إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

أئمة بلا ايمان
عبد الرحمن عبد السلام آخر النماذج

رجال الدين ومحكمة كوستي وشهادة الزور!!


في هذا المجال الضيف فإننا نورد لقرائنا الكرام، بعضا من أقوال الإئمة والوعاظ ومعلمي الدين في قضية "الشيخ" سعد الدين سالمين بمدينة كوستي، فقد كان مثلا عجيبا في الإرتباك والتناقض بل والكذب الصريح... ونحن نوردها نقلا عن كتابنا "قضايا كوستي هدية لشعبنا"، وهي في الأصل مأخوذة من مضابط المحكمة.
لقد ورد في حيثيات قاضي الإحالة في محاكمة"الشيخ" سعد الدين سالمين ما يلي: - ((ذكر المتهم عند استجوابه في يومية التحرّي أنه قال للمصلين "عليكم مقاطعة هذه الفئة الضالة.. وأقصد بها محمود محمد طه وجماعته)) واقر للمتحرّي بأنه قال للمصلين ((الفئة الضالة تركت الأندية ودخلت الجوامع والمساجد.))
لقد استطاع شهود الإتهام أن يثبتوا أن المتهم قد حرّض الناس على قتل الجمهوريين وقد قبلت المحكمة إفادات شهود الإتهام، وأحالت المتهم لمحكمة كبرى، ولقد جرى قرارها على النحو الآتي: - ((((أنت متهم بأنك في الفترة، ما بين 26/10/1973 و 19/11/1973 تقريبا، وفي مساجد مدينة كوستي، حرضت الناس على قتل أتباع محمود محمد طه، والمعروفين باسم الجمهوريين. هذا العمل يخالف أحكام المادة (90) من قانون عقوبات السودان، تبرر احالة المتهم للمحاكمة أمام محكمة كبري.
يحال المتهم للمحاكمة أمام محكمة كبري تحت المادة (90) من قانون عقوبات السودان)).
لم يستطع المتهم مواجهة مسئوليته أمام المحكمة الكبرى، بل أنكر بصورة متناقضة، وأتى بشهود زور من الوعاظ والأئمة ومعلمي الدين ولكن المحكمة رفضت هذه الأقوال المتناقضة، وأخذت بشهادات شهود الإتهام من الجمهوريين لصدقها ولتماسكها... وحتى لا ينسى شعبنا فإننا نضع تلك الأقوال بين يديه، فلنتأملها جميعا مليّا ولنأخذ منها العظة والدرس!!
قال "الشيخ" سالمين وهو معلم دين أمام المحكمة الكبرى: ((ما تحدثت عن الجمهوريين، ولم أعدهم في الفرق الضالة.))، ولما حاصره القاضي بالاسئلة قائلا: ((أبدا انت في أحاديثك ذكرت فئة معينة، تركت الأندية ودخلت الجوامع؟)) اضطر الشيخ ليقول: ((أنا كنت أقصد الفرقة التي كانت تحمل، أفكار محمود محمد طه)) ثم ذهب الشيخ ليناقض نفسه ويقول ((ما حصل تحدثت عن جماعة تبيع الكتب، أو تدخل الجوامع)).. إن هذه الأقوال المرتبكة تتحدث عن نفسها ولا تحتاج منا لتعليق..
ونورد فيما يلي شيئا من أقوال شهود دفاع سالمين منقولة من الصفحات 35، 36، 37 من كتابنا "قضايا كوستي هدية لشعبنا، لكيلا يخدع عن حقيقة من يتصدّون لتعليمه دينه" الصادرة الطبعة الأولى منه في عام 1975: -

