إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

أئمة بلا ايمان
عبد الرحمن عبد السلام آخر النماذج

ما حدث في كوستي تكرّر في مدني


قضيتنا موضوع هذا الكتاب، حدث فيها ما حدث، في مدينة كوستي من كذب ومن مراوغة، غير أن المتهم في هذه المرة، وهو "الشيخ" عبد الرحمن عبد السلام، قد قام بتمثيل دور الشهود الأربعة في قضية كوستي.. وقد أعانه على ذلك شاهد واحد يدعى مصطفى خالد من الطريقة "التجانية" وهي "طريقة" المتهم نفسه فيما يبدو..
الواعظ عبد الرحمن عبد السلام مفتش الخلاوي بمدينة ود مدني أنكر أنه تهجّم بعصاه على الأخ الجمهوري خيري أحمد خيري وقال إنه يعف أن يضرب بعصاه الجمهوريين لأنه يعتلي بها المنابر.. هذا ما قاله المتهم للمحكمة.
أما المحكمة فقد قالت الآتي: - ((هل تعمّد الجاني استعمال القوة الجنائية مع الشاكي دون استفزاز شديد ومفاجيء؟ والمحكمة تجيب على ذلك بنعم. إذ أن شاهد اتهام (2) وشاهد اتهام (3) وشاهد اتهام (4) أكدوا على اليمين أن المتهم أهوى عمدا بعصاه على ظهر الشاكي خيري أحمد خيري وأن ذلك لم يكن نتيجة استفزاز شديد إذا اعتبرنا أن معيار الاستفزاز موضوعي)) بقي أن يعلم القاريء أن هذا المتهم قد ذكر نفس هذه الأقوال في بلاغ آخر رفعه ضده الأخ عزالدين دالي والبلاغ الآن موضوع احالة أمام محكمة كبرى.
أما عن الكذب الضار فيكفي أن نورد قول السيد قاضي جنايات ود مدني ((هل تضمنت العبارات التي صدرت من المتهم أخبارا كاذبة؟ والمحكمة تجيب على ذلك بنعم)).. لا نوّد أن نخوض في المزيد من التفاصيل ولذا فإننا نحيل القارئ الكريم الى متن الكتاب ليقف على الحقيقة بنفسه.

محامي الدفاع ومهزلة الردة


ومن أعجب الأمر في قضية مدني أن محامي الدفاع الأستاذ الشيخ صالح سليمان قد قال في مرافعته: ((أما مسألة أنتم كفار وأحللتم المحرمات وما شاكلها، من قول نسب للمتهم – إن صحّ – فقد اجتمعت محكمة دستورية أعلنت إرتداد زعيم الجمهوريين عن الإسلام، ومن بعد الخروج عن الإسلام تأتي الذنوب تباعا إذ ليس بعد الكفر ذنب))
إن رجلا يقول مثل هذا الكلام لا بدّ أن يكون جاهلا بالدستور، ولا بدّ أن يكون جاهلا بالدين، وبصورة أكبر بما لا يحتمل القياس... ونحن لا نريد أن نشق على محامي الدفاع، فنأخذه مأخذ الجد في أمر الدين، ولكننا سنأخذه مأخذ الجد في موضوع الدستور، إذ أن الدستور من المفترض أن يكون في مجال معرفته بحكم المهنة.
أولا: من الذي أخبر محامي الدفاع أن محكمة الردة قد كانت محكمة دستورية؟؟ ألا يعلم السيد المحامي أنه لا يوجد في قوانين السودان قانون اسمه الردة؟؟ الا يعلم السيد المحامي أنه لا توجد محكمة على إطلاق المحاكم الدستورية تملك حق اعلان ردة أي شخص... إذ أن الدستور وبالضرورة قد نصّص على الحقوق الأساسية بما في ذلك حرية العقيدة.. إن كان السيد المحامي لا يعلم كل أولئك فمن الخير له أن يعلم الآن.. فإنه قد ولى وقت التضليل.
ثانيا: محكمة الردة مرفوضة شكلا وموضوعا من الناحية الدستورية أضف الى ذلك أن محكمة الردة قد كانت محكمة فاسدة حتى فيما قامت به من إجراءات باطلة فقد ذكر المدّعي في محكمة الردة في كتابه "نقض مفتريات محمود محمد طه" أنه قد اتصل بقاضي محكمة الردة قبل انعقاد المحكمة وأتفق معه على الإدانة مسبقا.. فما رأي السيد المحامي؟ أضف الى هذا أن قاضي القضاة نفسه قد أيّد محكمة الردة على الصحف السيارة بعد ثلاثة أيام من حكمها، وهو السلطة الإستئنافية.. فأي دستور يتحدّث عنه السيد المحامي..
أضف الى هذا وذاك أن هذه المحكمة الدستورية على حد تعبير محامي الدفاع لم تفحص أقوال شهود الإدّعاء ولم تراجعها من مصادرها بل قبلتها وهي أقوال سماعية!!
إن كل قانوني يحترم ثقافته لا بدّ أن يتوارى خجلا من هذه المحكمة الهزيلة التي سوّدت صحائف القضاء السوداني سوادا لا ينمحي يد الدهر... ومع هذا فإن السيد محامي الدفاع أراد أن يستر بها عري موكله الذي عجز عن اثبات صحة أقواله، فاتخذ من هذا العجز فضيلة فقال: ((ليس بعد الكفر ذنب))
إذن من رأي السيد المحامي أنه يمكن أن يجتمع خصوم سيساسيون يعلنون كفر مخالفيهم في الرأي في محكمة فاسدة يسمونها محكمة دستورية ثم بعد ذلك يستطيع هؤلاء الخصوم الخوض في الأعراض بالكذب والبهتان دون أن تكون عليهم مساءلة قانونية فإن الكذب على الخارج على الإسلام ليس ذنبا في القانون الدستوري المزعوم الذي يتحدّث عنه محامي الدفاع. وإذا مدّدنا عبارات محامي الدفاع فإنه يمكن للمسلم أن يعتدي على مال وعلى دم مخالفه في الرأي فإنه من فقه محامي الدفاع أيضا أن الكافر حلال المال، وحلال الدم...
إن حديث السيد محامي الدفاع لحديث بعيد وبعيد ولولا أنه مثبت في متن هذا الكتاب لما تعرضنا اليه بهذا التوّسع إذ أنه في حقيقة الأمر لا ينطوي على أي قيمة علمية أو قانونية...
وبطبيعة الحال فإن محكمة الموضوع لم تلق بالا لمثل هذا النوع من الدفوع.