حلولاً. فالإجماع الوطني وحده في السياسة لن يكون اقل خلافية من جعل الاجماع الاصل الوحيد في اصول الفقه دون تقديم الكتاب والسنة.... هذا من الناحية النظرية. أما من الناحية العملية فنفس السؤال الذي اثاره علماء الاصول يثور هنا وهو من الذين ينعقد بهم الاجماع؟ وكيف؟ قد يجيب مجيب بانه جمهور المواطنين المستحقين للتصويت في استفتاء عام. وقد يجيب آخر بأنهم القوى السياسية وقد يجيب ثالث بأنهم اعضاء مجلس التشريع الاعلى الممثل للولايات والادنى الممثل للدوائر المباشرة. ولا تخفى التعقيدات العملية لكل اجابة. ويجب الاعتراف بان النتيجة العملية لأعمال هذه القاعدة ستكون بلا شك اسقاط الشريعة. وهذه هي الاسباب ذاتها التي جعلت واضعي الدستور الحالي دستور 1998 وفي مقدمتهم كما هو معلوم دكتور الترابي زعيم المؤتمر الشعبي ورئيس البرلمان السابق الذي اجاز الدستور الحالي يؤخرون الاجماع عن الشريعة التي هي مرجع المسلمين والعرف الذي هو مرجع المسلمين وغير المسلمين ليتقيد الاجماع بهما كليهما)!!
ان د. غازي يعترف هنا، جهاراً، بان احكام رأي الاغلبية سيؤدي الى اسقاط الشريعة!! فهم اذن يتحاشون اجماع الشعب، ليفرضوا الشريعة عليه رغم انها راي الاقلية!! ثم لا يستحون بعد كل هذا، ان يحدثوننا عن الديمقراطية، والعدالة والمساواة!! وهل يدعم موقف د. غازي ان د. الترابي وهو استاذه السابق، يوافق بل ويخطط، لتنفيذ هذا الاجراء الدكتاتوري، خاصة إذا علمنا ان دستور 1998 لم تجزه حكومة منتخبة انتخاباً حراً، وانما حكومة عسكرية، قامت بانقلاب واغتصبت السلطة!! فاذا وضعت مثل هذه الحكومة دستور، هل يمكن ان يكون ديمقراطياً؟! أكثر من ذلك!! هل يمكن ان تسرق السلطة، ثم يكون حكمك متفق مع الشريعة الإسلامية؟!
ان الشريعة لا تخضع للأغلبية، لأنها ليست نظاماً ديمقراطياً.. وهي لهذا السبب، لا تحوي دستور. ذلك ان الدستور هو القانون الاساسي، الذي يحفظ حق الحياة وحق الحرية.. والشريعة كما اوضحنا، لا تحفظ حق الحياة للكافر، الا ان يتوب.. ولا تحفظ حق الحرية، ما دامت تأمر بالجهاد وتسترق الاسرى!! وحين لم تتوفر الشريعة على الدستور، فان الإسلام في اصوله، يحوي ذلك ببعثه القران المنسوخ، والذي يلقى بموجبه الجهاد وكافة تبعاته، ويتساوى فيه المسلم وغير المسلم..
لقد اورد د. غازي بنود اتفاقية مشاكوس، وهي بنود لا يمكن الالتزام بها في ظل نظام يقوم على الشريعة الإسلامية، فمجرد البند الذي يقول (حرية العقيدة والضمير والعبادة لصاحب اي دين أو عقيدة والا يميز ضده على اساس عقيدته اعتبار الأهلية للمناصب العامة بما في ذلك رئاسة الدولة والتمتع بكل الحقوق والواجبات مؤسسة على المواطنة وليس على الدين أو الاعتقاد أو الاعراف)، لا يمكن ان يطبق في ظل دولة، تزعم بانها تطبق الشريعة الإسلامية.. فالشريعة لا تسمح بان يكون الكافر، رئيساً للدولة المسلمة، بل لا تسمح بان تكون المرأة المسلمة، نفسها، رئيساً اذ ان الشريعة جاءت ب "لا يفلح قوماً ولوا أمرهم إمراة "!!
فاذا كانت حكومة الانقاذ جادة في السلام، ولا تريد ان تستمر في افشاله بهذه الصورة المتكررة، فيجب الا ترفع دعاوى الشريعة.. ولتبدأ أولاً بمعاقبة الجماعات المتطرفة التي تكفر المواطنين، وتهدد حقهم في الحياة والتعبير.. لتثبت بذلك ان لديها فهماً، يختلف من جماعات الهوس الديني، ولتكن هذه مسؤولية د. غازي ما دام هو مستشار السلام، فان عجز عنها، فان قوله (ولكي يطمئن الناس بشتى طوائفهم واديانهم اود ان اؤكد ان المفهوم الذي تلتزم به الحكومة هو انها تفاوض عن السودانيين كافة المسلم والمسيحي والبر والفاجر. وان الاتفاق النهائي ينبغي ان يحقق العدل والمساواة والحرية لجميع السودانيين لأن في هذا الخلاص الحقيقي) يصبح من ضمن الهراء، والتضليل، الذي مردت عليه هذه الجماعة المفتونة، المخادعة، منذ ان كانت تسمى جبهة الميثاق الإسلامي، وحتى اصبحت المؤتمر الوطني!!

د. عمر القراي


________________________________________
[1] - غازي صلاح الدين: عبقرية الاخفاق في معالجة قضية الشريعة. الصحافة 5 يوليو 2003
[2] - المصدر السابق.
[3] - المنجد في اللغة ص 382
[4] - المصدر السابق ص 383
[5] - غازي صلاح الدين: عبقرية الاخفاق في معالجة فضية الشريعة. الصحافة 5 يوليو 2003
[6] - المصدر السابق.
[7] - تفسير ابن كثير الجزء الثاني ص317 -318
[8] - تفسير ابن كثير –الجزء الثاني ص 132
[9] - المصدر السابق.
[10] - راجع موطأ الامام مالك باب الرقيق.
[11] - عمر القراي: حول مقالات د. عبدالله علي ابراهيم في الدفاع عن الفقهاء وقوانيننهم – سودانايل مايو 2003
[12] - تفسير ابن كثير –الجزء الثاني ص 132
-[13] غازي صلاح الدين: عبقرية الاخفاق في معالجة فضية الشريعة. الصحافة 5 يوليو 2003
[14] - المصدر السابق.
[15] _المصدر السابق
[16] -المصدر السابق
[17] -المصدر السابق
[18] - المصدر السابق.
[19] - المصدر السابق
[20] - المصدر السابق.
[21] - المصدر السابق
[22] - المصدر السابق
[23] - المصدر السابق