إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

هؤلاء هم الأخوان المسلمون
الجزء الثالث والأخير

الفصل الرابع
الأخوان المسلمون من الغزو الأجنبي الى المصالحة الوطنية



آثار الغزو الأجنبي:


وضعت (الجبهة الوطنية)، التي كانت تضم الاحزاب الطائفية، بما فيها تنظيم الأخوان المسلمين، كل ثقلها في عملية الغزو الأجنبي، كفرصة أخيرة في الاستيلاء على السلطة بعد فشل محاولات الانقلابات العسكرية، واعمال الشغب من الداخل..
وعن الصورة التي تم بها الاعداد والتنفيذ لعملية الغزو وعن آثارها تروى جريدة الصحافة بتاريخ 18/8/1976 مما جاء في محكمة أمن الدولة لمحاكمة الصادق المهدى والشريف الهندي وآخرين ما يلي:
(وقد جاء في ورقة الادعاء ان المتهمين قد جمعوا افرادا واقاموا معسكرات تدريب بأراضي دولة اجنبية وتلقوا من تلك الدولة المدربين والمال والسلاح والذخيرة والمؤن. كما أنهم وحتى اليوم الثاني من شهر يوليو 1976 قد اوفدوا بمن جندوهم ودربوهم وسلحوهم في أراضي تلك الدولة الاجنبية الى داخل الأراضي السودانية حيث قاموا بالاتفاق والتآمر معهم بمهاجمة المدن الثلاث الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري والمناطق العسكرية فيها بالأسلحة والذخائر فقتلوا وجرحوا مئات المدنيين والعسكريين وخربوا المنشآت العامة والخاصة بهدف الاستيلاء على السلطة بالتعاون مع المتآمرين من داخل البلاد)
وعن تكلفة عملية الغزو، والاعداد لها، جاء في جريدة الصحافة يوم 5/7/1976 ما يلي: (تحدث الرئيس القائد عن الغزو الأجنبي الرجعى قائلا إن هذه الحملة قدرت تكلفتها بما لا يقل عن خمسين مليونا من الجنيهات وأنها استنفدت وقتا وجهدا كبيرين وأن المتآمرين يعرفون كل شيء عن العمل العسكري)..
وعن الاسلحة التي استخدمت في عملية الغزو جاء في خطاب الرئيس نميري الذي ألقاه أمام مؤتمر القمة الأفريقي في مورشس (جريدة الصحافة يوم 7/7/1976):
(ولقد بدأت قوات الغزو تباشر أولى مهامها بإطلاق نيران كثيفة استهدفت شخصي والوفد المرافق لي وجميع كبار المسئولين السياسيين والتنفيذيين الذين كانوا في استقبالي. وبتدخل من عناية الله وحده فشلت قوات الغزو الأجنبي في تنفيذ أولى مهامها إلا أنها انتشرت بعد ذلك وبأعداد تقدر في مجموعها بألفي شخص على الأقل.. وقد بدا واضحا منذ اللحظة الاولى أن تلك القوات قد جرى تدريبها على مستوى عال، كما أن السلاح الحديث والمتطور للغاية الذي استخدمته لا يتوافر للقوات السودانية ولا لأغلبية الدول الافريقية الفقيرة)..
وعن اسلحة الغزو جاء في جريدة الصحافة يوم 31/7/1976 ما يلي: (وتحدث الشاهد – شاهد الاتهام أمام محكمة أمن الدولة لمحاكمة المتهم الاول- عن السلاح وعرض منه نماذج على المحكمة، وقد شمل: 227 بندقية كلاشنكوف، 48 قاذف آر. بى. جى، 50 مدفع رشاش بمسند، 73 بندقية اف. ن بلجيكية الصنع، 73 رشاش برتا.... الخ)
