هل هذا هو الإسلام؟
ان وفد الأخوان الجمهوريين بمصر قد شاهد ما يمكن أن يلاحظه قارىء الصحف المصرية من أن هناك انتعاشا غريبا ومريبا "لرجال الدين" وهو يتمثل في دعوتهم الملّحة لتطبيق شريعة الحدود باسم الإسلام، وعلى اعتبار أنها هي الإسلام، وأن هذا هو حل الإسلام لمشاكل الاقتصاد، والاخلاق.. فقد نشرت جريدة الاهرام بالبنط الكبير: الإمام الأكبر يقول: ((سوف تمتنع السرقة نهائيا إذا قطعنا يد سارق واحد)) فكان هذا هو عنوان لحوار أجرته صفحة الفكر الديني، بصحيفة الاهرام مع ((الإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الجامع الأزهر)) وقد قال "الإمام الأكبر": -
((إن تطبيق الحدود هو العلاج الوحيد لما نراه من انتشار الجريمة وسوف تمتنع السرقة نهائيا إذا قطعنا يد سارق واحد)) والإمام الأكبر يستبشر بأن مشروع قانون لتطبيق الشريعة قد قدّم لمجلس الشعب، وأن وزارة العدل قد ألّفت لجانا لتضع المشروع.. ((ووزير الإعلام)) كما يخبرنا شيخ الأزهر يعلن أن أجهزة الإعلام موجهة الآن لنشر القيم الأخلاقية، توطئة لجعل الشريعة مصدر القوانين، ويعلن الشيخ الدكتور سبق الأزهر، وأنه قد ألف لجانا منذ أكثر من سبع سنوات لتقنين الشريعة، وأن هذه اللجان تعمل الآن في القانون الجنائي، وتوشك أن تنتهي منه، وشيخ الأزهر يرى أن يطبق قانون الحدود فورا، وأن أي تأخير في ذلك يعتبر تمييعا للأمر لا يقول به مؤمن صادق الإيمان.. وطبعا للحدود الإسلامية قيمتها وحكمتها البالغة حين تطبق مع الهيكل الإسلامي ككل متكامل، ولكن الدعوة في مصر قائمة لتطبيق قانون الحدود على اعتبار أن هذا هو الإسلام، وهذه هي مساهمته في حل مشاكل الإنسان المعاصر، وهذا الاتجاه تشويه صارخ للإسلام، يجعله مجرّد عقوبات، وروادع، يستغلها الحكام لترويض الشعوب، وقهرها واسكات صوتها، كما هو حاصل في بعض البلاد "الإسلامية" فكأن الدعاة السلفيون لم يكتفوا بسوأتهم القديمة في تجريد الإسلام من محتواه الاجتماعي، وعزله من حياة الناس، ومن مطالب وطموح الإنسان العادي، بل رأوا أن يأخذوا من الدين جزء العقوبات، وحده، لتدعم به الأوضاع القائمة. أما محتوى الإسلام السياسي، وما يوفر من حرية وكرامة للإنسان العادي، وأما محتواه الاقتصادي، ومدى ضمانه للدخل الكريم لأي مواطن، لدرجة تحفظ عليه كرامته البشرية، وأما رأى الإسلام في ملكية وسائل الإنتاج، وفي المساواة الاجتماعية، التي تلغى التمايز الطبقي والعقائدي، والتمايز بين الجنسين، فهذه مسائل تهم المواطنين أساسا ولكنها شائكة وخطرة، لأنها تتأثر بها جهات عليا، ولذلك تركت لقيصر.. وأنصرف المشايخ للمطالبة بتطبيق قانون الحدود، لأن هذا يقوم على قطاعات الكادحين، والعاديين، الذين لا خوف منهم، ولا خطر... وهذا أقرب طريق، وأرخص طريق، للظهور بمظهر الحرص والغيرة على الإسلام، بدون ثمن يذكر، بل أن السلطات العليا قد ترضى عن هذا الاتجاه وتستفيد منه في استقطاب العواطف الدينية، أو في ترويض البسطاء وتضليلهم، كما تفعل بعض الدول العربية، ولكن المشايخ حين يتحدثون عن حل الإسلام للمشاكل الاقتصادية فانهم يرون أن هذا الحل لا يتعارض مع الحل السياسي المطروح الآن تحت شعار "حتمية الحل الاشتراكي في تحقيق العدالة الاجتماعية والسلام الاجتماعي والوحدة الوطنية" إذن فهذا الجانب معلن من السلطة ولم يبق الا تطبيق الحدود لتكتمل صورة الإسلام، وهذه الفقرات نقلناها من حديث للدكتور عبدالمنعم النمر وعبدالمنعم النمر هذا هو أمين عام مساعد مجمع البحوث الإسلامية..
وبالطبع لا يمكن أن يكون هذا هو الإسلام، ولا يمكن الإساءة للإسلام بأبلغ مما تجرده من ميّزه وجوهره، ومحتواه الاجتماعي، وتقدمه كقانون عقوبات.. ولذلك ودفاعا عن الإسلام حتى لا يشوه بهذه الصورة المؤسفة، ويستغل هذا الاستغلال البشع، فقد رأى الأخوان الجمهوريون أن واجبهم الديني والإنساني يحتم عليهم عرض الإسلام في محتواه الشامل الكامل، الذي يوّفر للمجتمع المساويات الثلاث، السياسية، والإقتصادية والإجتماعية، ليكون هذا المجتمع وسيلة واسلة، لإنجاب الأفراد الأحرار. إذ أن أي فرد هو غاية في الإسلام، وما النظم والرسالات، الا وسائل لتمكين الفرد من ممارسة حريته، ليحقق بها فرديته، وقد طرحنا هذا التصور الجديد، الشامل، على عدد من الكتّاب، والمفكرين، والمهتمين بمستقبل الإنسان، ومن بيدهم الأقلام، ورأوا في هذه المحاولة ما يستحق التشجيع، والدراسة، والتّفهم، خاصة وهي محاولة مؤسسة، قد تمكنّت في خلال ثلاثين سنة، أن تقدم تفاصيلها وأسسها، في مراجع فاقت التسعين مؤلفا، وبادرنا بتقديم المحتوى الذي نراه للصحف للنشر، لا ليبينوا رأينا، ولكن ليفتحوا حوارا موضوعيا نكون نحن أحد طرفيه، ولمصلحة الدين، ولمصلحة المواطنين، ولمصلحة الوعي، يجب ألاّ تعامل تلك الصورة الشائهة، باعتبار أنها الإسلام، وليست هناك رؤية تغايرها، أو وجهة نظر أخرى تخالفها..