الشاهد الأول: محمد أحمد الفكي رئيس الشئون الدينية بكوستي وضواحيها.
بعد أن أدي اليمين ذكر في أقواله إن المتهم فسر الحديث موضوع الدعوة للتحريض بقوله إن القتل الوارد فيه يكون بيد الحاكم وليس بأيدي المواطنين، قال هذا كذبا وزورا ليخلص صاحبه من وزر الجريمة التي تواجهه، ولكن المحكمة لم تأخذ بشهادته، لأن هذا الدفع متناقض مع نص الحديث ومع الحال التي كان عليها المصلون بالمساجد.. هذا بالاضافة الي أن شهادات شهود الاتهام التي أخذت بها المحكمة لم تفد عن شرح ورد المتهم في هذا الصدد.
لقد قال هذا الشاهد على اليمين: - ((ما سمعت المتهم يتعرّض للجمهوريين أو محمود محمد طه بل كان حديثا عاما)).. نرجو أن يقارن القاريء الكريم بين قول هذا الشاهد وقول المتهم نفسه المشار اليه آنفا: ((أنا كنت أقصد الفرقة التي كانت تحمل أفكار محمود محمد طه))..

الشاهد الثاني: أبوبكر عبد الله – مدرس دين بالثانويات العليا.
بعد أن أدي اليمين، ذهب مذهب الشاهد الأول، حيث قال إنه سمع المتهم يشرح الحديث ويقول عن القتل الوارد فيه، أن يكون بيد الحاكم... ومع أن شهادة هذا الشاهد لا تفيد المتهم شيئا، حيث أن الشاهد سمعه بجامع الأحمدية، وجامع الأحمدية ليس من الجوامع التي اقيمت عليه بها دعوي التحريض.. هذا من ناحية ومن ناحية أخري فان هذه الشهادة أيضا لم تأخذ بها المحكمة لتناقضها مع مقتضي الحال بالمساجد، لأن المصلين لا يعنيهم كثيرا أن يحدثهم أمامهم بحديث يخص الحاكم، كما أن الأجر المذكور في الحديث لا بد أن يكون خاصا بالمصلين لهذه الأسباب لم تأخذ المحكمة بهذه الشهادة، ثم أن الشاهد الثاني هذا اعترف بأنه أول الموقعين على عريضة معارضة كوستي التي كتبها سالمين ودعا لها، ثم قدمت للسلطات السياسية والقضائية والتنفيذية بالبلاد، أملا في القضاء على الجمهوريين، والا فعلي المسئولين وحدهم تقع مسئولية ما سيحدث... فدلت هذه أيضا على غرض الشاهد في الدفاع عن صاحبه.
ومن الغريب في أمر هذا الشاهد أنه قد قال: ((المتهم لم يذكر فرق بعينها)).. كذا!!

الشاهد الثالث: الشيخ محمد الطيب امام الجامع الكبير.
بعد أن أدي اليمين ذكر في جملة ما ذكر أن سعد الدين سالمين لم يتحدث قط في الجامع الكبير، فسأله رئيس المحكمة عما إذا كانت هناك أسباب تمنعه من الحديث في الجامع الكبير؟ فأجاب الشاهد بأن سعد الدين سالمين هذا من العلماء وليس هناك سبب يمنعه، الا أنه لم يتفق له الحديث به.. قال هذا في الوقت الذي يقر فيه المتهم نفسه بأنه تحدث في الجامع الكبير يوم 9/11/73 وكما وردت في ذلك شهادة شهود الاتهام.. هذا بالاضافة الي أن شاهد الدفاع هذا قد ذكر قبل الآن بأن سعد الدين سالمين تحدث في الجامع الكبير أثناء غيابه بالخرطوم وبحضور نائبه حسب القوي!! فماذا نفهم من قصد هذا الشاهد وماذا نفهم من هذه الشهادة التي أدلى بها شيخ تجاوز السبعين من عمره.
إن سالمين نفسه وإن كان قد أقرّ بحديثه في الجامع الكبير الاّ أنه قد حاول تطفيف أقواله بصورة كان يعتقد أنها لا توقعه تحت طائلة الإدانة... وهيهات!!