وعن الخسائر التي نجمت عن الغزو جاء في جريدة الصحافة يوم 31/7/1976: (وتحدث الشاهد عن الخسائر التي نجمت عن الغزو الأجنبي موضحا ان مجموع الشهداء من الضباط تسعة والمصابين من الضباط سبعة وان الشهداء من ضباط الصف والجنود بلغوا 73 شهيدا والمصابين من ضباط الصف والجنود 78 مصابا والمفقودين من قوات الشعب المسلحة بلغوا 15 مفقودا. وعرض الشاهد على المحكمة صور القتلى من المدنيين وصورا من التخريب الذي مارسه الغزاة متحدثا عن تخريبهم للإذاعة وكيف دمروا كل المدرعات التي كانت فيها، كما تحدث عن تدمير بعض المدرعات في الشجرة وحرق بعض الطائرات في وادي سيدنا والتخريب الذي حدث في دار الهاتف وإحدى عمارات التعاون بالجيش وواجهة القيادة العامة. حتى الممتلكات الخاصة لم تسلم من تخريبهم)..
وعن الخسائر في الارواح والممتلكات جاء في مرافعة الاتهام أمام محكمة أمن الدولة بأم درمان لمحاكمة 39 متهما من المشتركين في عملية الغزو ما يلي (واكد ان مئات من الشهداء اهدرت دماؤهم اشباعا لرغبة في القتل كامنة في نفوس المتهمين، ولم يكتف المتهمون بتقتيل الناس بل تمادوا واعملوا التخريب في كثير من المنشآت مما ترتب عليه خسائر مادية هائلة بلغت مئات الملايين من الجنيهات) – جريدة الصحافة يوم 31/7/1976.
وعن أحدى صور التقتيل البشعة التي ارتكبها الغزاة جاء في كتاب (لجنة الاعلام والتوجيه في الاتحاد الاشتراكي) تحت عنوان (الغزو الرجعي الليبي للسودان) صفحة 46: (وقد كانت أبشع تلك الصور المجزرة الدموية التي قام بها أحد المرتزقة داخل جراج حصد فيها ارواح 16 مواطنا بريئا اعزل. هذا السفاح، واسمه بحر، لا يتجاوز عمره السادسة عشر ذهب الى اثيوبيا عام 1972)!!
هكذا كانت عملية الاعداد، والتنفيذ للغزو... وهكذا كانت آثاره على أرواح المواطنين، مدنين وعسكريين، وعلى الممتلكات العامة والخاصة.. وذلك مما يدلل على ما كانت تضع (الجبهة الوطنية) في هذه العملية من ثقل، وما تعلق عليها من نتائج.. واستطاع الجيش السوداني ان يحبط العملية في يومها، برغم عنصر المباغتة، وتفوق التسليح.. ومن جهة أخرى، ابدى الشعب السوداني استنكاره لهذه العملية من الزاوية الاخلاقية، ومن الزاوية السياسية، معا، كممارسة في المعارضة غريبة على تقاليده، برز فيها عنصر الغدر، والعمالة، بوضوح شديد، فكان أقل مواقف الاستنكار التي اتخذها الشعب نحو العملية هو السلبية التامة، وعدم التجاوب التام.
واعترف الصادق المهدى بتدبير (الجبهة الوطنية) لعملية الغزو بالتواطؤ مع ليبيا، وذلك بقوله في صحيفة (القبس) الكويتية يوم 7/9/1977: (تم الحوار بيننا وبين قادة الثورة الليبية وخلصنا فيه إلى أن بيننا الكثير من وجهات النظر العربية والإسلامية ونشأ اذّاك تعاون بيننا وبين دول عربية أخرى، ونحن بإمكاناتنا وقدراتنا التي حصلنا عليها من جميع هذه الجهات الشقيقة قمنا بمحاولة الثاني من يوليو)!! سنلاحظ في هذا الجزء من الكتاب ان الصادق قد زعم ايضا، بعد المصالحة الوطنية، ان هناك تقاربا فكريا بين (الجبهة الوطنية) ونظام مايو!!
وراحت (الجبهة الوطنية) تتعلل لهزيمتها بتعليلات واهية، لا يحترمها عقل.. ومن ذلك ما أوردته جريدة الصحافة يوم 7/8/1976: (ومن جهة اخرى ادلى عثمان خالد مضوي أحد زعماء جماعة الأخوان المسلمين الهاربين من اعوان الصادق في الجبهة الوطنية المزعومة بحديث في لندن ايضا عزا فيه فشلهم في الاستيلاء على السلطة يوم الجمعة 2 يوليو الماضي لعدم وجود فنيين لتشغيل الاذاعة!!) وقدم أمام محكمة أمن الدولة لمحاكمة الصادق المهدى والشريف الهندي وآخرين تسجيل للحديث الذي أدلى به عثمان خالد لإذاعة لندن (جريدة الصحافة يوم 29/8/1976).

