هل هذه هي مصر؟
ولكن عندما وصلنا محك التنفيذ، فإن مطلبنا البديهى من وجهة نظر الثقافة العامة، التي تحترم حق التعبير، وترحب بوجهات النظر المختلفة، قد ووجه بتخوف غريب، ففوجئنا بحقيقة مؤسفة.. وهي أن الصحفيين والمثقفين المصريين يرهبون المشايخ، ويخافون منهم للحد الذي يجعلهم يتخلون تماما عن مسئولية الثقافة، وعن واجب التوعية، ويتنكرون حتى لأعراف صحفهم كما حدث في صحيفة "الأهرام". إن اتجاه المشايخ للإرهاب أمر مفهوم ومنسجم مع مستواهم وتفكيرهم البابوي، فإن من لا يقدم للناس في الثلث الأخير من القرن العشرين الاّ قانون العقوبات، والحدود، لا يملك اسلوبا غير الإرهاب، يحمى به فهمه المبتور، واتجاهه المتخلّف، ليفرضه على الآخرين فرضا، ولكن المثقفين يعرفون عن حقائق العصر، وعن حاجات الإنسان المعاصر، ما يجعلهم مسئولين عن ذيوع هذا الفهم المتخلّف، حين يجبنون ولا يحتملون مجرّد مسئولية عرض وجهة النظر المخالفة، فقد ناقشنا كبارهم وعرضنا عليهم وجهة نظرنا، في شمول الإسلام، وموقف الإسلام من الإنجازات الإنسانية، وتقويمها وتتويجها، فكانوا يستحسنون هذا الإتجاه ويرون فيه أملا ورجاء، ولكن لرهبتهم، ولخوفهم من المشايخ فإنهم عند عرض وجهة النظر الأخرى في الدين، يتخلّون عن ثقافتهم، ويفكرون بعقليات المشايخ، ويتوقعون مواقف المشايخ ويعملون لها حسابا قبل وقوعها، ولا ندرى هل المثقفون لم تعد عندهم مكانة للفكر ولحرية التعبير تستحق أن نتعرّض لغضب المشايخ في سبيلها؟ أم أن محنة روز اليوسف هي التي أشاعت بينهم هذا الرعب إذ أن مناقشة روز اليوسف لشيخ الأزهر جرّت عليها سلسلة من الإتهامات وحرّكت ضدها المساجد.
والمثقفون بدلا من أن يقفوا مع حق التعبير، والحق الديني، والطبيعي في مناقشة أي انسان، ولو كان شيخ الأزهر! نجد أن بعضهم ممّن بيدهم الصحف أخذوا ينشرون صور الإرهاب، والإتهامات، ووقف بقية المثقفين يتفرجون..
فتلك المواقف التي وقفتها الصحف من دعوتنا للحوار الموضوعي، بلغت فيها عقدة الخوف من المشايخ حدا جعلنا نتساءل هل هذه هي مصر الثقافة، والصحافة، وحرية التعبير، وحرية الكلمة؟! ومن كان يصدق أن كبريات الصحف في مصر تخرق عرفها الصحفي، وتتنّكر له خوفا من غضب المشايخ.