الشاهد الرابع: محمد محمد نور تاجر وامام جامع عثمان موسي.
ذهب بعد أن أدي اليمين مذهب زملائه في أن سعد الدين محمد سالمين المتهم شرح الحديث وقال ((ان القتل يكون بيد الحاكم)) هذا وقد اتضح للمحكمة أيضا انه من الموقعين على عريضة سعد الدين سالمين، فذهبت شهادته مذهب شهادات زملائه حيث لم تأخذ المحكمة بها جميعا بسبب من الاعتبارات التي ورد ذكرها فيما تقدم.
ومن العجائب والغرائب في شهادة هذا الشاهد أنه وبعد أن أدي اليمين قال في اجابته على اسئلة الأستاذ أحمد سليمان دفع السيد ممثل الاتهام، بأنه لم يحدث شغب بجامع عثمان موسي يوم 31/10/73، كما لم يقع ضرب أو شتم أو خنق أو اساءة بالفاحشة في ذلك اليوم كما نفي عن نفسه أنه قال لقاريء القرآن ((أوجز))!! في الوقت الذي حصل فيه كل ذلك وقامت عليه البينة بالمحكمة.
أنكر هذا الشاهد أيضا وبعد أدائه لليمين، وهو امام مسجد يؤم الناس للصلاة، قال ان محمد الحسن الطاهر لم يتحدث قط للمصلين في جامع عثمان موسي، في الوقت الذي حصل فيه ذلك وعلى عيون الاشهاد وبحضور الشاهد شخصيا، حيث قام مهنئا للأخ محمد الحسن الطاهر على طيب حديثه الذي سمعوه!!
أيضا لجلج هذا الشاهد في الاجابة على سؤال للأستاذ أحمد سليمان ممثل الاتهام حيث سأله ان كان محمد الحسن الطاهر وأخوانه من الجمهوريين قد زاروه في منزله أو دكانه وعرضوا عليه فكرتهم في الدعوة للدين، فتنصل عن الاجابة طالبا تحديد الجهة التي حصل فيها اللقاء، فتدخل القاضي، وأمره بالاجابة، لأن السؤال واضح ومحدد وما عليه الا أن يجيب ان كان قد حصل لقاء في واحد من هذين المكانين، فأجاب أخيرا بأن ذلك قد حصل في منزله!! ومن المسائل الذكية ان الأستاذ أحمد سليمان ممثل الاتهام طلب من هذا الشاهد أيضا أن يحكي للمحكمة من أقوال المتهم التي سمعها بالمسجد، غير التي تعلقت منها بتفسير أن ((يكون القتل بيد الحاكم))!! فأجاب الشاهد بأنه لم يذكر شيئا غيرها!!

هذه مجرّد أمثلة ويمكن للقاريء الكريم أن يلتمس المزيد من التفصيل في كتابنا "قضايا كوستي هدية لشعبنا، لكيلا يخدع عن حقيقة من يتصدّون لتعليمه دينه"..
ماذا بقي لهؤلاء الأشياخ بعد هذا؟؟ وما عذر الشعب في أن يسمع منهم بعد هذا؟؟
بقي أن نعلم أنه وبعد محاولات "التلفيق" آنفة الذكر فإن المحكمة الكبرى قد أدانت هذا المتهم، ومما جاء في حيثياتها:
((المتهم ذكر أنه يقصد بالفئة البهائية... الخ ولكن هذا قول مردود لأنه لم يثبت للمحكمة أن جماعة ما، تنادي بالبهائية، أم خلافها ارتادت جوامع كوستي)) ثم مضت المحكمة لتقول: ((ويمكن دحض ما قاله المتهم، في أقواله السابقة كذلك، فقد أفاد المتهم انه سيتصل بالمسئولين لمنع هذه الفئة من نشر دعوتهم، والا فليتحمل المسئولون النتيجة.. هذا التنويه يستقيم وتفسير رواية الاتهام، لأن معني تحميل المسئولين النتائج.. هو أن الجمهور يقوم بمنع هذه الفئة، دونما اللجوء للسلطات)).. ((لما تقدم تقرر المحكمة.. ان المتهم حرض المصلين، في جوامع مختلفة بكوستي، في الفترة من 26/10 – 2/11، بقتل جماعة، تدعي الجمهوريون))