المصالحة الوطنية... نعم!! ولا!!


وجاءت مبادرة الرئيس نميري بالمصالحة الوطنية في العام الماضي (1977) لتجد عناصر (الجبهة الوطنية) مكسورة الشوكة، مهيضة الجناح، وقد منيت بالفشل في سائر محاولاتها في قلب نظام الحكم، عن طريق القوة، من الداخل، ومن الخارج.. فوجدت المبادرة، وهي تجيء في هذه اللحظة السيكولوجية الملائمة، استعدادا للاستجابة من عناصر (الجبهة).. ذلك بأن هذه العناصر قد وجدت في المبادرة مخرجا، ولو موقوتا، من موقف الحرج القاسى، بعد فشل عملية الغزو، وردا لبعض اعتبارها السياسي المهدر طوال اغترابها الذي اتهمت فيه بالعمالة والتخريب.. وفى نفس الوقت وجدت (الجبهة) في المصالحة مجالا جديدا للمعارضة السياسية لم يتح لها من قبل، وهو احتواء السلطة من داخلها، بعد فشل مواجهاتها الدموية، بكل صورها، لها.. وتاريخ الاحزاب الطائفية التي تكون (الجبهة)، لا سيما تحت زعامة الصادق والترابي، إنما هو، في كل مواقفه، حلقات متصلة في سلسلة واحدة، وتكتيكات متنوعة نحو استراتيجية واحدة، هي احراز السلطة!! ونحن، هنا، إنما نربط، ربطا عضويا، بين شخصيتي الصادق والترابي لبروزهما إلى سطح الحياة السياسية معا، بعيد ثورة اكتوبر 1964، كزعيمين سياسيين يتخذان المظهر الديني، ويدعيان الدعوة الدينية، ولتحالفهما، معا، في كل اطوار الحياة السياسية منذ ذلك الوقت، وذلك في (مؤتمر القوى الجديدة) في العد الحزبي، وفى (الجبهة الوطنية) في معارضة نظام مايو، وفى (المصالحة الوطنية) وفق مخطط لاحتوائها!! وما تناقضات الأقوال والممارسات التي يتورطان فيها، اليوم، في مصالحتهما، ومشاركتهما، لنظام مايو إلا دليلا أكيدا على أنهما يعملان وفق ذلك المخطط، فيسمحان لنفسيهما، من أجل تعميته، وتمويهه، ببعض التناقضات!!
لقد أيدنا مبادرة المصالحة الوطنية فور بروزها، فأخرجنا حولها كتابنا (الصلح خير) ... ذلك بأنها، إذا وجهت الوجهة الصحيحة، يمكن أن تسفر عن توعية سياسية، ودينية، شاملة لهذا الشعب.. وأوجب واجبات نظام مايو هو توعية الشعب بما يحرره من سيطرة الطائفية عليه، ومن تضليلها إياه باسم الدين، ومن تجميدها وعيهم، ابتغاء أن تحركه احزابها كيف شاءت لخدمة مصالحها هى، وضد مصالحه هو..
والمصالحة الوطنية من الوسائل التي يمكن، إذا وجهت الوجهة الصحيحة، أن تقود إلى الاستقرار السياسي الذي يعد مناخا طبيعيا لنشر الوعي بين صفوف المواطنين.. لقد وجد نظام مايو الشعب معطل الوعي السياسي، والديني، قاصرا عن مستوى المسئولية، وتلك جريرة فساد الاحزاب الطائفية، ولذلك كان لا بد أن يقوم أمر السلطة التي تأتى لإصلاح ذلك الفساد على الوصاية الرشيدة على الشعب ريثما تبلغ به مبلغ الرشاد والمسئولية.. فهي لن تعيد إليه أمره – لن تحقق مبدأ (تسليم السلطة للشعب) كاملا إلا بعد أن يكون قد نما وعيه السياسي، والديني، إلى الدرجة التي تحصنه ضد تضليل الطائفية إياه.. ولذلك دعونا إلى أن تتخذ المصالحة الوطنية مناخا صالحا للتوعية الشعبية.. وذلك بأن تتحول التنظيمات الحزبية العتيقة إلى تنظيمات فكرية، ويطلب إلى كل تنظيم فكري أن يفصّل، ويبيّن، ويبرمج، بوضوح شديد، ما في مذهبيته، عن طريق المنابر العامة – المنابر الحرة – مما به حل مشكلة الحرية، بشقيها، السياسي، والاقتصادي، (الديمقراطية والاشتراكية)، وحقوق الانسان، (وهي المساواة أمام القانون، في الحقوق والواجبات، بين الرجال والنساء، والرجال والرجال)، وحل الأزمة الأخلاقية الحاضرة التي هي أس البلاء في تأخر حياتنا السياسية، والاقتصادية.. ثم يجرى الحوار الفكري بين هذه التنظيمات وفق الضوابط الموضوعية، والأمنية المتفق عليها فيما بينها لاستبعاد عوامل التهريج والارهاب – وذلك بحيث يشهد الشعب هذا الحوار، ويشارك فيه.... وبذلك تتم له التوعية السياسية والدينية، ويتحقق عنده التقارب الفكري، وتتبلور لديه المذهبية الصالحة.. هذه الوحدة الفكرية هي الأساس الذي ينبغي أن تقوم عليه الوحدة الوطنية.. كل اولئك إنما يتم تحت رعاية الاتحاد الاشتراكي السوداني كتنظيم فرد حاكم، من غير أن تكون بداخله (منابر) بمعنى احزاب.. فلا عودة للأحزاب بصورتها التقليدية المعروفة، ولا تفريط في مكسب من مكاسب ثورة مايو.. ويدخل في إطار هذه التنظيمات الفكرية حتى الشيوعيون حيث يتحول عمل التنظيمات السياسية الخفي إلى عمل فكري علني خاضع للحوار.. وبذلك تتحول المصالحة الوطنية إلى عمل شعبي إيجابي في التوعية، بدلا من صورة المشاركة المجردة في السلطة، التي يخطط الصادق والترابي، اليوم، لتنميتها الى تسلم السلطة!!

الصادق والترابي يبرران معارضتهما لنظام مايو!!


وجاء المبرر الذي ساقه الصادق، بعد المصالحة الوطنية، لوقوع أحداث الجزيرة أبا، وودنوباوي، من جانب (الجبهة) على درجة كبيرة من الوهن، والتناقض.. يثير الريبة في نواياه من المصالحة.. فقد قال في اجتماع اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي يوم 16 مارس 1978 (كان واضحا لنا جميعا أن الحركة التي وقعت في الجزيرة أبا وودنوباوي لم تكن بسبب رفض مبدأ الثورة في القفز بالسودان إلى حياة أفضل ولا بسبب الحرص على نظام سياسي عجز عن حل قضايا البلاد الاساسية ولكن السبب كان التصدي لتسلط فئة قليلة تريد تشويه ارادة الشعب فحسم أمرها ورد كيدها في نحرها).. والصادق يقصد بهذه الفئة الشيوعيين، بالطبع.. والغريب أن الترابي ساق نفس المبرر لمعارضته لنظام مايو باشتراكه مع الطائفية في أحداث الجزيرة أبا، وذلك في كلمته بجريدة الايام يوم 23/12/1977 حيث قال (فقد جاء الأخ جعفر إلى السلطة يحاول الشيوعيون اكتنافه وتسخيره للإحاطة به ثم الانقلاب عليه فغالب غدرهم ونصره الله عليهم). فإذا كان الصادق والترابي قد عارضا نظام مايو بسبب الشيوعيين فلماذا استمرا في معارضته بعد أن قضى على الانقلاب الشيوعي في يوليو 1971، وحتى الغزو الأجنبي في يوليو 1976، طوال خمس سنوات؟؟ وقال الترابي في هذه الكلمة أيضا، (ومهما كان من سياسات اتخذتها مايو ازاء الطائفية فقد انكسرت اليوم شوكتها....)!! هذه العبارة وحدها كافية للدلالة على عدم الصدق، وعدم الجدية، الذي يطبع موقف الأخوان المسلمين من نظام مايو، اليوم، مما يخفى وراءه مخططا لاحتوائها ينفذ هذا التنظيم ضلعا فيه!! وإلاّ فلماذا هذا التحول الفجائي المريب في المواقف من نظام مايو بعد ان كان الأخوان المسلمون رفاق سلاح للطائفية في أحداث الجزيرة أبا، وفى الغزو الأجنبي؟؟ ولماذا وقف الأخوان المسلمون ضد عمل مايو لكسر شوكة الطائفية؟

الصادق والترابي
يؤديان قسم الولاء لثورة مايو:


وافضت المصالحة بالصادق والترابي إلى المشاركة، فدخلا الاتحاد الاشتراكي السوداني كعضوين في اللجنة المركزية، ثم في المكتب السياسي.. ودخل اعضاء تنظيميهما مجلس الشعب نوابا بالانتخاب والتعيين.. وأدى الصادق والترابي قسم عضو اللجنة المركزية، وصيغته: -
(اقسم بالله العظيم أن أكون مخلصا وصادقا لثورة مايو الاشتراكية وأن ادعم تحالف قوى الشعب العاملة وتنظيمها القائد الاتحاد الاشتراكي السوداني وأن احمي الدستور وأرعى مصالح الشعب واصون استقلال الوطن وسلامة اراضيه وأن أؤدي واجبي كعضو في اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي السوداني بالتجرد والجد والاخلاص والله على ما اقول شهيد) – المادة 11- قواعد تكوين اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي السوداني لسنة 1974. أما قسم عضو المكتب السياسي فلا يختلف عن قسم عضو اللجنة المركزية الا من حيث تحديد صفة العضوية. وقد اعلنت عضوية الصادق والترابي في المكتب السياسي في الجلسة الافتتاحية للجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي يوم 15 مارس 1978... وفى تلك الجلسة قال الرئيس نميري عن المصالحة الوطنية: (إنها دعوة للمشاركة في إطار الدستور والقانون وفى داخل المؤسسات الدستورية والسياسية وبالقبول الكامل لشرعيتها والمساهمة المخلصة في دعمها وتطويرها)
أما قسم عضو مجلس الشعب فهو: (أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصا على النظام الجمهوري الثوري الاشتراكي الذي اقامته ثورة مايو وأن احترم الدستور والقانون وأن اؤدي واجبي كعضو بمجلس الشعب بجد واخلاص وأمانة وأن احافظ على استقلال الوطن ووحدته وسلامة اراضيه وأن أعمل لخدمة الشعب ورفاهيته) – المادة 130 من الدستور –
هكذا أقسم الصادق والترابي، وقبيلهما، قسم الولاء لثورة مايو بعد صراعات استمرت تسع سنوات ضدها، وكان آخرها الغزو الأجنبي الذي راح ضحيته عشرات الأنفس، وخسرت البلاد من جرائه، ملايين الجنيهات. والتساؤل الموضوعي الذي يفرض نفسه، بإلحاح شديد، هو: في سبيل ماذا تسبب الصادق والترابي في سفك دماء ابناء الدين الواحد، والوطن الواحد، فيتموا الاطفال، ورملّوا الزوجات، واثكلوا الأمهات، وهما، اليوم، يحتلان المناصب القيادية في النظام الذي شنوا عليه تلك الحرب؟؟ ووارد أنه (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا)
غير أن من أوتي أدنى درجة من الوعي السياسي ليدرك، من غير عناء كبير، أن الصادق والترابي إنما يصالحان السلطة، اليوم، ويشاركان فيها، وفق مخطط كبير لاحتوائها من الداخل – كما سنرى!!